مع التقدّم المسجّل في حملة استعادة مدينة الموصل العراقية من تنظيم داعش، نشطت المطالبات بتغييرات حقيقية في العملية السياسية الجارية بالبلد منذ سنة 2003 باتجاه إلغاء المحاصصة الطائفية والعرقية، وإنهاء احتكار السلطة من قبل الأحزاب الشيعية، في مقابل تهميش أبناء الطائفة السنية وهو عامل لا يغيب عن أسباب التدهور الشامل الذي آلت إليه أوضاع البلاد على مختلف المستويات اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا إلى حدّ تمكّن بضعة آلاف من المتشدّدين في 2014 من غزو مساحة تتجاوز ثلث المساحة الجملية للبلد.
وغذّت آمالَ المطالبين بالتغيير في العراق “تنظيرات” قادة سياسيين ورجال دين شيعة بشأن “مشاريع سياسية عابرة للطائفية”، اعتبرها منتقدوهم جزءا من جهود إعادة تلميع صورة الأحزاب الشيعية الموالية لإيران التي باتت قاتمة في أعين الغالبية العظمى من العراقيين، ومساعدتها على التقاط أنفاسها بعد أن بلغت تجربتها في الحكم طريقا مسدودا وقادت الدولة العراقية إلى شفا الإفلاس والانهيار.
واعتبرت عضو مجلس النواب العراقي عن تحالف القوى العراقية نورة البجاري، الأربعاء، أن مرحلة ما بعد انهيار تنظيم داعش في الموصل تمثّل الاختبار الواقعي لقيادات العراق السياسية بمختلف انتماءاتها ولصناع القرار لبناء الدولة أو لترسيخ اللاّدولة.
ودعت البجاري في بيان “إلى اعتماد سياسة وطنية تجمع العراقيين ولا تفرّق شملهم بعناوين ثانوية كالطائفة والمذهب او القومية”.
وأضافت أن “تحرير الموصل من داعش يجب أن يكون نقطة بدء التعافي في إعادة بناء هيكل الدولة وسلطتها، وإلا فستزداد أعداد الناقمين على تراجع الأوضاع وسوء إدارة البلاد وحكم الأحزاب المتنافرة”.
وتابعت أن “إنهاء ملف داعش فرصة ذهبية للأطراف العراقية المختلفة لإعادة بناء الدولة والمجتمع العراقي على أسس سياسية ودستورية جديدة، إذ لا يمكن تجاوز أخطاء المرحلة السابقة بالاعتماد على السياسة الحالية وآلياتها ومنهجيتها في إعادة التوازن للدولة وتوطيد الأواصر الوطنية بين مكونات المجتمع العراقي”.
ويتكون تحالف القوى الذي تنتمي إليه النائبة نورة البجاري من كيانات سياسية محسوبة بشكل رئيسي على العرب السنة في العراق.
ولا تسلم القيادات السنية العراقية المشاركة في العملية السياسية من انتقادات حادّة من أبناء طائفتها تتهم تلك القيادات بالانخراط في حكم طائفي يستخدمها كواجهة للإيهام بوجود شراكة بين مكونات المجتمع العراقي، فيما السيطرة الفعلية للأحزاب الشيعية.
وعمليا تقود تلك الأحزاب التي يجاهر أغلبها بالولاء لإيران، الدولة العراقية من خلال احتكارها لأهم المناصب القيادية السياسية والإدارية، وعلى رأسها منصب رئيس الوزراء.
وتحذّر شخصيات عراقية من وجود مساع لإعادة توظيف ذات الوجوه السياسية السنية في الحفاظ على الوضع السياسي القائم في العراق، في مرحلة ما بعد داعش، تحت يافطة مشروع سياسي عابر للطائفية.
ويرفع لواء هذا المشروع الآن بشكل رئيسي الزعيم السياسي والديني الشيعي الطموح، عمّار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي الذي يريد الاستفادة من احتراق كبار منافسيه بتحمّلهم مسؤوليات مباشرة في الدولة، ليعرض نفسه رجلا للمصالحة والوفاق، قادرا على قيادة مرحلة ما بعد داعش في العراق.
وفي أحدث بيان صادر عن مكتبه قال الحكيم “إنّ العراق على وشك حسم معركته ضد الإرهاب في نينوى والقضاء على الخلافة المزعومة لداعش وبتحريرها سنعلن الانتهاء من تحرير كامل الأراضي العراقية”.
ولفت إلى أن التحالف الوطني الذي تسلّم الحكيم ذاته رئاسته مؤخرا “بوصفه الكتلة البرلمانية الأكبر يعد العدة لتقديم وثيقة وطنية مهمة للتسوية الوطنية تمثل مشروعا سياسيا جامعا للعراقيين بالتزامن مع تحرير الموصل”.
ومن جهتها كشفت مصادر سياسية عراقية لصحيفة “العرب” أن فريقا يتزعمه السياسي الشيعي إبراهيم بحر العلوم شرع في إعداد وثيقة “التسوية التاريخية” التي تستهدف المصالحة بين الاطراف السياسية الشيعية والسنية.
وبحسب ذات المصادر فقد بدأ العمل على “المشروع” منذ تولي عمار الحكيم رئاسة التحالف الوطني.
وقالت المصادر إنّ الخطوط الرئيسية للوثيقة اكتملت وإنّها تنصّ على استرضاء القيادات السنية بمنحها المزيد من المناصب السياسية والإدارية والأمنية والعسكرية.
وتنص الخطة الأصلية المقترحة من الحكيم على استدراج واحتواء الشخصيات السنية الأكثر معارضة لحكم الأحزاب الشيعية.
لكن ذات المصادر أكّدت في المقابل أن فيتو إيرانيا أدّى إلى حذف أسماء العديد من الشخصيات السنية المستهدفة بالمشروع، ما دفع القائمين على تنفيذ رؤية الحكيم للتوجّه إلى قيادات سنية من الصفّ الثاني مثل عبداللطيف الهميم وسليم الجبوري وعبدالرحمن اللويزي وحميد الهايس وأحمد أبوريشة وقاسم الفهداوي، باعتبار أن هؤلاء سبق وأن أظهروا رغبة في الانصهار في النظام والاستفادة منه بدل التمرّد عليه.
صحيفة العرب اللندنية