نجحت وسائل التواصل الاجتماعي في نسف جهود سنوات من التشدد والانغلاق اللذين عاش في ظلهما الإيرانيون منذ قيام الجمهورية الإسلامية. ونجحت الإنترنت فيما فشلت فيه المئات من المقالات والبيانات والكتب المعارضة لممارسة آيات الله في البلاد.
وفتحت جبهة حرب جديدة بين أذرع القمع الإيرانية وشبكات التواصل والمواقع الإلكترونية، التي يبدو أنها الرابح في هذه المعركة إلى حد الآن، فالتطور في مجال القرصنة وتطوير برامج كسر الشيفرات والمنع، كلها عوامل تقوي قدرة المستخدمين على الدخول إلى هذه التطبيقات.
ويبرز في هذا السياق كمثال، الجدل الذي أثير أكثر من مرة على الصور التي يعرضها شباب إيرانيون على موقع إنستغرام، ضمن حساب أطلق عليه اسم “شباب طهران الأثرياء”.
وتعرض هذه الصور وجها مختلفا لحياة البعض من شباب إيران، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات وقامت بحجب هذا الموقع، إلى جانب عدد آخر من المواقع الإلكترونية، على رأسها فيسبوك وتوتير.
لكن، يستثني المنع المسؤولين في الدولة، حيث يملك وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حسابا على تطبيق تويتر والرئيس حسن روحاني والمرشد الأعلى للجمهورية آية الله الخميني حسابا على تطبيق إنستغرام.
ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الإعلام الغربي عن هذه الصفحة التي قالت عنها صحيفة “تورنتو سان” الكندية إنها تكشف العالم السري والخفي لإيران بعيدا عن نظام آيات الله الهادم للذات، فالصورة المعروضة، التي تبدو للمطلع عليها لأول وهلة كأنها صور مركّبة أو صور من عوالم أخرى غير عوالم إيران، هي صورة الدولة المتشددة التي تغلب على الصور القادمة منها الألوان الحزينة فيما تبدو ملامح سكانها شاحبة ونظرتهم قلقة.
صور حفلات مختلفة تأتي من إيران عبر إنستغرام حيث يحوز حساب شباب طهران الأغنياء على اهتمام العالم
إيران الأخرى
عندما ظهر هذا الحساب منذ سنة 2014، أثيرت بعض الشكوك حول ما إن كانت بعض الصور المنشورة على الحساب قد تمت سرقتها من جهات أخرى.
لكن صحيفة ديلي ميل ذكرت أنها قامت بمراسلة البريد الإلكتروني الخاص بالحساب في شهر يناير الماضي، وجاءت الردود بأن الحساب يعرض الحياة التي يعيشها بعض الشباب بالغ الثراء داخل إيران.
وذكرت صفحة “أبناء طهران الأثرياء” (ريتش كيدس أوف طهران) على إنستغرام أنها تحظى بمتابعة 114 ألف شخص.
وقالت إنها في محاولة للتأكد أكثر من مدى شرعية الحساب، فقد تحدثت مع مالك الصفحة الذي طلب بأن تبقى هويته سرية، وقال إن هناك ردود أفعال متداخلة داخل البلاد، لكن “كان أغلبها إيجابيا. ويقول البعض إنهم يشعرون بالصدمة مقارنة بما عرفوه وسمعوه عن إيران. وهو ما يجعلهم يضحكون”.
وأضاف، في حديثه للصحيفة التي عنونت التحقيق بـ“إيران التي لا يريدونك أن تراها: شباب إيران يتباهون بحياتهم المترفة بشكل لا يصدق”، أن الصفحة أظهرت جانبا مختلفا من الشعب الإيراني، الإيرانيون يحبون لعبة الغولف والتزحلق على الجليد والتمتع بالأزياء والحفلات من بين أمور أخرى.
وتوثق الصفحة من خلال الصور حياة الترف والحرية التي يعيشها بعض الشباب من الأثرياء في طهران، حيث يعرض كل منهم صورا له في فيلاتهم الخاصة الواقعة بأحياء الأغنياء في شمال طهران، وسياراتهم الفاخرة والساعات التي تقدر بالملايين من الدولارات، كما يعرضون حفلاتهم وصورا لهم بملابس البحر أو ملابس عصرية على أحدث صيحات الموضة البنات دون غطاء للشعر، وصدور مكشوفة وتنانير قصيرة وشعور مصبوغة بألوان فاتحة؛ والشبان في صور تبدو أقرب إلى صور ممثلي السينما الهوليوودية وهم يستعرضون أجسادهم في حمامات السباحة أو على سياراتهم الفارهة التي تختلف أنواعها بين سيارات الفيراري واللامبورغيني والمازيراتي والبورش وأستون مارتن وأودي.
وفيما تنظر وسائل الإعلام الغربية إلى ذلك بعين الذهول، ترى طهران في ذلك خطرا، يستوجب رقابة أكثر، فكان القرار بحجب التطبيق وتشديد الرقابة على الإنترنت؛ فالسلطات الإيرانية تعلم أن أكثر من ثلثي سكان البلاد هم تحت سن الـ35 عاما. ورغم المناهج الدراسية الخاصة وسياسة الانغلاق، إلا أنه لم يكن ممكنا أدلجتهم والتأثير عليهم بمبادئ الثورة.
ويبدو أن شباب إيران يرفضون القيم “الثورية” التي يتبناها شيوخهم، لذا فإن التحدي الأكبر أمام المتشددين الإيرانيين قد يأتي من جهة أطفالهم وشبابهم. وتخشى السلطات الإيرانية أيضا من ردة فعل أبنائها من الطبقات الوسطى والفقيرة، حيث ترتفع نسبة البطالة والفقر في البلاد بشكل كبير، وسط تباين واضح في الفروض الاجتماعية وغياب العدالة بين طبقات المجتمع، الأمر الذي يزيد من قلق وغضب شباب الطبقات من الواقع الذي فرض عليهم الفقر وقمع السلطة، فيما ينعم شباب الأغنياء بالحرية المطلقة.
ويفسر هذا القلق لماذا تطبق إيران أحد أكثر سياسات حجب المواقع صرامة في العالم، الأمر الذي دفع منظمة مراسلون بلا حدود لأن تطلق على إيران لقب “عدو الإنترنت”. وكان الحرس الثوري الإيراني قد اعتقل منذ حوالي شهر 540 شخصا من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب مقالات وآراء كتبوها أو لمعارضتهم النظام الإيراني في بعض التعليقات. وجاء في بيان للحرس الإيراني أن هناك مخططا لإفساد الشباب في إيران وتحريضهم ضد النظام، وأن معظم مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي- الذين يقدر عددهم بعشرين مليونا- هم “عملاء لأميركا ولإسرائيل”.
دولة غير حرة
كانت مؤسسة “فريدم هاوس” قد صنفت إيران ضمن قائمة الدول الأكثر قمعا لحرية الإنترنت والإعلام، نظرا لحجبها مواقع التواصل الاجتماعي وفلترة المواقع الإلكترونية واعتقال نشطاء الإنترنت. وقالت المؤسسة الدولية التي ترصد حرية الإعلام والإنترنت في العالم من مقرها بواشنطن، في تقريرها السنوي للعام 2016، إن إيران احتلت المرتبة 87 ضمن الدول “غير الحرة”، وصنفت ضمن أكثر ثلاث دول في قمع حرية الإنترنت بعد الصين وسوريا.
وبمراجعة تصنيف عام 2015، يتبين أن إيران لم تشهد أي تغير إيجابي باتجاه حرية الإعلام، حيث مازالت تستمر في اعتقال الناشطين عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، وتقوم بقيود واسعة على حرية الإنترنت، منها حجب وفلترة المواقع.
وسبق أن صنفت منظمة مراسلون بلا حدود إيران في المرتبة 169 من بين 180 دولة من ناحية حرية الصحافة في العالم، حيث أنها تسجن أكثر من 60 صحافيا، وتستمر في قمع نشطاء الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
وكانت السلطات قد أوقفت خلال الأشهر الأخيرة العديد من الصحف والمواقع، كما اعتقلت عددا من العاملين فيها، ما دفع المنظمة للقول إن “وعود حسن روحاني الانتخابية حول إصلاح الأوضاع واحترام حرية التعبير وحرية الصحافة لم تتحق”.