استضافت المنامة، يومي 6 و7 ديسمبر، أعمال الدورة الـ37 لقمة دول مجلس التعاون الخليجي. وقد حملت القمة صفة عادية، في سياقها العام، لكنها حملت في سياقها الخاص، صفة الاستثنائية، بدءا من رمزية المكان الذي عقدت فيه، وهو العاصمة البحرينية، أكثر الجهات الخليجية تضررا من التدخلات الإيرانية، مرورا بالمشاركة البارزة لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في القمة.
ويعتبر حضور ماي في القمة الخليجية حضورا مزدوج الرسائل، يعكس من جهة الرغبة البريطانية في تصحيح المسار الخليجي البريطاني، ومن جهة أخرى يعكس الانفتاح والتغير في السياسات الخليجية، وأساسا في شكل القمم التي لم تعد مجرد اجتماعات سنوية، بل باتت مناسبة لتقييم الأوضاع ومراجعة التحديات وتحديد السياسات العامة، التي تحمي الخليجيين مع الأخذ في الاعتبار خصوصية كل دولة.
ويأتي بيان الختام ليكون الدليل الآخر على استثنائية القمة الخليجية، والذي أكّدت من خلاله دول الخليج على أن الاختلاف في بعض التفاصيل لا يلغي التوافق بين دول مجلس التعاون الست: المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين وسلطنة عمان ودولة قطر ودولة الكويت.
جاءت القمة الخليجية، التي ترأسها الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، هذا العام في خضم ظروف حاسمة ووسط ظروف غير مسبوقة، حيث هناك حزمة كبيرة من القضايا المصيرية، وبلغ الاستقطاب الدولي درجة مرتفعة، وأخذت قوى التطرف والإرهاب تزداد شراسة، فضلا عن المخاطر والتهديدات التي تسببت فيها التوجهات والممارسات الإيرانية في المنطقة، والتحديات الاقتصادية عقب الانخفاض الملحوظ في أسعار النفط.
لئن لم يولد الاتحاد الخليجي بشكل ملموس وواقعي، وكما طالب به العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبدالعزيز (2015-2005)؛ خلال قمة الرياض، في ديسمبر 2011، فإن البيان الختامي للقمة وتصريحات القادة الخليجيين يؤكدان على أن جدية التكامل بين دول الخليج العربي، وعدم تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى الاتحاد الخليجي لا يعني أن المجلس بشكله الحالي غير قادر على أن يكون التكتل القوي السادس على مستوى العالم، كما سبق وأعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وفيما أجل الحالمون بالاتحاد الخليجي آمال تحقيق حلمهم إلى قمة العام القادم في الكويت، عسى أن تقتنع سلطنة عمان، المعارضة لهذه الفكرة، كانت هناك إشادة بالتقدم على مستوى “تحقيق التكامل الدفاعي بين دول المجلس بهدف بناء شراكة استراتيجية قوية، وإقامة منظومة دفاعية فاعلة لمواجهة مختلف التحديات والتهديدات، والخطوات التي تحققت لإنشاء القيادة العسكرية الموحدة”.
ويشير مراقبون إلى أن دول الخليج العربي انتقلت فعلا من مرحلة التفكير في التسليح إلى مرحلة التفكير في ضرورة استخدام هذا السلاح عند الحاجة، خاصة وأن سياسة حسن الجوار لم تعد تفيد مع إيران، التي ترى فيها ضعفا وعدم قدرة خليجية على الرد.
وقد توجهت التحذيرات التي خرجت بها القمة مباشرة إلى إيران؛ حيث دعاها قادة دول الخليج العربي إلى تغيير سياستها في المنطقة بالالتزام بقواعد القانون الدولي، وأعربوا عن “استنكارهم لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس”.
ودعمت هذه التحذيرات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي قالت أمام قادة دول الخليج المجتمعين إن بريطانيا ستساند الدول الخليجية في “التصدي لعدوانية” إيران، متعهدة بترسيخ “شراكة استراتيجية” مع هذه الدول، التي ترى ماي في تغير عقيدتها الدفاعية سوقا مربحة للاستثمار في مجالات التسليح والتدريب، خصوصا في ظل الخلافات مع الولايات المتحدة، التي تقاربت مع إيران.
وقالت ماي، وهي أول رئيسة وزراء بريطانية، تشارك في القمة الخليجية، “علينا (…) أن نواصل مواجهة الأطراف (…) التي تزيد أفعالها من عدم الاستقرار في المنطقة”. وأضافت ماي “أود أن أؤكد لكم أنني على دراية تامة بالتهديد التي تمثله إيران بالنسبة إلى الخليج ومنطقة الشرق الأوسط”. وتابعت “علينا العمل معا من اجل التصدي للتصرفات العدوانية لإيران في المنطقة”.
لكن، العقيدة الاستراتيجية لدول الخليج العربي تغيرت، وبات القادة الخليجيون يتعاملون مع مصادر قلق من قبيل السياسة الأميركية المتقلبة وقانون الإرهاب المعروف بـ”جاساتا”، والذي ضاعف من التوتر الأميركي الخليجي، إلى جانب الاستفزازات الإيرانية والتهديدات الإرهابية، وغيرها من الملفات بثقة أكبر ناتجة عن القدرة على الفعل وإقامة استراتيجيات دفاعية بديلة.
لذلك، وإن ثمنت القمة الخليجية تصريحات ومبادرات رئيسة الوزراء البريطانية، وأكّدت على أهمية الشراكة الخليجية البريطانية لمواجهة “التحديات”، فإن ذلك لا يلغي المضي قدما نحو رسم سياسة متكاملة تحمي دول الخليج العربي من أي تغيرات استراتيجية وتقلبات في العلاقات الدولية.
مشاركة رئيسة الوزراء البريطانية في القمة تهدف إلى تحضير بلادها لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي
في علاقة دول الخليج العربي ببريطانيا مثلا كثيرا ما ساد توتر حول ملف حقوق الإنسان، الذي تلوح به لندن كلما تأزم الوضع مع إحدى دول الخليج. ولم تخف رئيسة الوزراء البريطانية أن مشاركتها تهدف إلى تحضير بلادها لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، خاصة على ضوء تصريحات الأمير محمد بن سلمان بشأن أن التكتل الخليجي قادر على أن يكون سادس اقتصاد عالمي.
تبدو الطموحات الاقتصادية البريطانية مبررة، على ضوء الحديث عن التكامل الاقتصادي لدول مجلس التعاون والذي يشكل ركيزة رئيسية لدعم الأمن والاستقرار. وقد شدد قادة دول مجلس التعاون على دعمهم ومساندتهم لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية عالية المستوى، التي تهدف إلى تطوير التعاون في الشؤون الاقتصادية.
ودعوا إلى “تسريع وتيرة العمل لإنجاز السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والربط المائي، وغيرها من المشاريع التنموية التكاملية، وصولا إلى الوحدة الاقتصادية الخليجية الكاملة، وبما يعزز مكانة منطقة مجلس التعاون كمركز مالي واستثماري واقتصادي عالمي”. وأكدوا “دعمهم الكامل لربط دول المجلس بشبكة من وسائل الاتصال والمواصلات والنقل الحديثة التي تحكمها أنظمة وقوانين موحدة”.
وفي 31 مايو 2016، قرّر قادة دول المجلس في لقائهم التشاوري الـ16، تشكيل هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية، تهدف إلى بحث ومناقشة المواضيع الاقتصادية والتنموية، التي تهم الدول الأعضاء واتخاذ القرارات اللازمة حيالها.
وأكد قادة دول الخليج على أهمية مواصلة العمل في تنفيذ وتطبيق رؤية الملك سلمان بن عبدالعزيز التي أقرت في قمة الرياض 2015. وبينوا أن الرؤية تشكل “إطارا متكاملا ونهجا حكيما للتعامل مع تلك المتغيرات على أساس المحافظة على المصالح العليا لدول المجلس ومنجزاتها ومكتسبات شعوبها، وتحقيق الهدف المنشود في التكامل والوحدة بين دول المجلس في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية”.