دأبت إيران بين الحين والآخر على استعراض قدرتها على خنق حركة الملاحة البحرية العالمية بإعلان نيتها إغلاق مضيق هرمز، وأحيانا تقوم بمناورات بحرية تتضمن تهديدات بإغلاقه، ينتج عنها حرب تصريحات متبادلة مع الدول الخليجية أو الولايات المتحدة الأمريكية. ومؤخرا جاء تصريح من أحد القادة العسكريين الإيرانيين حول السيطرة الإيرانية على مضيق هرمز، والتي استتبعها سيل من الأخبار في المواقع المصرية حول تحرك إيران نحو إغلاق المضيق والسيطرة عليه.
تدرك إيران ان التداعيات الأمنية والعسكرية والاقتصادية لإغلاق المضيق من شأنها وضع طهران فى مواجهة مع دول المنطقة والدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لان الضرر سيلحق اقتصاديات دول العالم، وليس دول الخليج فقط، ناهيك عن تأثر ايران وعلاقاتها وتبادلاتها التجارية مع الدول الآسيوية كالصين وروسيا، بالتالى سيتضرر شركاؤها، كما أنها على عكس المملكة العربية السعودية لا تمتلك طريقا آخر للتصدير و80 ٪ من الدخل القومى يعتمد على صادراتها النفطية إلى دول آسيا، لذا فإيران ملزمة بتأمين سلامة المضيق، لان تهديده يتعارض ومصالحها الحيوية مما يلحق ضررا اقتصاديا يهدد استقرار النظام. كما انه ليس من مصلحتها استعداء دول العالم والقوى الأوروبية فى مرحلة تنشد فيه رفع مزيد من العقبات المفروضة عليها، والخروج من عزلتها الاقتصادية والدبلوماسية، وجنى آثار الاتفاق النووى مع مجموعة دول 5+1 خاصة مع الدول الأوروبية، حيث سارعت فرنسا الى إبرام اتفاقات معها لتطوير الطيران الايرانى، ومحاولات المانيا الحفاظ على استمرار الاتفاق النووى مع طهران. يضاف الى ذلك ادراك ايران تداعيات تلك الخطوة التى سيقابلها بلاشك رد امريكى ودولى.
ومن هنا يثور التساؤل عن أسباب التصريح الأخير حول المضيق، مادامت تدرك إيران عواقبه الوخيمة. هناك من الدوافع ما يرتبط بالسياق الداخلى الايرانى وأخرى ترتبط بالسياق الدولى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية. وتتلخص الدوافع المرتبطة بالداخل الايرانى فى التوازنات والتنافس بين القوى السياسية، خاصة فى ظل انتقاد تيار المتشددين والحرس الثورى لحكومة روحانى منذ إبرام الاتفاق النووى، لاسيما أن الحرس الثورى الإيرانى فقد جزءا من القوة السياسية والاقتصادية بعد الاتفاق الذى يستتبعه رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، ومحاولات دمج إيران فى الأسواق العالمية وجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يتناقض مع مصالح الحرس الثورى الذى يستثمر فى الصناعات الرائدة.
وهو ما يجعل انفتاح الشركات الاجنبية على ايران يهدد قاعدة الحرس الثورى الاقتصادية التى لن تستطيع منافسة تلك الشركات، لذا يحاولون استعادة مزيد من الدعم السياسي، مستغلين تصريحات الرئيس الامريكى المنتقدة لإيران، كما أن تصريحات ترامب ضد إيران قد تسهم فى تراجع وخشية المستثمرين الأجانب، ليحل محلهم الحرس الثورى والذى يعتبر المزيد من انخراطهم الاقتصادى تهديدا للاستثمار الأجنبى، مما يعوق مشروع روحانى الاقتصادى، وبالتالى تزايد مصاعب اقتصادية تتسبب فى احتجاجات يقوم الحرس الثورى بقمعها كما حدث فى 2009. من هنا يبغى التصريح الأخير حول مضيق هرمز إلى فتح المجال لمزيد من التوترات بين إيران ومحيطها الخارجى، ومحاولة إفشال برنامج روحانى الذى يستعد للانتخابات الرئاسية المقبلة.
أما الدوافع الخارجية، فترتبط بأكثر من هدف، أهمها أن مجلس الشيوخ الأمريكي قد صوت الخميس الماضي بتمديد العقوبات ضد إيران عشر سنوات، حيث سوف تنتهى خلال هذا العام فترة العقوبات الحالية، وفى انتظار توقيع أوباما، وخرجت التصريحات الإيرانية التى ربطت بين تمديد العقوبات وبين انتهاك الاتفاق النووى، وتصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بأن تمديد الحظر الأمريكي يتعارض مع الاتفاق، والتلويح بالرد الإيراني على لسان المرشد الأعلى، فضلا عن تقديم برلمانيين لمشروع قرار لاستئناف الأنشطة النووية فى حال التمديد، بصرف النظر عن مدى جدية الخطوة حيث أن الاتفاق النووى لم يمر بالأساس عبر البرلمان، لذا يأتى التصريح فى إطار الردع فى مواجهة أي خطوات محتملة صارمة ضدها. أما ثانى الأهداف فقد يكون محاولة من إيران للتأثير على سعر النفط العالمى فى حال الإشارة إلى تعرض نقله لخطر أو تهديد بما يدفع فى اتجاه رفع السعر العالمى.
فى النهاية يمكن القول، إن إيران تستخدم ورقة مضيق هرمز لممارسة الردع الاستراتيجى، لإدراكها التكلفة العسكرية والاقتصادية والسياسية والأمنية الباهظة لأى مواجهة شاملة مع دول الخليج العربى والقوى الغربية.
هدى رؤوف
صحيفة الأهرام