للوهلة الأولى، يبدو أن انتخاب دونالد ترامب شكل أخباراً سيئة بالنسبة لإيران. ولكن، إذا وُضعت في الأمور في الميزان، فإن ثمة فرصة لأن تعمل لصالح الملالي هناك على نحو مثير للدهشة.
على المستوى العلني، يشدد قادة إيران على أنهم يعيرون القليل من الاهتمام لما يجري في الولايات المتحدة، وأنهم يعتزون باستقلالهم. وقال المرشد الديني الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، في كلمة له في الأسبوع قبل الماضي: “إن إيران لا تهتم بمن يكون الرئيس الأميركي التالي”.
ومع ذلك، فإنه يستطيع بالكاد أن يتجاهل وعود السيد ترامب في حملته الانتخابية “بتمزيق” الاتفاق النووي التاريخي الذي كان قد تم التوصل إليه في العام الماضي، والذي كثيراً ما وصفه بأنه أسوأ صفقة على الإطلاق. وفي الرد على ذلك، قال آية الله علي خامنئي مؤخراً إنه إذا مزق السيد ترامب الاتفاق، “فإننا سوف نشعل فيها النار”.
لكن انتخاب السيد ترامب يعرض أيضاً فرصاً جديدة بالنسبة لإيران، كما يقول العديد من المحللين. وبينما انتقد الصفقة النووية، قال أيضاً إن على الولايات المتحدة أن توقف دعم الثوار في سورية، وأن تركز على محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي -مما ينقل دعمها، من الناحية الفعلية، إلى حليف إيران في سورية، الرئيس بشار الأسد. وإذا حدث هذا “فإنه سيكون جيداً بالنسبة لإيران وللمنطقة والعالم”، كما قال محمد ماراندي، الأستاذ المشارك لدراسات أميركا الشمالية في جامعة طهران.
وبوجود حليفها اللبناني، حزب الله، دعمت طهران السيد الأسد على مدى الانتفاضة التي كانت قد بدأت في العام 2011، معنوياً أولاً ثم مالياً وعسكرياً في وقت لاحق. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 400 جندي إيراني وأفغاني شيعي لقوا حتفهم في الصراع، وفق إحصاءات رسمية.
يقول الأستاذ ماراندي: “إذا جاء هذا التغيير من ترامب من بين كل الناس، فسوف يكون تغيراً يشار إليه بالبنان”. وفي السياق الأوسع، تأمل إيران وتنتظر اليوم الذي تحزم فيه الولايات المتحدة أمتعتها وتغادر الشرق الأوسط وتغلق قواعدها العسكرية في المنطقة، وتبعد حاملات طائراتها عن منطقة الخليج. وبينما يبدو حدوث ذلك بعيد المنال، فقد أظهر السيد ترامب نزعة انعزالية في تساؤله عن قيمة حلف الناتو والمظلة النووية فوق كوريا الجنوبية واليابان.
وأضاف الأستاذ ماراندي: “يجب عليهم أن يتوقفوا عن تهديدنا. إذا كانت الولايات المتحدة في ظل ترامب ستكون أكثر إيجابية، فإنه سوف يجد إيران وهي ترد بالمثل”.
وحتى مع الصفقة النووية، فإن من الممكن أن تعمل الأشياء في نهاية المطاف لصالح طريق إيران. ففي الأسبوع قبل الماضي، وقع 76 من خبراء الأمن القومي تقريراً يحث السيد ترامب على المحافظة على الصفقة النووية. وفي وقت لاحق، حث حتى بعض الجمهوريين في الكونغرس ومجموعات كانت قد عارضت الصفقة السيد ترامب على التأني ودراسة طرق أخرى للضغط على إيران.
ويوم الثلاثاء الماضي، فعل مجلس النواب هذا بالتحديد، وصوت بأغلبية جامحة على تمديد بعض العقوبات على إيران لعشرة أعوام إضافية.
وحتى لو ألغيت الاتفاقية، فإن إيران ربما تظل في موقف مناسب لتكسب. فقد تسلمت أصلاً عشرات المليارات من الدولارات على شكل أموال مجمدة، وهي تبيع النفط في السوق العالمي وتبرم صفقات مع الشركات التجارية الأوروبية. وإذا كانت واشنطن تريد إعادة فرض العقوبات على إيران مرة أخرى، فإن من المشكوك فيه أن تنضم القوى العالمية الأخرى التي وقعت على الصفقة إلى هذا الجهد.
ربما تكون المنطقة الواحدة التي يتخسر فيها إيران والولايات المتحدة، هي منطقة الدبلوماسية الشخصية، وهي شيء لم يكن موجوداً من الناحية الفعلية بعد الثورة الإسلامية في العام 1979.
خلال عامي المفاوضات على الصفقة النووية، طور وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ونظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، علاقة شخصية قوية. وأمام الكاميرات على الأقل، ربتا على أكتاف بعضهما وضحكا وبديا متفقين على كل شيء، وبدا أن الأمور تسير على ما يرام، في تعبير عن انفراج للبلدين اللذين لا يوجد فيهما سفارات كل للأخرى عاصمتيهما.
لم يقرر السيد ترامب بعد من هو الذي سيكون وزير خارجيته. ولكن، مع ذكر أناس مثل رودولف دبليو غولياني، العمدة السابق لنيويورك، وجون أر. بولتون، يبدو من غير المرجح أن يستمر المستوى نفسه من الصلة الشخصية.
وقال سعيد لايلاز، الاقتصادي المقرب من الرئيس حسن روحاني: “دعونا نواجه الحقيقة. لقد انتهى شهر العسل. لقد تحدث هذان الرجلان وفريقاهما لمئات الساعات، في فترة زمنية امتدت لعامين. فمن يمكن أن يحل محلهما؟”.
من جهته، قال نادر كريمي جوني، المحلل المقرب من الحركة الإصلاحية للسيد روحاني: “لقد عرف السيد كيري والسيد ظريف بعضهما بعضا لأعوام. وصهر السيد كيري يتحدر من أصل إيراني. وكان السيد ظريف قد استضاف السيد كيري في منزله في نيويورك عندما كان سفيراً لبلاده لدى الأمم المتحدة. وتستطيع التأكد من أن هذه العلاقات هي الآن شيء من الماضي، مع الأسماء الجديدة التي تذكر هناك”.
من الطبيعي أن إيران ستخسر الكثير إذا تم التنازل عن الصفقة النووية. فمنذ التوقيع عليها في كانون الثاني (يناير) الماضي، عادت إيران إلى أسواق النفط العالمية، فيما وفر الكثير من الدخل الذي تمس الحاجة إليه كثيراً لقادة إيران الذين استطاعوا الوصول أيضاً إلى بعض أمواهم المجمدة في الخارج. وفي الأثناء، تتدفق الوفود التجارية على إيران التي تخطط لشراء 117 طائرة بوينغ -وهي طائرات أميركية ستجلب أيضاً ثقافة تجارية أميركية لإيران.
ولكن، في الوقت نفسه، ما تزال هناك بنوك دولية ضخمة تمتنع عن تقديم أي خطوط ائتمانية لمشاريع لها صلة بإيران، كما أنها لا تسمح بالتحويلات البنكية خشية التعرض للعقوبات الأميركية أحادية الجانب المفروضة على إيران. وعلى الرغم من أن إدارة أوباما تعمل على توضيح نقاط الغموض التي تعيق التمويل، فإن من المرجح أن توقف الإدارة الجمهورية تلك الجهود.
ما يزال بعض المحللين يتمسكون بوجهة النظر التقليدية التي تقول إن العداوة الأميركية لإيران لم تتلاش أبداً، وإنما تغيرت الظروف التي تحيط بالعلاقة وحسب.
يقول حسين رويفوران، المحلل السياسي: “الاختلاف الآن هو أنه بسبب كل الأزمات الإقليمية، ثمة فرص لكل منا للتعاون في سورية والعراق وأفغانستان واليمن على سبيل المثال. وهذا يعني أنه على كل رئيس أميركي، بسبب إدامة نفوذنا، أن يحافظ على التعامل مع إيران، سواء كان ذلك أوباما أو كلينتون أو الآن ترامب”.
للإيرانيين الاعتياديين أفكارهم الخاصة عن السيد ترامب، ويرى العديد منهم فيه رأس حربة لقدوم الفوضى العارمة. وتلعب وجهة النظر العالمية للبلدان التي عانت على يد أدوات الكولونيالية والقوى الغربية دوراً في صياغة السياسات الكبرى ونظريات المؤامرة.
من جهته، يقول حسين دارباني، المزارع الثري: “لقد جلب أولئك الذين في السلطة خلف الستار هذا الترامب لحل أكبر مشكلة في العالم: زيادة عدد السكان”.
وخلص إلى التحذير: “سوف نشهد إراقة دماء وفوضى عارمة مع هذا الرجل الذي يقود السفينة، لاحظوا كلماتي”.
توماس أردبرينك
صحيفة الغد