في الصحف وعلى موجات الأثير على الأقل، يشعر المتشددون في إيران بأنهم معذورون في نزعتهم المعادية للأمركة، مع بدء عالم ما بعد أوباما بالتأطر.
المتشددون الذين يحتقرون أميركا كعدو، ويزدرون الصفقة النووية كتنازل، ويأنفون من الرئيس حسن روحاني بسبب مد يده إلى الغرب، أصبحوا الآن مبتهجين مما قد تعنيه رئاسة ترامب لأجندتهم القائمة على العداء الأبدي بين الولايات المتحدة وإيران.
وكان الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، قد تعهد بـ”تفكيك” الاتفاق النووي التاريخي الذي تم التوصل إليه في العام 2015، والذي تم بموجبه تقليص برنامج إيران النووي في مقابل تخفيف العقوبات. ووصف الرئيس ترامب الصفقة بأنها “من أسوأ الصفقات التي يتوصل إليها بلد في التاريخ على الإطلاق”.
يوم الثلاثاء، قال السيد روحاني إن إيران لن “تسمح” للسيد ترامب “بتمزيق الصفقة”، بينما يقول محللون إن ردود فعل المتشددين في إيران سيكون لها تأثير محدود على الأرجح.
ومع ذلك، أحاط السيد ترامب نفسه بمستشارين معادين لإيران، ويقال إنه يتطلع إلى فرض عقوبات جديدة للضغط على الجمهورية الإسلامية من دون انتهاك الصفقة من الناحية الفنية.
وكانت الإثباتات الأخيرة للمتشددين الإيرانيين -في سعيهم المستمر للبحث عن النفاق الأميركي- هي عمليات التصويت شبه الإجماعية لمجلسي الكونغرس على حد سواء، والتي أقرت تمديد قانون العقوبات الخاص بإيران لمدة عقد. وجاء التصويت الثاني في مجلس الشيوخ في الأسبوع الماضي، على الرغم من معارضة البيت الأبيض. وتقول إيران إن هذا التصويت ينتهك الصفقة النووية، وإنها سترد على ذلك الإجراء.
يقول علي فايز، محلل الشؤون الإيرانية رفيع المستوى في مجموعة الأزمات الدولية: “إن فريق ترامب وميله إلى تغيير النظام في طهران هما هبة من الله للمتشددين الإيرانيين”.
ويضيف السيد فايز أثناء اتصال معه في واشنطن: “لم يعودوا في حاجة إلى القلق بعد الآن من أن يستطيع البراغماتيون الإيرانيون الذهاب بعيداً عبر باب (الوفاق مع الولايات المتحدة) الذي انفتح مرة أو اثنتين. وهم يعرفون أن ذلك الباب قد أُغلِق بشدة الآن”.
ويقول السيد فايز إنها ليست هناك طريقة للمبالغة في تقييم “مدى سهولة أن تخلي مقايضة دبلوماسية مكانها لصالح انتقام شرير على طريقة العين بالعين والسن بالسن”.
ومضى إلى القول: “أما وقد قيل ذلك، لا أعتقد بأن المتشددين الإيرانيين ميالون إلى التسبب في قتال. لقد توصلت إلى تسوية (على الصفقة) لأنها احتاجت -وما تزال تحتاج- إلى الاستقرار”.
وفي الأثناء، يشير الاضطراب إلى مدى هشاشة الصفقة النووية وقابليتها للانفجار سياسياً بالنسبة لكلا الجانبين، بعد عام ونصف العام من التوصل إليها عقب تفاوض ست قوى عالمية مع إيران. كما أنه يعري هشاشة الرئيس روحاني فيما هو يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية في غضون ستة أشهر في مسعى لإعادة انتخابه.
ولا يواجه روحاني متحدياً جاداً من الخط المتشدد حتى الآن، لكن اقتصاداً يشهد نمواً أقل مما كان قد وعد به بعد التوصل إلى الاتفاق، وخطاباً مخيفاً لترامب، واللذين قد يتسببان بتفكيك الصفقة النووية ويعيدان تجميد العلاقات، من المرجح أن يتركا آثارهما على التأييد للرئيس.
“امتلاك عدو… هو أمر وجودي”
يقول مسؤول إيراني في طهران طلب عدم الكشف عن هويته: “أعتقد في الحقيقة أن هذا هو ما يريد المتشددون مشاهدته وهو يحدث”. ويقول محللون وهذا المسؤول أن من غير المرجح أن تتخذ إيران خطوات جادة وغير قابلة للرجوع عنها مع ترامب قبل شهر تقريباً من توليه مهامه الرئاسية. ولم يأت الرئيس الأميركي المنتخب على ذكر إيران في شريط فيديو تحدث فيه عن أولوياته في المائة يوم الأولى من رئاسته.
ومع ذلك، تم اتهام فريق روحاني المفاوض بـ”السذاجة والثقة كثيراً جداً بالأميركان”، وفق المسؤول، “وهناك البعض الذين يكمن هدفهم الوحيد في العودة إلى الوقت الذي لم يكن فيه أي شيء واضحاً. وهم على أتم الاستعداد للمشاكل”.
كان الانتقاد الموجه للصفقة النووية في إيران شديداً في بعض الدوائر، لكنه ظل قيد السيطرة بفعل الدعم الضمني من المرشد الديني الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي. ومع ذلك، كان خامنئي قد حذر، بينما كانت المفاوضات تجري لسنوات، من أن الولايات المتحدة تظل “الشيطان الأكبر” بالنسبة لإيران، ومن غير الممكن أن تولى الثقة أبداً.
ويقول المسؤول: “أن يكون لك عدو هو شيء غير قابل للفصل من فلسفة المتشددين. إنها فلسفة وجودية. منذ اليوم الأول بعد ثورة العام (1979) غطوا على كل حالات القصور لديهم بشيء واحد وحسب: العدو. إنك تقرأ أنها الولايات المتحدة هي التي توقفنا عن التقدم وأن ننعم بحياة رغدة. وللبقاء في السلطة، يحتاج المتشددون إلى هذا العدو بغض النظر عن أي شيء آخر”.
يوم الأحد الماضي، اقترحت مجموعة من 88 مشرعاً إيرانياً تشريعاً يدعو إلى استئناف جهود إيران النووية، رداً على “الانتهاكات الأميركية للصفقة النووية”. وعلى نحو منفصل، دعا 264 من أصل 290 عضو في البرلمان الإيراني الحكومة إلى “الرد بالمثل” على “عدم مسؤولية” الولايات المتحدة.
لحظة “لقد قلتُ لك ذلك”
يقال إن هتافات “الموت لأميركا” ترددت على ألسنة البعض في البرلمان عندما قال روحاني أن هناك لجنة خاصة من مجلس الأمن القومي ستقدم تقريراً عن تقيد الولايات المتحدة بالصفقة. كما وقع نصف المشرعين على التماس يحظر الواردات الأميركية، وهو ما قد يجهض صفقة لشراء طائرات مع شركة بوينغ بقيمة مليارات عدة من الدولارات.
في تعبير عن ابتهاجها بلحظة “لقد قلت لك ذلك”، في اليوم الذي أعقب تصويت مجلس الشيوخ الأميركي على تمديد العقوبات، عنونت صحيفة كيهان المتشددة في إيران: “إطلاق رصاصة الرحمة الأميركية على الصفقة النووية: كيف يمكن أن تثمر الثقة بالشيطان!”.
ومع ذلك، وبصفته المهندس الرئيسي والمدافع عن الصفقة، قال روحاني يوم الثلاثاء إن إيران لن تكون الطرف الأول الذي ينسحب من الاتفاقية، وأن كل القضايا سوف تحل في إطار القوى العالمية الست التي تفاوضت مع إيران عليها -وليس الولايات المتحدة وحسب.
وقال روحاني لطلبة جامعة طهران في كلمة أذيعت في بث حي على الهواء: “يريد ترامب أن يفعل الكثير من الأشياء، لكن أياً من هذه الأفعال لن يؤثر علينا”.
وتساءل روحاني: “هل تعتقدون أنه سيمزق (الصفقة النووية)؟ هل تعتقدون بأننا وأمتنا سنسمح له بفعل ذلك؟”، وأشار إلى أنه “الولايات المتحدة هي عدونا بلا شك”.
وقال روحاني إن إيران “سوف ترد” إذا لم يقدم أوباما على استخدام حق النقض “الفيتو” ضد تمديد قانون العقوبات، وأن يستخدم صلاحيات التنازل لوقف وضعها موضع التنفيذ -كما هو الحال حتى الآن بموجب الصفقة النووية.
بينما قد تهدئ هذه الكلمات منتقدي روحاني من الخط المتشدد، يقول محللون إن الإجماع داخل النظام الحاكم في إيران يظل مع دعم الصفقة مع القليل من الخيارات الأخرى. ولذلك، سيكون تأثير الخط المتشدد على التطورات محدوداً.
تسجيل نقطة سياسية
تقول فريدة فارحي، الخبيرة في الشأن الإيراني في جامعة هاواي: “المتشددون المتطرفون في إيران.. يشتكون، وهم يستخدمونها من أجل تسجيل نقطة سياسية ضد روحاني… لكن، في ضوء أن أحداً منهم لا يقدم أي بديل فيما يتعلق بما يجب على إيران فعله، فإني لا أرى أنهم سيضعون الأجندة… أو يؤطرون المباحثات”.
بينما قد يبتهج أصحاب الخط المتشدد بتجدد تبادل العبارات الجارحة مع الولايات المتحدة، ثمة غياب ملحوظ للتعليق من جانب قادة الحرس الثوري. كما أن روحاني أوضح في كلمته يوم الثلاثاء أن كل تفصيل من المحادثات النووية كان قد خضع للتنسيق مع السيد خامنئي، وأن هناك وثائق تثبت صحة ذلك.
وتقول السيدة فارحي: “أنا لا أصدق في هذه اللحظة بأن المتشددين في الولايات المتحدة سيمكِّنون المتشددين في إيران. صحيح أن إيران عندما تكون واقعة تحت الضغط، فإن كامل الطيف السياسي يجب أن يصبح أكثر استجابة. لكن ذلك لا يعني أن المسؤولين مثل روحاني سيكونون معارضين للقائد الأعلى. إن الجميع يتحركون في الوجهة نفسها”.
من جهته، قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي كان يتحدث في بكين يوم الاثنين الماضي، إن كل واحدة من القوى العالمية التي تدعى مجموعة 5+1 “عليها التزام بالتنفيذ الكامل” للصفقة. وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، قال إن التصويت الأميركي الأخير “يظهر عدم موثوقية الحكومة الأميركية”.
وكان السيد ظريف هدفاً خاصاً للمتشددين، بمن فيهم واحد اتهم الدبلوماسي المخضرم، على نحو مثير للجدل في الأسبوع الماضي، بأنه “عميل أميركي”.
ماذا عن الصفقة نفسها؟ لعل السيناريو الأرجح هو أن تعمد إدارة ترامب إلى “قتلها بنعومة” من خلال توسيع العقوبات غير النووية التي “ستسمح باستعادة النفوذ بينما توجل لعبة اللوم”، إلى درجة لن يوجه معها اللوم إلى الولايات المتحدة عن أي انهيار في الصفقة، وفق ما يقوله المحلل فايز.
ويضيف أنه إذا حدث ذلك “فإن الذي سوف يموت مع (الصفقة النووية) هو الرغبة في التفاوض مرة أخرى مع الولايات المتحدة بنية طيبة”. ويخلص إلى القول: “سوف يكون المتشددون في طهران أكثر اقتناعاً من السابق بأنها عقيمة؛ وسوف يعتبرها البراغماتيون منطوية على الكثير من المخاطرة”.
سكوت بيترسون
صحيفة الغد