تضمن كتاب “أزمات المسلمين الكبرى” الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي، بحثا لعظيم إبراهيم، حمل عنوان “المتطرفون البوذيون في ميانمار”، وفيه يشير إلى أنه، وعندما نالت بورما استقلالها، كانت البوذية مهمّة، لكن اعتُبر أن الطبيعة المتعدّدة الأعراق والمتعدّدة الطوائف تشكّل أساسا أخلاقيا للحياة العامة لا تهديدا لها.
وفي أعقاب الانقلاب العسكري سنة 1962، بدأ ذلك في التغيّر وحدث مزج بين المواطن الموالي والانتماء إلى العرق البورمي والديانة البوذية. وأصبح ذلك أشدّ وضوحا بعد فشل الطريق البورمي إلى الاشتراكية بوصفها مبدأ اقتصاديا، فبحث النظام عن نهج جديد لدعم جاذبيته الشعبية. وفي الوقت نفسه، أنفق النظام مبالغ كبيرة لإعادة بناء معابد الباغودا التي تهالكت بسبب الإهمال تحت الحكم الاستعماري البريطاني.
وعلى نحو الملوك البورميين الأوائل، ساند العسكريون التراتبية الدينية وتوقّعوا في المقابل أن يوفّر الرهبان الدعم الشعبي للنظام. وفي أراكان، شيّد النظام معابد بوذية جديدة على أراض سُرقت من القرى الروهنجية في محاولة لكسب ولاء البوذيين الراخينيين.
“الرابطة الديمقراطية” عارضت حظر الزواج بين البوذيين والمسلمين، مع أنها كانت صامتة بشأن اضطهاد الروهنغيين
ولكن على الرغم من أن النظام حاول ضمان الحصول على تأييد المجتمع الديني البوذي في الانتفاضتين الشعبيتين اللتين وقعتا في السنوات (1990-1988) و(2008-2007)، فقد كان للرهبان البوذيين دور حاسم في الاحتجاجات الشعبية على النظام.
وعندما انضمّ الرهبان إلى الثورة، اكتسبت الاضطرابات الطالبية تأييدا واسعا بين السكان. ومنح الرهبان بدورهم، لا سيما في سنتي (1990-1988)، “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” الناشئة الحركة الجماهيرية التي تفتقر إليها. وهذا الارتباط مهمّ لأن “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” كانت قسما معزولا –نسبياً- من النخبة في ميانمار، وتناضل للحصول على تأييد شعبي. وقد سُجن العديد من الرهبان أو قُتلوا في إطار الثورة، وكان القمع المباشر للبوذية أحد أسباب فقدان النظام الكثير من التأييد الذي يحظى به.
لكن تحالف الرهبان مع “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” لم يكن إيجابيا جدا بالنسبة إلى الأقليات غير البورمية وغير البوذية في ميانمار. وقد أحدث ذلك ارتباطا (غير مريح أحيانا) بين الأحزاب الوطنية المتعدّدة الطوائف في البلد (لا سيما “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” وحزب اتحاد التضامن والتنمية الذي يرعاه العسكريون) والمتطرّفين البوذيين.
وهكذا في أعقاب انتخابات سنة 1990، والانقلاب العسكري، تواطأت “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” مع حزب متطرّف في راخين لمحاولة إسقاط الانتخابات التي كسبها الروهنجيون.
استمرّ اضطهاد الروهنغيين بين سنتي 2008 و2012، ولاحظ تقرير للحكومة الأميركية سنة 2012 أن لهذا الاضطهاد طابعا دينيا. وشهدت تلك الفترة تدمير العديد من المساجد التي زُعم أنها بُنيت من دون ترخيص ملائم، كما شهدت إقامة عدد من “المناطق الخالية من المسلمين” في بعض أنحاء راخين.
وبالإضافة إلى ذلك، شيّدت المعابد البوذية في مناطق لا تضمّ سكانا بوذيين، بتسخير الروهنغيين في الغالب، وثمة حملة مستمرّة للتشجيع على اعتناق البوذية برفع القيود على السفر، والعمل، والالتحاق بالمدارس لمن يقبلون القيام بذلك. وقد حظي الروهنغيون الذين أبدوا استعدادا لتغيير دينهم بالحقوق نفسها التي يتمتّع بها المواطنون.
ربما تكون لحركة (969) جذورها في الحركة المؤيّدة للديمقراطية في السنوات (1990-1988)، لكن عندما عاودت الظهور سنة 2008، لم يكن هناك كبير شكّ في أن الجيش متواطؤ في إنشاء حركة (969) أولا ثم “ما با ثا” لاحقا.
وأفاد بعض الرهبان بأن الضباط العسكريين عرضوا عليهم عند إطلاق سراحهم من السجن معاشا ومكانا في أحد الأديرة إذا ساندوا حركة (969)، لكن في الفترة المبكّرة التي تلت سنة 2008 كانت حركة (969) لا تزال تساند “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” إلى حدّ كبير، بل إنها جدّدت في الواقع التحالف الذي كان قائما بين سنتي 1988 و1991. وهكذا وفّر الرهبان مرة ثانية صلة بين القيادة النخبوية لـ”الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” وجمهور السكان البورميين.
وفي أواخر سنة 2014، أنهت حركة (969) تحالفها السابق مع “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية”. وتكمن المشكلة، في أن قيادة الرابطة عارضت حظر الزواج بين البوذيين والمسلمين، مع أنها كانت راضية عن التزام الصمت بشأن اضطهاد الروهنغيين.
ولا تستند معارضة “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” إلى أساس ديني، ولكن لأن ذلك يعدّ هجوما على حقوق المرأة. ولذلك انضمّت حركة (969) إلى الـ”ما با ثا” في الحملة لصالح حزب راخين وحزب اتحاد التضامن والتنمية المدعوم من الجيش.
وأصبحت الـ“ما با ثا” منذ إنشائها سنة 2010 أكثر نفوذا من حركة (969) الهرِمة، وتمارس اليوم قدرا كبيرا من السيطرة على التعليم الديني في ميانمار، وتستخدم ذلك لتعليم تفسيرها المتطرّف المضادّ للمسلمين. وقد أدارت عدة حملات لإجبار البوذيين على مقاطعة الأعمال التي يمتلكها مسلمون، كما حظيت حملة “الشراء البوذي” بدعم الدولة أيضا.
والأخطر من ذلك أنها تتصدّر كل حالة عنف مرتكب ضدّ المجتمعات المسلمة في ميانمار. وعلى وجه الخصوص، نظّم تحالف من حزب راخين العرقي (حزب تنمية قوميات راخين) والـ”ما با ثا” وحركة (969) العنف في راخين سنتي 2012 و2013.
وإذا كانت حركة (969) قد ظهرت في البداية لمعارضة النظام العسكري، فلا يحيط مثل هذا الغموض بأصول الـ“ما با ثا”. وتوحي أدلّة حديثة بأن العسكريين أنشؤوه بمثابة واجهة. وأفاد ذلك في منح حزبهم جاذبية انتخابية أكثر اتساعا (وإن لم تكن كافية لتفادي الهزيمة سنة 2015)، كما شكّل مصدرا دائما للتوتّر في ميانمار، وهو أمر يلائم العسكريين إذا قرّروا أن القيام بانقلاب يخدم مصالحهم على أفضل وجه.
ولقد كان ذلك في الواقع التحالف الذي حرّض على العنف العرقي سنة 2012 في راخين، وهو ما يشكّل مصدر قلق عميق على مستقبل الروهنجيين، وفي تلك المرحلة، نظّم موجة العنف ائتلاف من المتطرّفين الراخينيين والبوذيين والدولة.
وتطوّر ذلك إلى هجوم على الروهنغيين في كل أنحاء المقاطعة، وانتهى بفرار الكثير منهم من البلد إلى أن أصبح الآن مخيّمات دائمة للاجئين. ولا يزال المتطرّفون الراخينيون والبوذيون يحاولون طرد ما تبقّى من الروهنغيين.
كان الكثير من المراقبين، يأملون في أن تكون قيادة “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” مستعدّة الآن، بعد خلافها مع حلفائها المتطرّفين، للوقوف في وجههم، لكن ذلك لم يحدث، فالنظام الجديد حريص، كسابقه، على وسم الروهنجيين بأنهم “بنغاليون”.