كل الوسائل، استعيدوا الموصل، واستمروا في ذلك حتى لا يعود هناك شيء اسمه “داعش”.
لكن “داعش” كان دائماً وما يزال موضع التركيز الخطأ. ولولا أنه يحتجز هؤلاء السكان المتناثرين الذين يسيطر عليهم في المناطق الحضرية كرهائن، لكان بوسع تحالف عسكري مدار بشكل صحيح ومكون من قوتين غربيتين أو ثلاث -أو حتى الولايات المتحدة وحدها- أن يقضي عليه في غضون أسبوع. وحتى بما هي الأمور عليه، وعلى الرغم من الفوضى والولاءات المتعارضة في المسرح الحالي للحرب، فإنه يمكن سحق “داعش” بالدبلوماسية الكفؤة والقوة العسكرية في غضون أشهر. والمفتاح هو تفعيل المادة 5 من ميثاق حلف شمال الأطلسي نيابة عن عضو التحالف، تركيا، التي كانت تحت هجوم التنظيم الإرهابي بما يكفي -ولو من الناحية الفنية فقط- للقيام بذلك.
بدعم جوي من حاملات الطائرات الأميركية والفرنسية في البحر الأبيض المتوسط، والقوات الجوية الأميركية في قواعد إنجرليك والخليج، والقوات الجوية التركية والسعودية ودول الخليج، يمكن لوحدات تركية قادمة من الشمال أن تتصل في وقت قصير بقوات تدخل سريع سعودية وأردنية ومصرية قادمة من الجنوب، مدعومة بوحدات أميركية وبريطانية ومن دول الناتو الأخرى عند الحاجة، لقطع سورية من المنتصف. ومع إطباق الأكراد والعراقيين من الشرق، فإن ذلك سيطوق “داعش” في الوقت نفسه، ويحاصر النظام السوري في جيب مقطوع يحميه رعاته الروس.
مع ذلك، لن يكون الغرض الرئيسي من مثل هذا العمل هزيمة “داعش”. فمع أن “داعش” يشكل في الوقت الراهن وبلا شك أكثر الحركات الجهادية همجية وغنى بالدعاية حين يتعلق الأمر ببنيته وموارده، فإن طموحه إلى توحيد العالم الإسلامي -كما في حالة بن لادن، وناصر، والمهدي في السودان- حكَم عليه بالفشل منذ البداية. وفي حين أن الكثير قد قيل عن صلاته بالجهاديين الآخرين في أفريقيا والأماكن الأخرى، فإنه ليس لهذه التحالفات تأثير عملي يُذكر، باعتبارها ليست أكثر من مجرد تحيات بعيدة من مجموعة مصابة بالذهان إلى أخرى. أما أن يكون “داعش” قد نجا لسنوات، فإن ذلك ليس شهادة له بقدر ما هو لائحة اتهام للغرب المترنح.
كان سيليق أكثر بقوة وتاريخ الولايات المتحدة وحلفائها أن يقطعوا ويدمروا الجسر السام الخطير والمهدِّد الذي بنته إيران من أفغانتسان إلى البحر المتوسط -ولمنتهى الدهشة، برعاية رئيس الولايات المتحدة. وبالإستناد إلى إيران مقبلةٍ على أن تصبح نووية في القريب، سوف تظهر في المستقبل القريب جبهة سياسية-دينية-عسكرية متكاملة، والتي تضم العراق المدار شيعياً، وسورية ولبنان، إذا بقيت المسارات الحالية ماضية في طريقها بلا عوائق.
سوف يكون لهذا الكيان سكان يعادلون نحو نصف سكان الولايات المتحدة؛ والثروة البترولية الهائلة لإيران والعراق؛ وموانئ على البحر المتوسط، والخليج العربي، والمحيط الهندي؛ وستكون لديه أسلحة نووية؛ وصواريخ بالستية عابرة للقارات قادرة على حمل رؤوس نووية؛ وإلى أن لا يعود هذا الكيان في حاجة إلى روسيا -وهو ما ليس لديه طريق مختصر إليه- سيكون لديه هذا التعاون المؤذي والمدمر لفلاديمير بوتين.
وإذا ما حدث، تحت ضبط إدارة إيران المنتشية بخداعها الناجح للغرب، وأن أدارت هذه القوة أنظارها جنوباً إلى الأردن والسعودية، فسوف يتم تحويل منطقة الشرق الأوسط بالكامل. وعندما تعبر إيران العتبة النووية، فستفعل السعودية ذلك أيضاً. وسوف يتشجع السكان الشيعة في دول الخليج. وسيكون على مصر أن تختار بين الاسترضاء أو الوقوف إلى جانب السنة، رفاقها في الدين. أما كيف سترتب هذه العناصر نفسها، فهو ما لا تمكن معرفة ذلك مقدماً، وإنما يجب الإبقاء في الذهن أن ثقافات وحكومات العالم الإسلامي لا تحجم ولا تخجل من العنف والحرب.
المفارقة الخاصة هنا هي أن الولايات المتحدة وبريطانيا خلقتا خلال حقبة الحرب الباردة منظمة غير فعالة وبلا أسنان، “منظمة المعاهدة المركزية” أو (سينتو) والتي كانت تعرف حتى العام 1959 عندما خرج العراق، باسم “حلف بغداد”. وقد تم خلق الحلف من أجل تكوين الشريط نفسه الممتد من الشرق إلى الغرب عبر الشرق الأوسط (الذي ضم باكستان في ذلك الوقت) والذي أصبحت إيران في المراحل الأخيرة من تأمينه الآن. وكان الهدف هو منع التوسع السوفياتي جنوباً نحو موانئ المياه الدافئة. وعلى الرغم من جهود آيزنهاور ودالاس، سرعان ما أصبح حلف بغداد ذاك مجرد حلف بالاسم فقط.
لكن الرئيس أوباما نجح حيث فشلا، في بناء هذا الهيكل -لإيران. للدولة الراعية الأبرز للإرهاب. لدولة متشددة ستمتلك رؤوساً حربية وصواريخ بالستية عابرة للقارات في غضون 10 سنوات أو أقل. لأمة تقبض على مواطنينا ودبلوماسيينا وبحارتنا وتهينهم، والتي وفرت العبوات المتفجرة المركزة التي قتلت جنودنا في العراق، والتي تهتف: “الموت لأميركا” في افتتاح برلمانها.
لا تحتاج إيران إلى الوفاء بأي جزء من الاتفاق النووي الذي لم توقع عليه، والذي يعد في نظر وزارة خارجيتنا ليس مُلزماً قانوناً. وحتى لو كان كذلك، مَن يعرف كيف يمكن تأويل النص الفارسي؟ ومع ذلك، وعلى الرغم من انتهاكات إيران لقرارات الأمم المتحدة وهجومها المستمر عبر كامل منطقة الشرق الأوسط، فإننا نحترم -بل ونتجاوز “التزاماتنا”، فنمطر الإيرانيين بالأموال، والفدى، والوصول، والتشجيع والحماية. ولم يكن سوى في زمن العبقري باراك أوباما والداهية الماكر جون كيري (في حضوره ابتسم الإيرانيون بفرح، لسبب مفهوم) حين استطاع الإيرانيون تحقيق ذلك، في حين يعيدون في الوقت نفسه إدخال روسيا إلى المنطقة، بقوة -وهو إنجاز لم يستطع أي أحد آخر تحقيقه لأكثر من 42 عاماً و10 إدارات، جمهورية وديمقراطية على حد سواء.
قبل الحرب العالمية الأولى، ركزت الولايات المتحدة على الثوري المكسيكي بانشو فيا، وأرسلت بعثة حظيت بالكثير من التمجيد، والتي فشلت في القبض عليه. لكنه ظل يأسر الخيال الأميركي حتى بينما كان يتلاشى. وفي كل تلك الفترة، كانت ألمانيا في صعود، ولأننا لم نكن نستطيع أن نرى كيف سيتكشف ذلك، ولأن البعض نظروا إلى ألمانيا على أنها حليفنا الطبيعي، فقد تعامينا عما يحدث.
الآن، أصبحنا نتعامى عن إيران لصالح “داعش” -الذي لا يعدو، في هوله وإثارته، قماشة مصارع الثيران الحمراء التي تصرف الانتباه عن التهديد القاتل حقاً: السيف. ونحن نعرف أن الإيرانيين يستخدمون هذه الدينامية ببراعة. والسؤال هو، بالنظر إلى رعاية أوباما التي لا تكل كما يبدو، والتي لا يمكن تفسيرها لإيران، ونهجه البطيء في التعامل مع “داعش”: هل يستخدم هو أيضاً هذه الدينامية بالبراعة نفسها أيضا؟
مارك هيلبرن
صحيفة الغد