على أثر الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في موسكو -يوم أمس الجمعة- والذي جمع كل من سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا ومحمد جواد ظريف وزير خارجية النظام الإيراني ووليد المعلم وزير خارجية النظام السوري. فبعد ذلك الاجتماع عقد هؤلاء مؤتمر صحفي مشترك اتفقوا فيه على منع عناصر تنظيم داعش المسلحة من مغادرة الموصل والتوجه نحو الرقة، كما اتفقوا على محاربة الإرهاب في سوريا، والإرهاب هنا يعني من وجهة نظرهم محاربة الشعب السوري الذي انتفض على حاكم مستبد أمعن في القتل ضد شعبه، ومحاربة المعارضة العسكرية المعتدلة. ولكن لو سلمنا فرضاً في طروحات المجتمعين في موسكو بمحاربتهم للإرهاب فهل سياساتهم وممارساتهم على الواقع تدعم تصريحاتهم؟
فلنبدأ أولاً بالنظام الإيراني، هذا النظام الذي ارتكب -ولا يزال- يرتكب ارهاباً ممنهجاً على المستوى الداخلي والخارجي، فعلى المستوى الداخلي ومنذ الثورة الإيرانية في العام 1979م، وهو ينتهك حقوق الإنسان من القوميات غير فارسية كالكردية والبلوشستية والأذرية ويحرمهم من حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويغرق محافظاتهم وخاصة الكردية والبلوشستية بالمخدرات كي يُغيبهم عن واقعهم المرير، وعلى الجانب الطائفي يضطهد النظام الايراني الذي يتخذ من الشريعة الإسلامية “نظريا”ً الإطار المرجعي لحكم الدولة والمجتمع في إيران، أبناء الطوائف الدينية وخاصة أبناء الطائفة السُنية فيها. أما خارجياً فالنظام الإيراني وعبر مليشياته الشيعية العراقية المتحالفة معه لم تتواني عن قتل وتهجير أبناء السُنة بحجة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وفي سوريا لم يتواني ذلك النظام من إرسال المليشيات الشيعية من باكستان كلواء “الزينبيون” وأفغانستان كلواء “الفاطميون” والعراق كلواء ” أبي فضل العباس” و”عصائب أهل الحق” ولبنان “حزب الله اللبناني” للقتال إلى جانب بشار الأسد بحجة حماية المراقد المقدسة لدى الشيعة في سوريا.
وللأسف ولسوء طالع فلسطين والشعب الفلسطيني بأنه لا يوجد أي مرقد لآل البيت فيها لكّنا رأينا إن كان لذلك النظام وحلفائه ومرتزقته أي بطولات في الدفاع عنها!!، ولم لا يتوقف إرهاب النظام الايراني على العراق وسوريا وإنما اتسعت دائرته ليشمل دول الخليج العربي من خلال خلاياه الإرهابية النائمة على سبيل المثال في البحرين والمملكة العربية السعودية والكويت لزعزعة أمن أمن واستقرار تلك الدول، وتفكيك نسيجها الاجتماعي، وخلق حالة من القلق الاجتماعي فيها، وفي اليمن يدعم النظام الايراني جماعة الحوثي التي انقلبت على الشرعية اليمنية. ففي سياق حرب التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية الداعمة للشرعية اليمنية ضد جماعة الحوثي لم يتردد الأخير -بالأمس- بمحاولتها في قصف صاروخ “باليستي” على مدينة مكة المكرمة في عمق الأراضي السعودية. وفي إطار الحرب بالوكالة فإنه ليس من المستبعد أن يكون النظام الإيراني وراء اختيار مكة المكرمة هدفا للقصف باعتبار النظام الإيراني المستفيد من إطالة أمد الحرب في اليمن بهدف إشغال دول الجوار وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بالنزاع اليمني عن باقي أزمات البيئة العربية لا سيما أزمتي السورية والعراقية.
أما نظام بشار الأسد ورموزه كيف لهم أن يحاربوا الإرهاب وهم من يمارسوه عملياّ وبأبشع صوره على الشعب السوري منذ اندلاع الانتفاضة ضده في 15 آذار/مارس عام 2011م، وحتى يومنا هذا. فمن أجل ترسيخ حكمه، والحفاظ على مصالح روسيا في مجال احتكار سوق الغاز الطبيعي على المستوى الدولي والحفاظ أيضا على وجوده العسكري على شواطىء البحر المتوسط والحفاظ أيضاً على مكتسبات المشروع الايراني في البيئة العربية والشرق أوسطية وعلى السواحل الشرقية للبحر المتوسط، لجأ ذلك النظام -على سبيل المثال- إلى استخدام السلاح الكيميائي على الغوطة والبراميل المتفجرة على إدلب، فهو عاشق لاستخدام هكذا نوع من الأسلحة ضد شعبه، ناهيك عن أساليب القتل والتعذيب الوحشية ضده، فهذا النظام السوري عندما نُمعن في سلوكه القمعي ندرك جيداً بأنه حقاّ نظام مقاوم وممانع! في حصول الشعب السوري على حريته، ومن أجل ذلك، قتل وجرح ما يزيد عن مليونين مواطن سوري، واعتقل أكثر من 20 ألف مواطن، وشُرّد أكثر من 11 مليوناً من أبناء الشعب السوري، بين مناطق اللجوء في الدول المجاورة والدول الأوروبية والنزوح داخل الوطن السوري، ناهيك عن تدميره البنى التحتية والمشافي والمدارس والأملاك الخاصة والعامة بشكل كبير جداً.
في 30 أيلول/سبتمبر عام 2015م، دخلت روسيا عسكرياً وبشكل مباشر على خط الصراع السوري بحجة محاربة الإرهاب والمتمثل بتنظيم داعش، لكن عملياتها العسكرية منذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا ثثبت دوماً بأن هدفها ليس ذلك التنظيم وإنما المعارضة العسكرية السورية التي تقاتل نظام بشار الأسد، فأي جماعة مسلحة تُقاتل بشار الأسد هي بنظرها جماعة إرهابية فهل قتال روسيا لداعش-أن كانت تقاتله- ثمنه هدم المدن السورية كمدينة حلب على ساكنيها وتهجيرهم ونزوحهم من مدينتهم واستهداف الأعيان المدنية فيها.
وبناء على تلك الممارسات فإنه من الصعوبة بمكان القول بأن محمد جواد ظريف إذا جاز لنا وصفه بوزير المليشيات الشيعية المنتشرة في العراق وسوريا بالنظام الإيراني، ووليد المعلم وزير استخدام السلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة في النظام السوري، وسيرجي لافروف وزير هدم المدن السورية في النظام الروسي، بأنهم حقا سيحاربون الإرهاب، يُمكن تصديقهم في حالة واحدة فقط إذا استطاع علماء حقل الرياضيات أن يربعوا “الدائرة”.
وحدة الدراسات الإقليمية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية