تعمل دول الخليج في صمت على بناء قوس دفاع استراتيجي لتطويق الأنشطة الإيرانية في المنطقة، وخاصة في اليمن، بالتحرك نحو دول القرن الأفريقي وبناء قواعد عسكرية تعيق تهريب الأسلحة إلى ميليشيات موالية لطهران في لبنان واليمن وتمنع تمدد إيران صوب أفريقيا.
وكشف مركز “ستراتفور” الأميركي للدراسات الأمنية والاستخباراتية أن الإمارات تقود المبادرة بهذا الخصوص وانها واصلت على مدار الأشهر الـ15 الماضية، تعزيز بنيتها التحتية العسكرية في إريتريا، وأنها أجرت بعض عملياتها ضمن التحالف العربي في اليمن انطلاقا من ميناء عصب الإريتري.
ويعمل الجيش الإماراتي حاليا على استكمال منشأة عسكرية شمال غرب المدينة، والتي تظهر بوضوح في صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها “ستراتفور”.
وقال تقرير صادر عن المركز إن المنشأة المقامة على أنقاض مدرج مطار إريتري مهجور، تحوي مهابط للطائرات ومساكن للأفراد. ويجري بناء منشأة لرسوّ السفن البحرية بجانب المدرج على الساحل، حيث تتمركز سفن العمليات اللوجستية وغيرها من القطع البحرية.
ويشير حجم العمل إلى أن وجود الجيش الإماراتي في إريتريا ليس مقتصرا على مجرد مهمة لوجيستية قصيرة الأمد لدعم عملياتها حول البحر الأحمر.
وبالإضافة إلى العتاد الجوي الذي ركزته الإمارات في قاعدة عصب، توجد وحدة برية كبيرة تضم على الأقل كتيبة مدرعة مجهزة بدبابات لوكلير القتالية فرنسية الصنع.
ومع ذلك فإن الوحدات الحربية الجوية هي الأسرع في التواجد، حيث تعطي طائرات ميراج 2000 فرنسية المنشأ المتمركزة في القاعدة لأبوظبي ليس فقط القدرة على إجراء عملياتها في اليمن بكل سهولة، ولكن أيضا القدرة على إبراز قوتها في أماكن أخرى حول البحر الأحمر وخليج عدن، وهي المنطقة التي تسعى إيران لفرض حضور عليها خلال السنوات الماضية.
وقال خبراء استراتيجيون إن دور هذه القواعد لا يقتصر فقط على تمكين الإمارات من العمل بشكل فعّال على الجانب الآخر من شبه الجزيرة العربية وفي شرق أفريقيا، ولكنها أيضا تلعب دورا في جهود مجلس التعاون الخليجي لعقد التحالفات الدبلوماسية مع الدول الأفريقية.
ومن الواضح أن مساحة المواجهة الخليجية الإيرانية بدأت بالتوسع لتشمل أفريقيا التي عملت طهران على تركيز وجودها بها في السنوات الأخيرة، اقتصاديا ومذهبيا، حيث عملت على توسيع دائرة انتشار المذهب الشيعي كأرضية ضرورية لإنشاء أذرع تابعة لها في القارة.
وتريد إيران حشد أكبر قدر من الموالين لها، خاصة أن كلّ الطرق في الشرق الأوسط مغلقة بوجه سفنها التي تحمل شحنات الأسلحة والدعم لأذرعها في المنطقة على غرار حركة حماس وحزب الله، وفي ذروة أزمة اليمن تبيّن أن السلاح الإيراني يصل إلى الحوثيين عبر سواحل أفريقيا.
وكان مركز “ستراتفور” ذكر في تقرير سابق أن “إيران تنقل أسلحة عبر طريق يبدأ من ميناء عصب الإريتري، ويمر شرقا حول الطرف الجنوبي من بحر العرب في خليج عدن إلى مدينة شقراء التي تقع على ساحل جنوب اليمن، ومن هناك تتحرك الأسلحة برا إلى شمال مدينة مأرب شرقي اليمن، وبعدها إلى محافظة صعدة على الحدود السعودية- اليمنية”.
وأشار الخبراء إلى أن دول الخليج عملت على تطويق طريق السلاح الإيراني عبر تكثيف مشاريع اقتصادية وتجارية مع دول مثل السودان وإرتريا وجيبوتي والصومال، وتقديم الامتيازات المالية لها على أمل الاستفادة من موقعها في إطار تحالف عسكري.
وبالإضافة إلى القاعدة الإماراتية في ميناء عصب الإرتري، فإن السعودية بادرت إلى الاتفاق مع جيبوتي لبناء قاعدة عسكرية هناك.
وأكد وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف في تصريحات صحافية منذ أيام أن بلاده “وافقت مبدئيا” على إقامة قاعدة عسكرية سعودية على أراضيها، وأنها ترحّب بوجود المملكة العسكري في جيبوتي.وأشار إلى أن بلاده شعرت أن علاقتها بإيران قد تدخلها في متاهات، فاختارت التراجع والانفتاح على السعودية.
وقد تشكلت لجنة سعودية جيبوتية مشتركة تتولى التنسيق العسكري. وقدمت الرياض خمسة زوارق عسكرية بحرية سريعة لحكومة جيبوتي لتعزيز دورها في عمليات الرقابة والتفتيش على السفن في المياه الإقليمية لجيبوتي.
وقام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بجولة أفريقية قادته إلى السودان ثم جنوب أفريقيا وزامبيا كامتداد للقاءات مكثفة أجراها الوزير مع الزعماء الأفارقة في أديس بابا أثناء قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة في يناير الماضي.
ويرى مراقبون أن التوجه الأفريقي لدول الخليج في مرحلته الراهنة يستطيع أن يطوق الهلال الإيراني الذي تحاول طهران أن تمده عسكريا وطائفيا من العراق إلى سوريا ولبنان إلى اليمن.
صحيفة العرب اللندنية