بعد معاناة ساعات طويلة من السير على الأقدام في رحلة تزدحم بالمشقة والرعب هربا من جحيم المعارك في مدينة الموصل، يتلاشى جانب من معاناة النازحين بلقائهم على أبواب مخيمات النزوح أقارب لهم سبقوهم في الفرار من المدينة.
وتغمر الفرحة الممزوجة بالألم قلوب النازحين فور وصولهم إلى المخيمات الكائنة بمحيط الموصل، فهناك أقاربهم الذين فرقت بينهم الحرب على مدار عامين ونصف، يشعرون بأمان نسبي افتقدوه منذ سيطرة تنظيم الدولة على مدينتهم في يونيو/حزيران عام 2014.
وداخل أسوار مخيم “الخازر” للنازحين شرق الموصل تتبعثر حكايات الألم وقسوة رحلة النزوح ومشاهد وذكريات من الموت عاشها النازحون قبل أن يصلوا بأمان إلى أطراف الموصل.
إحدى النازحات العراقيات فرقتها الحرب عن شقيقها أبو إياد طوال عامين ونصف، قبل أن تجتمع معه في مخيم “الخازر”، حيث لا تسمح القوات الأمنية العراقية له بالدخول إلى مخيم “الخازر” لأسباب أمنية، إلا أن ذلك لا يمنعه من تبادل الحديث مع شقيقته وأفراد عائلتها الستة الذين يقيمون داخل المخيم، من خلف السياج الفاصل.
تقول شقيقة أبو إياد التي رفضت ذكر اسمها “رغم المآسي التي رافقتنا خلال فرارنا من قبضة داعش وهول المعارك فإنني فرحت حين التقيت مجددا بشقيقي أبو إياد بعد فراق طويل، و رغم معاناتنا داخل المخيم لكننا فرحون أننا نجونا من موت مؤكد، فكنا لا نعلم ما تخفيه لنا قادم الأيام في الموصل لذا قررت مع عائلتي الرحيل وترك منزلنا وإنقاذ أرواحنا وأطفالنا”
وعلى أبواب مخيم “الخازر” كان “أبو سعاد” الذي نزح عام 2014 من الموصل، يترقب أفواج النازحين الجدد قبل أن ينطلق مسرعا صارخا بأعلى صوته “سعاد ..سعاد” ويجلس على ركبتيه أمام بناته الثلاثة ويحتضنهن بعد فراق طال لأكثر من عامين.
يقول “أبو سعاد”، والدمع يغمر عينه “لم أر بناتي لأكثر من عامين ونصف، ومشاعري لا توصف وهذه دموع أذرفها فرحا بلقياهن، لم أتصور أننا سنلتقي مجددا لكن القدر جمعنا مرة أخرى، والآن أصبحت مطمئنا بأنهم في مأمن حتى وإن كانت هناك معاناة داخل المخيم”.
أما سعيد زينل (66 عاما) أحد الفارين من جحيم المعارك من قرية طوبزاوة شرق الموصل فيقول “أرعبتنا قذائف المدفعية وبتنا نخشى على أطفالنا ونسائنا فقررنا الرحيل من منازلنا باتجاه مخيم الخازر الأقرب لمنطقة سكننا”.
ويضيف زينل بينما يتوسط عائلته أمام خيمة حصل عليها من إدارة المخيم وتجلس إلى جواره زوجته وأحفاده “قطعنا أربع ساعات مشيا على الأقدام، كانت الرحلة الأصعب في حياتنا، حتى وصلنا إلى ناحية برطلة شرق الموصل ومن هناك كانت حافلات بانتظارنا ونقلتنا إلى المخيم”.
وعن أوضاعهم في المخيم يقول “المساعدات من أغطية وما شابه تصل إلينا بشكل جيد لكن نخشى أن يطول الحال بنا في هذا المخيم الذي هو أشبه بسجن في منطقة آمنة، إضافة إلى أنه لا يتوفر بداخله خدمات الماء والكهرباء”.
وأحاطت السلطات مخيم “الخازر” بسياج لمنع تسلل النازحين باتجاه مدينة أربيل، كما أن قوات الأمن الكردية تمنع الزيارات للمخيم إلى حين إكمال الإجراءات الأمنية للتأكد من عدم وجود مطلوبين أو منتمين لتنظيم الدولة في صفوف النازحين.
ويقول “أبو منار” (44 عاما) من سكان قرية بازوايا بينما يحمل كيسا من الأرز متوجها إلى خيمته “لا نعلم من أين كانت تسقط علينا قذائف الهاون، لقد تضررت بعض منازلنا جراء الاشتباكات والقصف، بعض السكان قتلوا داخل قريتنا ولم نتمكن من إخلائهم أو دفنهم وبعضهم أصيبوا بجروح ولا نعلم مصيرهم حتى الآن”.
“بعض عناصر داعش كانوا يتعمدون اتخاذ المدنيين دروعا بشرية من خلال الدخول إلى منازلنا وخصوصا المأهولة بالسكان والاشتباك منها مع قوات الجيش العراقي”.
ارتفعت أعداد النازحين الفارين من المعارك المندلعة في الموصل باتجاه مخيمات أقامتها الحكومة العراقية على مشارف الإقليم الكردي في البلاد، وتقول لجنة إغاثة واجلاء النازحين (عسكرية) إنها استقبلت منذ الأربعاء الماضي 3400 نازح توزعوا على مخيمات أنشئت حديثا.
الجزيرة