علن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عدة قرارات لمواجهة الارهاب في مدن شمال سيناءفي اعقاب الهجمات المتزامنة التي شنتها جماعة «ولاية سيناء» الخميس الماضي، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وربطت القرارات للمرة الاولى بين تنمية سيناء ومحاربة الارهاب فيها، ما يعد تطورا تاريخيا في سياسة الدولة التي طالما اقتصرت على البعد الامني في التعامل مع سيناء، لكن تبقى ثمة تساؤلات مهمة، ان كانت كافية لرسم استراتيجية جديدة وناجعة في مواجهة ما يبدو خطرا متعاظما يهدد الامن القومي المصري والعربي بالضرورة. وينبغي التوقف عندها، لتفادي تكرار القصور الذي ادى الى استمرار التدهور الامني في سيناء.
اولا: اتسمت الكلمة الارتجالية التي القاها الرئيس السيسي في اعقاب اجتماعه مع المجلس الاعلى للقوات المسلحة الجمعة الماضي ببعض الارتباك، وبكثير من الغموض بشأن أسباب تكرار الهجمات الارهابية وتفاصيلها، وما اسفرت عنه من خسائر، وطبيعة الاجراءات التي اتخذتها الدولة ردا عليها، وهو ما كان ينتظره المصريون بدلا عن هذا السيل من الكلمات العاطفية حول «الاستعداد للموت» أو أن «الجيش يموت بدلا من الشعب» رغم ان الجيش جزء من الشعب، الذي لم يعد قادرا على فهم ما يحصل. واذا كان القصد من هذا الكلام طمأنة الشعب، ومنع اهتزاز الثقة في الجيش، فقد فشل حتما. وكان الاحرى ان تكون الكلمة مكتوبة ومحسوبة بعناية لتحقق اهدافها.
ثانيا: أما القرارات، فمن حيث الشكل لوحظ انها صدرت عن المجلس الاعلى للقوات المسلحة، وليس، كما كان يجب، عن مجلس الدفاع الوطني الذي يضم رئيس الوزراء ووزير الداخلية ورؤساء الاجهزة الامنية، وهو ما يشي بتهميش الحكومة والمؤسسات لمصلحة المجلس العسكري. ولم يخل المضمون من الارتباك ايضا، اذ انشأت قيادة عسكرية موحدة لسيناء تدمج الجيشين الثاني والثالث عمليا، وهو ما يعكس مخاوف جديدة من توسع الهجمات من شمال سيناء الى جنوبها. الا ان انشاء قيادة موحدة مع الاستمرار في اتباع التكتيكات والخطط العسكرية نفسها قد لا يكون كافيا بالنظر الى ان الجيش لا يخوض حربا نظامية ضد عدو تقليدي، بل يواجه حرب عصابات في منطقة مأهولة بالسكان، ما يستدعي اعادة نظر شاملة.
ثالثا: في اجتماع بدا انتخابيا مع قيادات الدولة والجيش والاحزاب والسياسيين والاعلاميين، فاجأ السيسي الجميع بتكليف الفريق اسامة عسكر بتنمية سيناء بميزانية عشرة مليارات جنيه، بالاضافة الى مهمته الاصلية كقائد للقيادة العسكرية الموحدة الجديدة شرق القناة، ما يثير تساؤلات بديهية مثل: كيف سيقسم الفريق عسكر وقته بين قيادة الحرب التي وصفها السيسي نفسه بانها ستكون «طويلة جدا وشريرة وصعبة» واقامة المشاريع التنموية والاقتصادية، وهذه حرب من نوع آخر بالنظر الى ما عانته سيناء من اهمال وتهميش لعقود طويلة؟ ثم لماذا يكلف قائد عسكري اصلا بعمل سياسي – تنموي يعد ضمن المهام الاصيلة للحكومة بما فيها من وزارات مختصة وخبرات وكفاءات لا يمكن الاستغناء عنها.
رابعا: ان حضور التنمية لا يعوض الغياب الفادح للابعاد الثقافية والسياسية في الاستراتيجية الجديدة لمكافحة الارهاب. ولا يمكن الاستمرار في غض النظر عن بقاء بعض المناهج التي تدرس في الأزهر مثل (كتاب الاقناع في حل الفاظ ابي شجاع) وغير ذلك من خطاب ديني مغلوط في بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل والمساجد يعد وقودا للتطرف والكراهية والارهاب.
اما سياسيا فان النظام لم يتردد في الاستفادة الكاملة من الهجوم، بتجييره ضد جماعة «الإخوان»، مع تصاعد دعوات العنف والهجمات والانفجارات في العديد من المحافظات بمناسبة ذكرى الثورة. وبالفعل ادى اشتداد الاحتقان والتحريض الى تعرض بيوت لمحسوبين على الجماعة لعمليات حرق، كما تعرضت شوارع ووسائل نقل عامة لهجمات في تطور خطير، كان ينبغي على الجميع تفاديه باي ثمن.
واخيرا فان اي استراتيجية لمواجهة الارهاب تبقى ناقصة طالما افتقرت الى رؤية سياسية تسمح باستيعاب الرافضين للعنف، مهما كانت توجهاتهم الفكرية، وهذا لا يتعارض مع اهمية التطبيق الحازم للقانون على من يقفون وراء الهجمات الارهابية، ايا كانوا، سواء في سيناء او الوادي. والى ان يقتنع النظام بهذا الامر البديهي، سيكون من الصعب رؤية ضوء في نهاية هذا النفق الكئيب المظلم والدموي ايضا.
القدس العربي