صورة صغيرة للمشهد الكبير، وما بين جرائم القتل الفردي وجرائم القتل الجماعي خيط صغير يحمل الجينات الوراثية نفسها. من الاستكانة والدعة والابتعاد عن الحيطة والحذر، والرقص مع الثعابين، جريمة قتل وقعت في الكويت راح ضحيتها مواطنان كويتيان، أحدهما من الأسرة الحاكمة، وثالث الضحايا عاملة إندونيسية!
السلطات الكويتية قالت في بيان لاحق إنها قبضت على الطباخ الإيراني وشريكه من الجنسية نفسها، إذ قام الأول بتقييد وتكميم الضحايا، وفتح باب الشقة للثاني الذي تولى قتلهم بدم بارد، ليتمكنا من سرقة مبلغ من المال. القتل تم بإطلاق الرصاص على الرقاب وفي الفم!
الدافع الظاهر للجريمة هو السرقة، فهي ليست جريمة سياسية، لكن هذه الجريمة بجنسيات القتلة وقدرتهما على التغلغل والحصول على الثقة، الى درجة طبخ الطعام وفتح باب الشقة في ظل أوضاع معروفة للقاصي والداني تعيشها المنطقة منذ سنوات، تخبر عن واقع الحال الخليجي في تعامله مع الخطر الإيراني، سواء أكان مباشراً بالجنسية الإيرانية أم بجنسيات مرتزقة عرب أو غير عرب يعملون لمصلحة الخمينية المتوحشة، فالشقة يمكن أن تكون شركة مقاولات أو مصرفاً تجارياً أو قصراً منيفاً، وربما «منشأة» تحت غطاء ثقافي أو خيري. والقتل في هذه الحالات يتم في شكل بطيء ومدروس، تُقيد الضحية من دون قيود ظاهرة، وتُكمم الأفواه بطرق شتى، بل ربما تُدفع الأفواه الى قول ما لا يقال في مثل هذا الظرف.
ربما في رمزية الدلالات هذه إجابة عن تساؤلات حول تعامل بعض دول الخليج مع الخطر الإيراني المباشر أو غير المباشر. الأخير متمثل بالحشود الطائفية واستغلال «مناسبات» دينية مع رفع رموز ورايات، وهي أيضاً للمناسبة تحت مظلة الضيافة. للطباخ تأثير عجيب، وسط هوس ميليشيات طائفية تقتل القريب وتهدد البعيد.
وإذا كنت تساءلت في يوم ما وأنت تقرأ في كتب التاريخ عن أحوال سقوط دول عربية، وقلت لنفسك: كيف يعقل أن تحدث مثل تلك المقامرات بالمصائر؟ فلم تصدق أن تصطبغ السياسات بهكذا رخاوة وتسويف حتى دخل الشك عقلك حول صحة الروايات، فقد جاءك الحاضر واقفاً أمامك بالصوت والصورة، ليؤكد لك أن ما دوّنه التاريخ حقيقة، وأن ما تعيشه هو جزء منه.
عبدالعزيز السويد
صحيفة الحياة اللندنية