كان الضوء خافتاً وصوت الموسيقى صاخباً في النادي الليلي “شمس الريف” أو “صن أف ذي كانتري سايد”. وفجأة خفض مهندس الصوت ميكروفون عازف الطبول إلى درجة الهمس فيما قرّب مغني الصالة الميكروفون من فمه. ومن حوله، كانت هناك ثلاث نساء عابسات بشعر مسرح وملابس زاهية يتموجن ويرقصن على اللحن.
ترنم وهو يردد عبارته عن الرئيس السوري مثل لازمة: “تعيش سورية الأسد”. وهزت الراقصات رؤوسهن على إيقاع كلماته.
بينما يستعر أوار الحرب الأهلية في سورية، أصبحت نتيجتها ذات أهمية حيوية بالنسبة للعراقيين الذين ينظرون إلى القتال هناك باعتبارها جبهة أخرى في المعركة التي يواجهونها في الوطن. ودفع ذلك بعض الفصائل من وحدات الحشد الشعبي في البلد -المجموعات شبه العسكرية المتورطة في حربها الخاصة ضد “داعش”- إلى إرسال الإمدادات وآلاف الرجال عبر الحدود للمساعدة في محاربة الثوار الذين يقاتلون الأسد.
يقول أوس خفاجي، رئيس الفرع العراقي لكتيبة أبو الفضل العباس، الفصيل الشيعي الذي ظهر في سورية في العام 2012، والذي يهيمن العراقيون على عضويته: “بالنسبة لنا، المعركة الرئيسية هي في سورية. وإذا لم يتم الحسم فيها، فسوف ندفع الثمن هنا”.
وأضاف خفاجي مشيراً إلى حملة الهجوم الصاعق الذي كانت مجموعة “داعش” المتطرفة قد شنته في حزيران (يونيو) من العام 2014، عندما اجتاز الجهاديون الحدود السورية واجتاحوا مساحات شاسعة من المحافظات الشمالية والغربية في العراق، وأعلنوا عن قيام خلافتهم من مدينة الموصل العراقية الشمالية: “لقد دفعنا الثمن مرة أصلاً، وخسرنا ثلاث محافظات استولى عليها “داعش””.
مع ذلك، يذهب القتال في سورية إلى ما هو أبعد من مجرد ضربة وقائية توجه لتهديد وشيك. فقد أصبحت سورية ميدان المعركة الرئيس بين الطائفتين المسلمتين الرئيسيتين، ووضعت رجال الميليشيات ذات الأغلبية الشيعية في وحدات الحشد الشعبي العراقية التي تقاتل إلى جانب القوات الموالية للأسد، في مواجهة مع التمرد الذي يسيطر عليه السنة.
وكانت مجموعات مثل أبو الفضل العباس (الذي يشير اسمه إلى ابن أعلى شخصية في الإسلام الشيعي، علي بن أبي طالب) وعصائب الحق قد ظهرت أول الأمر في سورية للدفاع عن مقام السيدة زينب (حفيدة الرسول)، وهو مقام شيعي مهم بالقرب من دمشق كان هدفاً متكرراً لهجمات الثوار ومقاتلي “داعش”.
على الرغم من عودتهم مسرعين إلى العراق من أجل محاربة “داعش” في العام 2014، فقد أتاحت لهم سلسلة من النجاحات ضد المجموعات المتطرفة، وزيادة في التجنيد قبيل التدخل الروسي في أتون الأزمة السورية في أيلول (سبتمبر) الماضي، أتاح لهم ذلك إعادة الانتشار في سورية -حتى بأعداد أكبر.
وكان وصولهم موضع ترحيب. وكانت أعوام من الحرب الأهلية قد أوهنت جيش دمشق وقللت قواه العاملة، فأصبح المقاتلون الحديثون مكوناً رئيسياً للعمليات العسكرية في عموم البلد.
وغالباً ما يتولى رجال الميليشيات الذين يرتدون الزي الأصفر المميز المرقط بالأخضر، دور القوات الصادمة، ويطاردون الثوار في قتال شوارع عقابي.
في معلولا، الجيب المسيحي الواقع على بعد 40 ميلاً إلى الشمال الشرقي من دمشق، والتي استعادتها قوات الحكومة السورية في العام 2014، قاد مقاتلو أبو العباس الهجوم على آخر معاقل الثوار في البلدة، بينما راقب الجيش وعناصر قوات الدفاع الوطني الوضع من تلة قريبة.
وفي حلب التي أصبحت الآن مسرحاً لمعارك شوارع طاحنة بين الحكومة والمعارضة، ثمة فصيل عراقي، حركة النجباء، والذي أعلن في آب (أغسطس) الماضي أنه أرسل 2000 مقاتل، معززاً القوة هناك لتصل إلى أكثر من 7000 رجل. وكان هذا الفصيل المدعوم من أعلى حليف إقليمي للأسد، إيران، قد خدم لمدة عامين كقوة خاصة لدمشق؛ حيث كان يقوم بانتزاع المناطق، ثم يقوم بتسليمها إلى الجيش السوري.
ويعد وصول هذه الميليشيات إلى سورية، الذي تقره بغداد ضمنياً ولا تصادق عليه رسمياً، جزءاً من جسر جوي إيراني كبير، والذي ينقل الشيعة من إيران وباكستان وأفغانستان لتعزيز قوات الأسد.
ووفق عمار الصقار، الناطق العسكري بلسان مجموعة الثوار المدعومة أميركيا والمسماة “فاستقم كما أمِرت”، فإن التغيرات تنعكس في ميدان المعركة.
ويضيف الصقار: “على مدى العام تقريباً، شاهدنا المعارك وهي تقودها في معظمها مجموعات شيعية مثل حزب الله وآخرين”. وحزب الله هو فصيل شيعي قوي وحليف للحكومة السورية.
ويقول أيضاً: “كل القتلى والجرحى في معركتنا في الشيخ سعد (في الضاحية الجنوبية من حلب) هم من المقاتلين العراقيين”.
من جهته، قال الناطق بلسان حركة النجباء إن الحركة انتشرت في حلب لأنها “مدينة استراتيجية في المعركة ضد التطرف مثل الموصل” وليس بسبب المعتقدات الدينية، كما قال الناطق باسمها هشام الموسوي، وأصر على أن مجموعته تقاتل “لإزاحة طيف الإرهاب من المدن المسيحية والمسلمة، لأننا نهتم بالإنسانية وحسب”.
وقال في معرض اتهامه للثوار بأنهم إخوة أيديولوجيون لمتطرفي “داعش”: “نحن نعتقد أن العدو واحد، وأن المشروع واحد. إنه امتداد طبيعي للمعركة في العراق واليمن وليبيا”.
وأضاف: “كل من يقطع رأس شخص، ومن يدنس الكنائس والأضرحة والمساجد… ومن يدمر المصانع، يدعون بأنهم معتدلون”. وكان بذلك يشير إلى حوادث حيث اتهم مقاتلو المعارضة -بمن فيهم مجموعات تعد من ثوار الاتجاه السائد- بالانخراط في قطع الرؤوس وتدمير الأماكن الدينية.
وتساءل مستنكراً: “ما هي هذه المعارضة المعتدلة التي تقبل بأن تضرب الطائرات الأميركية سورية؟”.
وردد خفاجي من حركة أبو الفضل العباس صدى هذه النظرة، مضيفاً أن هناك مباحثات جرت مع قيادة قوات الحشد الشعبي للانتشار في سورية متى ما انتهت معركة الموصل.
وقال: “بعد الفلوجة… كان هناك قرار داخلي بأنه بعد الموصل يجب علينا حماية حدودنا الغربية مع سورية والمشاركة في اتفاقية مع الحكومة السورية للقتال هناك”.
ومع ذلك، قال الناطق بلسان قوات الحشد الشعبي، أحمد الأسدي، إن مثل هذا القرار يجب أن يصدر من بغداد.
وقال: “إذا انتهت المعركة ضد داعش في العراق وقررت الحكومة العراقية ملاحقة المجموعات الإرهابية في سورية لضمان أن لا يهددوا الحدود مرة أخرى، فسنكون جاهزين عندئذٍ”.
لكن الثوار في سورية يرون الفصائل العراقية على أنها ليست أكثر من مرتزقة طائفيين. وفي وقت سابق هذا الشهر، بث ثوار “فاستقم” صوراً وأشرطة فيديو لتحقيق كانوا قد أجروه مع أحد رجال ميليشيات النجباء.
وقال أحد مقاتلي الثوار مستحضراً اسمي الخليفتين الراشدين بينما كان رجل الميليشيا يبكي مصراً على أنه سني المذهب: “هذه الأرض ممنوعة عليكم. هذه أرض (الخليفتين) عمر وأبو بكر”. وعندما طلب منه توجيه رسالة لقادته، تحدث إلى الكاميرا قائلاً: “لماذا فعلتم بنا هذا؟”.
لم يتحدد مصير أولئك الذين ألقي القبض عليهم، كما قال أبو يوسف، لكنه لم يتوقع أن تحتج الحكومة العراقية على أسرهم، وبالتالي أن تطالب بعودتهم.
وقال: “هؤلاء المقاتلون غزاة ونحن ندافع عن أرضنا. إنهم بالتأكيد لم يأتوا إلى هنا للسياحة”.
نبيه بولس
صحيفة الغد