في حين تواصل القوات الأمنية العراقية، وبمساندة ما يُعرف بالحشد الشعبي، وطيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تقدمها نحو مركز مدينة الموصل لاستعادتها من سيطرة تنظيم داعش، يشهد مجلس النواب العراقي خلافاً كبيراً بين الكتل السياسية حول مساعي بعض الأطراف لإقرار “قانون الحشد الشعبي”. إذ من المقرر التصويت على مسودة القانون اليوم “السبت” وينص القانون وفق نواب بالبرلمان العراقي قد اطلعوا على مسوّدته، على تحويل “هيئة الحشد الشعبي والقوات التابعة له تشكيلا يتمتع بالشخصية المعنوية، ويعد جزءا من القوات المسلّحة العراقية ويرتبط بالقائد العام لتلك القوات. ويخضع هذا التشكيل ومنتسبوه للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي. كما يتمتع المنتسبون له بكافة الحقوق والامتيازات التي تكفلها القوانين العسكرية والقوانين الأخرى ذات العلاقة. وتحدد مهام التشكيل، وأجزاؤه ووحداته وأملاكه، وسائر شؤونه الإدارية والفنية والمالية والتنظيمية، بموجب نظام يصدره القائد العام للقوات المسلحة”.
وينطوي طرح قانون الحشد الشعبي في هذه المرحلة بالذات على مفارقة لتزامنه مع حملة الترويج لمشروع ما يعرف بـ”التسوية التاريخية” الهادف وفق دعاته إلى تصحيح مسار العملية السياسية والتخفيف من حدّة التوتر الطائفي والعرقي بإنجاز مصالحة بين المكوّنات العراقية، الأمر الذي يراه عراقيون متناقضا بشكل صارخ مع تأسيس جيش لطائفة بعينها مسلّح ومموّل على حساب الدولة، ويكرّس المزيد من سطوة أبناء تلك الطائفة على الحياة العامة على حساب باقي الطوائف والمكوّنات.
وقال الناطق باسم «الحشد» النائب أحمد الأسدي، إن «جلسة البرلمان السبت ستشهد عرض مسودة قانون الحشد على التصويت بعدما اكتملت المراحل القانونية، ولا يمكن التأخير أكثر من ذلك». وأكد أن «غالبية الكتل البرلمانية ستصوت لمصلحة القانون واختلاف وجهات نظر بعض النواب أمر طبيعي في أي نظام ديموقراطي». وأضاف أن «هذا القانون طرح للنقاش منذ فترة طويلة جداً وأدخل عليه الكثير من التعديلات، وأي محاولة لتعطيله تقف خلفها دوافع سياسية وأجندات خارجية». واعتبر «تحويل الحشد إلى مؤسسة رسمية في هذا التوقيت أمر ضروري جداً لا سيما أننا على وشك الانتهاء من المعارك مع داعش، ولا بد من ترتيب أوضاع البلاد في المرحلة المقبلة، وأولى الخطوات هي إقرار قانون الحشد الذي قدم التضحيات وكان له الدور الأبرز في تحرير البلاد». ونتساءل هنا ما هذه الديمقراطية التي تُعظم من مكاسب مكون إجتماعي على حساب المكونات الإجتماعية الأخرى؟ وإذا طالب ذلك المكون في تطبيق الديمقراطية بما تخدم مصلحته ومصلحة العراق جميعاً يصبح إرهابي، فلماذا ستقر مسودة قانون الحشد الشعبي في الوقت الذي رفض فيه قانون الحرس الوطني الذي يراعي كل مكونات الشعب العراقي من دون استثناء، وهو مطلب شعبي.
ويرى المتابعون للشأن العراقي أن التصويت على مسودة القانون في هذه المرحلة بالذات التي تقترب فيها الحرب على داعش من نهايتها، يأتي ضمن عملية التفكير التي انخرطت فيها شخصيات وأحزاب شيعية مستفيدة من الفصائل بـ”مستقبل” فصائلهم التي مازالت لها أدوار كبيرة ستلعبها غير دور الحرب على التنظيم المتشدّد، وفي مقدّمتها السيطرة على السلطة في البلاد وضمان بقائها في أيدي الأحزاب الشيعية، بعد أن ظهرت أصوات كثيرة منادية بالدولة المدنية بعد إفلاس تجربة الحكم القائمة حاليا بشكل كامل وعلى مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية.
ويرى المتابعون أيضاً أنه إذا تم تمرير القانون في مجلس النواب العراقي بالأغلبية الشيعية فإن هناك أزمة طائفية جديدة في العراق ستظهر، ولن يستفيد منها سوى السياسيين المنتفعين من هذا القانون الذي لن يستفيد منه لا الدولة ولا المجتمع. وسيشكل ضربة حقيقية للتسوية الوطنية ويعطي رسالة سلبية عن استمرار سياسة ليّ الأذرع وعدم وجود جدية في بناء مرحلة جديدة على أسس الشراكة، ويصنّف متابعون للشأن العراقي عملية تحصين الحشد الشعبي بقانون ضمن مساعي التحالف الوطني الحاكم لقطع الطريق أمام أي جهة تحاول أن تقيم دعوى قضائية أو تفتح ملف الجرائم الكبيرة التي ارتكبتها -أو سترتكبها- عناصر تابعة للحشد والتي سبق لها الضلوع في جرائم ذات طبيعة طائفية بحق مدنيين تحت يافطة محاربة الإرهاب في المحافظات العراقية ذات الغالبية السنية مثل ديالى وصلاح الدين والأنبار خلال الأعوام القليلة الماضية أثناء العمليات العسكرية التي شهدتها تلك المناطق بهدف استعادتها من تنظيم داعش. لاسيما إن هناك العديد من التحفظات على قانون الحشد الشعبي الذي تم إنشاؤه بناء على فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني حيث دخلت ضمن الحشد تشكيلات عسكرية وميليشيات موجودة قبل ظهور تنظيم داعش وتشكيل الحشد، ولها برامج وولاءات وعلاقات إقليمية معروفة مثل منظمة بدر والعصائب وحزب الله والخراساني، وبالتالي فلا يجوز إعطاء غطاء قانوني لمثل هذه التنظيمات، من يضمن أن تطيع الفصائل بعد صدور قانون الحشد الشعبي، أوامر القائد العام للقوات المسلحة، وليس أوامر قادة الميليشيات الذين سيكون لهم الفضل في تعيينهم ضمن الحشد وهم يخضعون لقيادتهم منذ سنوات. ومن ثم سيبقى عناصر الميليشيات ولاؤها لقادة المنظمات التي ينتمون إليها وليس لرئيس الوزراء، وبالتالي فلا يمكن السيطرة عليها حتى إذا صدر القانون.
لذا يرى متابعين للشأن العراقي يرون تطبيق القانون بحرفيته على الحشد الشعبي سيكون أمرا مستحيلا نظرا لاستحالة قطع صلة الميليشيات الشيعية التي تمثّل النواة الصلبة للحشد بقادتها الأصليين غير المستعدّين للتنازل عن مصدر قوّتهم وسلاحهم في مواجهة منافسيهم وأعدائهم سواء من داخل طائفتهم أو من خارجها. ومن هنا سيؤول القانون الجديد إلى إنشاء جسم عسكري آخر، دون إلغاء وجود الميليشيات. ويشير المتابعون له إذا أريد مكافأة شهداء وعناصر الحشد الشعبي على دورهم في محاربة داعش فيمكن تطبيق قوانين الجيش والشرطة عليهم، وتساءل المتابعون : لماذا نميز دم الحشد الشعبي عن دم الجيش والشرطة والبيشمركه والمقاتلين الآخرين الذين دافعوا عن العراق؟
ويرى المتابعون للشأن العراقي أن إقرار مسودة قانون الحشد الشعبي سيكون بمثابة الضربة القاضية للمؤسسة العسكرية ونهاية للجيش العراقي. فعلى الرغم من التضحيات والجهود التي قدمها الجيش العراقي في الحروب التي خاضها منذ تأسيسه ولغاية الآن، وتستمر آخرها ضد تنظيم داعش حالياً؛ فإن هناك جهات تحاول تدمير المؤسسة العسكرية ليحل (الحشد الشعبي) محلها، من خلال إقرار قانون الحشد الشعبي المزعوم. وإن إقراره سيجعل المليشيات قوة عسكرية موازية للجيش العراقي، إن لم تكن أكثر قوة؛ لكونها مدعومة من قِبل التحالف الوطني الشيعي”، لافتين إلى أن “هذا القرار له تبعات كبيرة وخطيرة؛ لكون أغلب هذه الفصائل ولاؤها لإيران”. وأن بعض القيادات في الحشد الشعبي، تم منحها رتباً عالية، في حين لا يمتلك أغلبهم من الحنكة والخبرة العسكرية شيئاً، وهو ما ينذر بانهيار المؤسسة العسكرية في العراق”، مبينين أن بعض الضباط في الجيش العراقي تركوا الجيش وانضموا إلى صفوف (الحشد)؛ وذلك لحصولهم على بعض الامتيازات. فوضع مسودة قانون الحشد الشعبي تحت يافطة ضبط فوضى السلاح وإدخال الفصائل المسلّحة تحت إمرة الدولة، لا يعتبر في نظر المتابعون للشأن العراقي والمعترضين عليه، سوى ذريعة لعملية استنساخ لتجربة الحرس الثوري الإيراني، وإنشاء جيش لطائفة بعينها يكرّس سطوتها على باقي الطوائف والمكونات. وبحسب المتابعين للشأن ىالعراقي أن إقرار مسودة قانون الحشد الشعبي قد يجهز على ما بقي من سمعة الدولة العراقية وهيبتها، حيث سيشرّع الجريمة ويكرّس العنف المستشري أصلا في البلد حين يجد المواطنون أن القانون لا يمكن الركون إليه، وأنه لا مناص من حمل السلاح لحماية أرواحهم وممتلكاتهم. ويفتح الباب أيضاً لتصفية الحسابات السياسية بين الأطراف العراقية المتنازعة على السلطة والمتنافسة على تحصيل المكاسب السياسية والمادية.
ويعتقد المتابعون للشأن العراقي أيضاً أن مسودة قانون الحشد الشعبي سيتم تمريره في النهاية وأن واقع مكونات الحشد من الفصائل لن يتغير سواء صدر القانون أم لا لأن المطلوب لدى بعض القوى المحلية والإقليمية أن يكون للحشد الشعبي دور أمني وسياسي مهم في العراق والمنطقة حاضرا ومستقبلا. وفيما يفترض نظريا أن ينتهي دور الحشد بانتهاء سيطرة تنظيم داعش على مناطق البلاد في العراق، تطلّ بوضوح إرادة قوى وشخصيات سياسية شيعية لإسناد دور سياسي وعسكري للميليشيات في مرحلة ما بعد داعش. وما أدل على ذلك ما صرح به المتحدث باسم الحشد الشعبي أحمد الأسدي للصحفيين أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي بقوله أن: “إحدى مهام الحشد الشعبي المستقبلية هي تأمين الحدود مع سوريا، وقطع إمدادات تنظيم الدولة الإسلامية القادمة من سوريا”، معتبرا أن الحشد مستعد للذهاب إلى أي مكان يتضمن تهديدا “للأمن القومي العراقي”.وعن كيفية دخول المليشيات إلى سوريا، قال الأسدي إن “ذلك سيكون بالتنسيق بين الحكومتين العراقية والسورية”. وما صرح به أيضاً القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، إنه من الممكن أن تتوجه بعض مليشيات الحشد الشعبي إلى سوريا لدعم بشار الأسد بعد الانتهاء من معركة الموصل ضد تنظيم داعش، وإن العالم الإسلامي بحاجة إلى أن يدعم بعضه بعضا في الوقت الراهن، وتابع “وقد يتم إرسال الحشد الشعبي إلى سوريا في هذا الإطار”.فإقرار هذا المشروع يخدم النظام الإيراني بشكل كبير فمن جهة يخلق جيش مواز للجيش الوطني العراقي تابع له على غرار حزب الله في لبنان، ويكون ذراع النظام الايراني في العمليات العسكرية في سوريا واليمن. وفي حال إقرار مسودة القانون نتساءل في هذا السياق نتساءل عن أي مستقبل ينتظر العراق ؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية