لا يبدو أن الموصل ستكون نقطة النهاية في المعركة مع داعش بالعراق، فهناك رغبة من مختلف الأطراف العراقية وغير العراقية في أن تمتد هذه المعركة إلى سوريا بزعم مطاردة المقاتلين المتشددين الفارين من المدينة.
لكن الأجندات المتناقضة تقول عكس هذا، فإيران وتركيا تخططان لأن تمتد المعركة إلى سوريا، وتكسر الحدود التقليدية. وتريد طهران أن تمضي في طريق بناء الهلال الشيعي عبر العراق وسوريا ولبنان، فيما تريد أنقرة أن تحصل على منطقة عازلة ممتدة من الموصل إلى الساحل السوري لمنع أكراد سوريا والعراق من بناء كيان يذكي رغبة أكرادها في الانفصال.
وقال متحدّث باسم ميليشيا الحشد الشعبي المدعومة من إيران السبت إن الحشد يعتزم عبور الحدود إلى سوريا للقتال مع قوات الرئيس السوري بشار الأسد بعد طرد مقاتلي داعش من العراق.
ويحارب مقاتلون شيعة عراقيون بالفعل مع قوات الأسد، لكن في سياق تحرّك غير معلن، لكن تولي الحشد مهمة الحرب في سوريا سيصبح انتقالا معلنا في الأجندات الإيرانية الهادفة إلى ضم سوريا والعراق ولبنان إلى سيطرتها.
وقال أحمد الأسدي المتحدث باسم الحشد الشعبي في مؤتمر صحافي في بغداد “إننا في العراق وبعد تطهير كل أرضنا (…) على استعداد تام إلى الذهاب إلى أيّ مكان يكون فيه تهديد للأمن القومي العراقي”.
وكشف فالح الفياض مستشار الأمن الوطني في الحكومة العراقية ورئيس هيئة الحشد الشعبي السبت، عن إمكانية دخول القوات العراقية الأراضي السورية بعد تحرير الموصل، عازياً السبب في ذلك إلى “ملاحقة عناصر داعش”.
وهذه هي المرة الأولى التي تكشف فيها جهة عراقية عن هذا التوجه منذ بدء الحرب ضد داعش الذي استولى على مناطق واسعة في شمال وغرب البلاد وكذلك في سوريا عام 2014.
وجاءت تصريحات الفياض خلال ندوة بعنوان “تحديات الأمن الوطني بعد تحرير الموصل”، عقدها معهد العلمين للدراسات العليا (تابع لوزارة التعليم والبحث العلمي) في محافظة النجف.
وأضاف الفياض أن “العراق يشترك مع سوريا بحدود ومناطق مشتركة واسعة”، وأن “الساحة السورية متداخلة بالساحة العراقية، وقد نضطر للدخول في مناطق سورية لردع داعش”.
وقال مراقبون عراقيون إن الأجندات الإقليمية خرجت إلى العلن بعد أن كانت تتخفّى وراء التكتل ووراء مهمة طرد داعش واستعادة المدن الواقعة تحت سيطرته، لافتين إلى أن إيران وتركيا صارتا تعلنان بوضوح النية في خلق مواطن نفوذ لهما في العراق.
واعتبر مراقب سياسي عراقي أن المفاجئ في المشهد هو إعلان الحشد الشعبي عن تحوله إلى ميليشيا عابرة للحدود بعد أن كان يوهم العراقيين بأن مقاتليه قوة داعمة للقوات العراقية في مهمة طرد داعش.
وأشار المراقب في تصريح لـ”العرب” إلى أن إيران تسعى إلى ربط وجودها العسكري في سوريا بوجودها في العراق، وتفوض لميليشيات الحشد الشعبي وحزب الله اللبناني هذا الربط.
ومنذ البداية كان العراقيون متخوفين من دور الحشد، خاصة بعد أن توسع دوره وارتفعت أعداد مقاتليه إلى أكثر من خمسين ألفا.
ويثير مستقبل الحشد الشعبي بعد انتهاء المعركة الكبرى ضد تنظيم داعش أسئلة محيّرة وقلقا شديدا لدى العراقيين. فالبعض يرى دمج الحشد في قوات الحرس الوطني، لكن آخرين يتخوفون من أن يستمر بطريقة أكثر استقلالية ويصبح دولة داخل الدولة، وله إمكانيات وقدرات تفوق قدرات القوات الحكومية.
والفرضية الأسوأ هي تعميق التنافس بين فصائل الحشد المدججة بالسلاح بعد أن كانت قد دفنت خلافاتها بسبب الحرب ضد المتشددين. لكنها قد تعود للظهور بعد المعارك، وتبدأ بمعارك طاحنة للسيطرة على المدن وتحويلها إلى كانتونات مغلقة.
وتقوم “كتائب حزب الله” و”كتائب الإمام علي” و”بدر” و”عصائب أهل الحق” بشكل مستمر بدور القوات المهاجمة ضد داعش، وبعضها يقاتل في سوريا إلى جانب قوات النظام السوري. لكن فصائل أخرى مثل “سرايا السلام” تتولى حماية المراقد المقدسة لدى الشيعة.
وكانت تركيا، التي فرضت المشاركة في معركة الموصل، أعلنت عن رغبتها في قيادة معركة الرقة بسوريا، وفق خطة تهدف إلى تركيز مواقع نفوذ متقدمة لها شمال العراق وسوريا لمنع التنسيق الكردي في العراق وسوريا، ومنع قيام كيان كردي جامع لأكراد المنطقة.
ورغم سعي الأطراف العراقية الموالية لإيران بكل الطرق لمنع أي دور تركي في العراق خوفا من تكرار تدخل شبيه بما يجري شمال سوريا، فإنها تتجنب إثارة غضب الولايات المتحدة التي تقوم بالدور الأكبر في المعارك عبر الطيران الحربي للتحالف الدولي.
صحيفة العرب اللندنية