بعدما أصبح دونالد ترامب واقعاً لا مناص من التعامل معه طالما أن الولايات المتحدة تتدخّل في كل مكان حتى عندما تقول أنها لا ترغب في التدخّل (على طريقة باراك اوباما)، وبعدما أبدى الرئيس الأميركي المنتخب تصميماً مؤكّداً على التعاون مع روسيا – فلاديمير بوتن خلافاً للتوجّهات الرئيسية لحزبه الجمهوري، فإن الدول الأخرى مضطرّة للتكيّف مع هذا الواقع الذي ينطوي على مقدار متساوٍ من الإيجابيات والسلبيات التي يصعب تقديرها منذ الآن، ثم إن التقارب الوفاقي بين الدولتين العُظميَين لا يعني بالضرورة أنهما تخطّطان لتوطيد السلم العالمي، أو أنهما تهجسان بتوطيده، بل لعله يطمح على العكس لنقل صراعاتهما الى وجهة أو وجهات أخرى.
ثمة توافق يبدو أنه سيشكّل عنواناً أولياً لتعاون ترامب – بوتن، وهو هزم الارهاب واضعاف عنف المجموعات غير النظامية، باعتبار أنهما باتا عنصرين مزعجين وحتى منافسين لمشاريع الهيمنة بتهديدهما استقرار دول حليفة أو صديقة تعتمد عليها الدولتان الكبريان، ومنذ حرب ادارة جورج بوش الابن على الإرهاب، بدءاً من 2001، حتى الآن، لا ترى دول عربية او إسلامية معنية أن تلك الحرب ترمي فعلاً الى انهاء ظاهرتي الارهاب والتطرف العنفي، بدليل أن النتائج المحققة فعلاً اقتصرت من جهة على حملات عسكرية وأمنية معيارها كمّ القتل وأعداده، ومن جهة اخرى على اإذكاء نار التطرّف بسبب السياسات العدائية المرافقة. وإذا كانت بداية ظاهرة تعزى دائماً إلى حقبة الاحتلال الروسي السوفياتي لأفغانستان فإن حرب التدمير الروسية في الشيشان أجّجت ما صار يُعرف بـ «الارهاب الاسلامي» أو «الجهادي». ومع الاحتلال الروسي لسوريا وتركيزه على نهج ابادة للمعارضة السورية، بحجة محاربة الإرهاب بالتزامن مع الحرب الأميركية على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، تجمّعت معالم التجربة الافغانية ومعالمها، بل تفاقمت، ليس فقط في الجانب المتعلّق بالمجموعات الارهابية وإنما أيضاً في الوجود الاميركي والروسي، ويصعب الاعتماد على الثنائي ترامب – بوتن لبلورة رؤية للمسألة الإرهابية تأخذ في الاعتبار مصالح الشعوب والمجتمعات المنكوبة فعلاً بالإرهاب.
أما العنوان الآخر المرشح لأن يَشغل إدارة ترامب، ويدفعه إلى مغازلة بوتن، فهو الصين، فرغم أن اضطرابات الشرق الأوسط فرضت نفسها على إدارة أوباما واستهلكت قسطاً كبيراً من اهتماماتها، إلا أن السياسة الخارجية الاميركية أبقت تركيزها على منطقة شرق آسيا واعتبرتها محوراً لاستراتيجيتها المقبلة. هذا ما يشار إليه تحديداً عندما يقال أن أميركا تتخلّى عن الشرق الاوسك والخليج. وفي الآونة الأخيرة لم تعد هيمنة التجارة الصينية عالمياً هي ما يقلق واشنطن، رغم صراعات يثيرها في مختلف القارات، بل انتقال بكين الى ترجمة تفوقها المالي والاقتصادي برفع درجة هيمنتها السياسية على جزر بحر الصين الجنوبي ومعظمها متنازع عليها مع فيتنام أو اليابان وتايوان، ما دفع هذه الدول في اتجاه اميركا، الراغبة بدورها في كبح الاندفاعة الصينية. ولذلك يريد ترامب تحييد روسيا في أي صراع مرتقب مع الصين.
تكثر حالياً التحليلات القائلة بأن أميركا تشهد تحوّلاً سينعكس على العالم، وهذا صحيح. لكن الدول الكبرى المأزومة تبحث عما يعالج مشاكلها، وبالتالي فهي مرشّحة لتحصيل مصالحها على حساب الدول الحليفة والصديقة، حتى لو تطلّب ذلك تهميش هذه الدول وتركها لأزماتها من المساعدة على حلّها… لعل هذا هو الملمح الغالب على استراتيجية أميركا – ترامب.
عبدالوهاب بدرخان
صحيفة العرب اللندنية