يريدكم دونالد ترامب أن تعرفوا أنه يخطط للقضاء على “داعش”. وقد وعد الرئيس المنتخب بقصف “داعش” حتى إخراج الجحيم من أحشائه، واصفاً نفسه بأنه القائد الذي يستطيع أن يوجه ضربة ساحقة للمنظمة المتطرفة. لكن ترامب سيُجبر سريعاً على التعامل مع حقائق حرب أكثر تعقيداً بكثير مما كان مستعداً للاعتراف به.
في الشهر الماضي، سارع المسؤولون الأميركيون إلى تنظيم هجوم ضد عاصمة “داعش” بحكم الأمر الواقع في الرقة، محذرين من معلومات استخباراتية قالت بأن المجموعة تخطط لشن هجمات إرهابية من هناك ضد الغرب. ويقدر المخططون العسكريون أن “داعش”، الذي شرع فعلاً في تقوية تحصينات المدينة، يمكن أن يجمع ما يصل إلى 10.000 من الجهاديين للدفاع عن المدينة.
لا مفر من مشاركة الجيش الأميركي في المعركة القادمة. وفي 24 تشرين الثاني (نوفمبر)، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن أحد أفراد الخدمة الأميركيين قتل بعبوة ناسفة على بعد 35 ميلاً تقريباً إلى الشمال الغربي من الرقة -ليكون أول ضحية أميركي في سورية منذ نشر قوات العمليات الخاصة هناك في تشرين الأول (أكتوبر) 2015.
لكن حرباً مستمرة بين اثنين من حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في شمال سورية تعني أن تحرير الرقة سيتطلب أكثر من مجرد قدرة واشنطن على استخدام القوة الغاشمة. فقد دعمت الولايات المتحدة عملية تقودها قوات سورية الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد لاستعادة المدينة، والتي أعلنت عن بدء هجومها يوم 6 تشرين الثاني (نوفمبر)، واستولت منذ ذلك الحين على عشرات القرى خارج الرقة من “داعش”. لكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أعلن أن الثوار المتعاطفين مع أنقرة، الذين اشتبكوا مع قوات سورية الديمقراطية على مدى الأشهر القليلة الماضية، يهدفون هم أيضاً إلى تحرير الرقة.
إذا نفذ الطرفان وعودهما، فإن الجميع سيكونون عرضة للخسارة -ربما باستثناء “داعش”. وتتبع وحدات حماية الشعب الكردية، القوة المهيمنة في قوات سورية الديمقراطية، لحزب العمال الكردستاني الذي خاض حرب عصابات منذ عقود ضد الدولة التركية. ولهذا السبب، شجب أردوغان قوات حماية الشعب الكردية وصنَّفها منظمة إرهابية، واصفاً دعم الولايات المتحدة لدورها في الرقة بأنه “ساذج”، كما أطلق نيران المدفعية والغارات الجوية بشكل متكرر ضد المجموعة الكردية في أعقاب تدخل الجيش التركي في سورية في شهر آب (أغسطس).
يعترف كلا الطرفين، ويأسفان، على الكيفية التي تسبب بها صراعهما الخاص في صرف انتباههما عن الحرب ضد “داعش”.
ويقول أبو يوسف الراعي، وهو صحفي في تلفزيون “سمارت تي. في.” الذي يقع مقره في المناطق التي يسيطر عليها الثوار المدعومون من تركيا: “كل ما يحدث في المنطقة، والخلافات والصراعات، تساعد ‘داعش’ على استعادة قوته وتنظيم جبهاته”.
وبعبارات أخرى، فإن هزيمة “داعش” يجب أن تتضمن فك عقدة مستعصية في تحالف الولايات المتحدة نفسه. ويقول نوح بونسي، المحلل الرفيع للشأن السوري في مجموعة الأزمات الدولية، أن كلاً من أنقرة وقوات سورية الديمقراطية مهمان جداً للقتال ضد “داعش” بحيث لا يمكن التخلي عنهما نهائياً. وفي الوقت نفسه، مع ذلك، قاد قرار واشنطن وضع ثقلها خلف الطرف الذي يكون في موقع أفضل في أي لحظة معينة للاستيلاء على المناطق من المجموعة المتطرفة، إلى دفع كل من أنقرة والقوات الكردية إلى التقدم بأسرع وقت ممكن –حتى مع المخاطرة بنشوب صراع بينهما.
يقول بونسي: “مثل هذه الظروف تحفز كل طرف على خلق وقائع مفضلة على الأرض بأسرع وقت ممكن. كما أنهم يرفعون أيضاً مخاطر تجاوز الخطوط، وبذلك إمكانية إحداث دورة من التصعيد المتبادل الذي يمكن أن يشمل كلا جانبي الحدود التركية-السورية”.
نقطة الاشتعال بين القوات التي يقودها الأكراد وتركيا، هي مدينة الباب التي يسيطر عليها “داعش”، والتي تقع على بعد 100 ميل تقريباً غرب الرقة. وقد تقدمت قوات كل منهما إلى مسافة بضعة أميال من مدينة الباب، بطريقة تثير منافسة على قطعة الأرض التي يعتبرها كلا الطرفين حاسمة لتحقيق طموحاتهما الإقليمية.
يقول صالح مسلم، الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي، أكبر حزب سياسي في المناطق الكردية: “إن الجانب التركي لا يحارب أبداً ضد ‘داعش’. هذا الهجوم في الباب، خاصة توقيته، يرمي فقط إلى مساعدة ‘داعش’ ولا شيء آخر. (قوات سورية الديمقراطية) تعمل معاً ضد ‘داعش’، ولذلك يحاولون أن يجعلوها لا تركز على الرقة، وإشغالها في مكان آخر”.
في الأثناء، عبر أبو يوسف الراعي عن استيائه من أن الثوار المدعومين من تركيا لا يستطيعون أن يلقوا بثقلهم العسكري في القتال ضد “داعش”، لأن عليهم أن يحترسوا دائماً من هجوم ربما تقوم به القوات الكردية في أماكن أخرى على طول خطوط جبهتهم. وقال إنه كان من المفترض أن تكون المعركة لاستعادة الباب “سهلة جداً”، ولا تستغرق أكثر من بضعة أسابيع. “أما الآن، مع وجود الميليشيات الكردية، فإن المعركة تتأجل والتخطيط يأخذ وقتاً أطول بكثير”.
وكان دبلوماسيو إدارة أوباما قد توسطوا بين المجموعتين، محاولين قصر عمليات قوات سورية الديمقراطية العسكرية على منطقة شرق نهر الفرات، وإعطاء الثوار المدعومين من تركيا السيادة في الغرب. لكن تلك الجهود لم تفعل الكثير لخفض منسوب العداء بين الجانبين، كما أنها أججت شكوكهما تجاه واشنطن.
ثار غضب قادة قوات سورية الديمقراطية مما يعتبرونه دعم الولايات المتحدة للهجوم التركي. ويقال أن الجيش الأميركي وفر الدعم الجوي لقوات أنقرة في الأيام الأولى من تدخل تركيا المباشر في سورية، في حين تلقت بعض قوات الثوار المشاركة في الجهد دعماً عسكرياً أميركياً سرياً.
في حديث لمجلة “فورين بوليس”، قالت إلهام أحمد، الرئيس المشارك للجناح السياسي لقوات سورية الديمقراطية، أن السياسة الأميركية كانت “معقدة”. وحسب وجهة نظرها، قالت أحمد أن إدارة أوباما كانت إما “أضعف كثيراً من مواجهة الأتراك”، أو أنها توصلت إلى اتفاق سري مع أنقرة على أن تدعم طموحاتها في مدينة الباب، في مقابل موافقة تركيا على هجوم قوات سورية الديمقراطية في الرقة.
وقالت أحمد أن الولايات المتحدة “تقاتل الإرهاب من جهة، وتتفق مع أولئك الذين يقاتلون القوى التي تهزم الإرهاب من جهة أخرى”.
الآن، تحرز كلا المجموعتين من حلفاء الولايات المتحدة تقدماً ضد “داعش”. ففي الأسبوع الماضي، ساعدت الضربات الجوية التركية مجموعات الثوار الذين تفضلهم أنقرة في التقدم إلى مسافة تبعد ميلاً واحداً فقط عن مدينة الباب. وفي الأثناء، تقدمت قوات سورية الديمقراطية إلى مسافة 15 ميلاً تقريباً من الرقة. وقدرت أحمد أن تحرير المدينة نفسها قد يتطلب عدة أشهر.
لكن المجموعة الإرهابية تنحسر، وسوف تثبت عداوة الطرفين المفتوحة تجاه بعضهما البعض أن من الصعب على إدارة ترامب القادمة أن تتجاهلها. وسيكون على الإدارة أن تدير المعركة في الرقة –بينما تتأكد في الوقت نفسه من أن لا تؤدي نهاية حرب إلى إغراق سورية في حرب أخرى.
تقول جنيفر كافاريلا، محللة الشأن السوري في معهد دراسة الحرب، أن التحدي الماثل أمام واشنطن سيكون وضع حدود لطموحات كل من أنقرة ووحدات حماية الشعب الكردية -وبشكل أوسع، وضع خطة لمستقبل شمال سورية، والتي تممد لتشمل فترة ما بعد هزيمة “داعش”.
تقول كافاريلا: “الآن، تفرض تركيا الحدود على ما هو ممكن في شمال سورية. وتحاول الولايات المتحدة أن ترضخ للمطالب التركية من دون أن تفقد الأكراد كحليف، لكن كلا الطرفين يتفوقان على (الولايات المتحدة). بدلاً من مجرد محاولة مواكبة الأتراك والأكراد بينما يتنافسون، نحتاج إلى إدراك النفوذ الذي نمتلكه على كلا الطرفين، والشروع في استخدامه لإرغامهما على التفكير في ناتج يكون مقبولاً للجميع بدلاً من الاستمرار في السعي إلى تحقيق الأهداف القصوى. إننا نحتاج إلى فقدان رؤية النفق التي نحتفظ بها تجاه ‘داعش” حتى يكون تحقيق ذلك ممكناً”.
تحدث ترامب بإيجابية عن كل من أردوغان والقوات التركية. أما كيف يخطط الآن للتوصل إلى وفاق بين القوى المتنافسة في المنطقة، فما يزال لغزاً. ومن دون التوصل إلى هذا الوفاق، فإن الحرب السورية يمكن أن تستمر -ويمكن أن يعطي الفراغ السياسي الناجم “داعش” فرصة للنهوض مرة أخرى. وبكلمات أخرى، سيكون قصف “داعش” مثل جهنم، هو الجزء السهل من المعادلة.
ديفيد كينر
صحيفة الغد