قال ترامب في أحد تصريحاته القليلة التي تحدث فيها عن القادة العسكريين “صدقوني، أعتقد أن الجنرالات تحت قيادة باراك أوباما وهيلاري كلينتون، تراجعوا ليصبحوا أشبه بحطام. لقد تراجعوا إلى نقطة أصبحت محرجة بالنسبة إلى بلادنا…. وأستطيع أن أرى ما هو أعظم، على سبيل المثال، الجنرال جورج باتون يتلوى في قبره لأننا لم نهزم تنظيم الدولة الإسلامية”.
وأضاف الرئيس الأميركي المنتخب “لدي ثقة كبيرة في الجيش. وبالتأكيد، لدي ثقة كبيرة في بعض القادة”. وفعلا لم يكتف ترامب بالحديث عن الثقة بل جسدها من خلال أهم التسميات في حكومته والتي ترتسم ملامحها مع كل تعيين جديد، ويبدو فيها وضحا توجه الرئيس الأميركي نحو اختيار أصحاب الخبرات في مجال الصفقات والتجربة الميدانية، مقابل التقليص من الأكاديميين من السياسيين وأساتذة الجامعات.
مجلس وزاري ثقيل
لم يكد الجدل يخفت حول تعيين الجنرال المتقاعد، جيمس ماتيس، وزيرا للدفاع، حتى أعلن ترامب عن تعيينه الجنرال المتقاعد، جون كيلي، لتولي وزارة الأمن الداخلي. ليصبح بذلك الجنرال الثالث في الإدارة المقبلة. وقد عيّن ترامب قبل كيلي، الجنرال المتقاعد، مايكل فلين، مستشارا للأمن القومي، المنصب البالغ الأهمية في صنع السياسة الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة.
وعلق ديفيد غراهام، المحلل في صحيفة ذي اتلانتك، على هيمنة القادة العسكريين على الحكومة الأميركية القادمة، مشيرا إلى أنه لم يسبق أن شهدت إحدى الإدارات الأميركية تركيبة مشابهة، والتي وصفها غراهام بـ”المجلس الوزاري الثقيل”.
واستطرد موضحا أن الحالة الوحيدة التي تم فيها تواجد مجموعة جنرالات في نفس الإدارة كانت خلال عهد رئيس الولايات المتحدة الثامن عشر يوليسيس غرانت.
وحكم غرانت جنرال سابق، الولايات المتحدة في الفترة من 1869 إلى 1877. وعمل في حكومته أربعة جنرالات سابقين في نفس العام، لكن ذلك حدث في زمن كانت فيه هناك حصة غير متناسبة من المشاركة السياسية التي تضم الرجال البيض الذين شغلوا مناصب رفيعة خلال الحرب الأهلية.
ويعتبر غراهام هيمنة الجنرالات ستثير بعض الصراعات، مضيفا أن تعيين ماتيس على وجه الخصوص يخالف القانون، حيث يقضي قانون فيدرالي بقضاء العسكريين المتقاعدين سبع سنوات على الأقل خارج الجيش قبل الحصول على مسؤوليات واسعة داخل وزارة الدفاع، ولذلك يتوجب تمرير تشريع خاص لتجاوز هذا القانون. ويمكن للمرشح أن يحصل على تنازل من الكونغرس للتحايل على ذلك، ويبدو أن ماتيس حصل على التنازل.
ويثير تعيين العديد من الجنرالات جدلا بين خبراء السياسة. ويقول النقاد إن الكثير من القادة العسكريين شوهوا في أحسن الأحوال الأولويات الوطنية، وفي أسوأ الحالات تسببوا في ترهل المجلس العسكري.
وكتب كارول جياكومو من صحيفة نيويورك تايمز “سوف يكون تعيين عدد كبير جدا من الجنرالات سببا في إحداث توازن في النظام لسبب وجيه يكون في صالح القيادة المدنية”.
وأضاف أن “القلق يأتي من كون القادة العسكريين قد يجرون البلاد إلى المزيد من الحروب”. و”أن البنتاغون، بميزانيته التي تبلغ نحو 600 مليار دولار، يمارس بالفعل نفوذا واسعا في صنع السياسات الأمنية الوطنية ويضعف من موارد وزارة الخارجية”.
ولكن بعيدا عن التعيينات الجيدة أو السيئة، ما الذي قد يفسر اعتماد ترامب غير المتناسب على السمعة؟ يجيب غراهام على هذا السؤال بالاعتماد على التحليل النفسي لشخصية ترامب. فالرئيس الأميركي المنتخب ليست لديه خبرة في مجال الأمن القومي، وأظهر اهتماما كبيرا بالحصول على تلك الخبرة.
ومن المهم لمستقبل إدارته ومصداقيته أن يحيط نفسه بأناس يعرفون عما يتحدثون، ويمكن أن توفر سمتهم العسكرية ذلك.
ويعتبر الجيش من المؤسسات القليلة التي لا تزال تحظى بمصداقية عالية لدى المجتمع الأميركي.
وفي استطلاع أجرته مؤسسة غالوب هذا الصيف، كان الخيار الذي حظي بنسبة تأييد عالية هو الجيش، متجاوزا حتى الشركات الصغيرة والكنائس، إذ قال 73 في المئة من الأميركيين إنهم يثقون في الجيش “بشكل كبير” على الأقل، وهم يتجاوزون ضعف أولئك الذين قالوا الشيء نفسه عن رئاسة الجمهورية.
وزير خارجية صديق لروسيا
اختيار جنرالات سابقين ويحظون بمستوى عال من ثقة الجمهور الأميركي لمناصب عليا، يحقق الكثير لترامب. وهذا الاختيار لن يتوقف عن القادة العسكريين، حيث يقول ديفيد غراهام، إن خيارات ترامب الأخرى يمكن أن تشمل رواد الأعمال والمليارديرات والمصرفيين السابقين، وهو ما حدث مع وزير الخارجية.
ترامب ليست لديه خبرة في مجال الأمن القومي ومن المهم لمستقبل إدارته أن يحيط نفسه بأناس يعرفون عما يتحدثون
كان المتابعون يتوقعون أن يختار الرئيس الأميركي المنتخب جنرالا آخر لمنصب وزير الخارجية، وهو الجنرال ديفيد بترايوس، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية؛ لكن لم يذهب منصب كبير الدبلوماسيين الأميركيين، البالغ الحساسية، لقائد عسكري.
فقد أعلن دونالد ترامب أنه اختار رئيس مجلس إدارة عملاق النفط اكسون موبايل، ريكس تيلرسون، الذي يقيم علاقات وثيقة مع روسيا، وزيرا للخارجية، مشددا على أهمية علاقاته مع قادة في العالم.
وجاء في بيان من مكتب ترامب أن تيلرسون “سيكون مدافعا قويا عن مصالح أميركا الحيوية وسيساهم في تغيير سنوات من السياسة الخارجية السيئة والأعمال التي أضعفت أمننا ومكانة أميركا في العالم”.
وقال ترامب “لا يسعني التفكير بشخص أكثر استعدادا ومكرسا بهذا الشكل لأداء الخدمة كوزير للخارجية في هذه الأوقات الحساسة في تاريخنا”. و”تيلرسون يعرف كيف يدير منظمة ذات بعد عالمي، وهو ما يعتبر أمرا مهما لإدارة وزارة خارجية ناجحة”، مشددا على أهمية “علاقاته مع قادة في مختلف أنحاء العالم”.
ويأتي تعيين تيلرسون بعد أيام على اتهام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمصلحة ترامب، في تطور يمكن أن يعقد إجراء تثبيت تعيينه في مجلس الشيوخ.
وبصفته رئيسا لمجلس إدارة اكسون موبايل ورئيسها يشرف تيلرسون (64 عاما) على أنشطة الشركة في أكثر من 50 دولة.
وقد عارض العقوبات على روسيا في 2013 ومنحه الرئيس فلاديمير بوتين وسام الصداقة الروسية بعد عدة سنوات من مشاريع “اكسون موبيل” في البلاد.
وسيكلف تيلرسون، الذي يعرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا، بشكل خاص بتطبيع العلاقات مع روسيا التي تدهورت بسبب ضم موسكو شبه جزيرة القرم والخلاف بين واشنطن وموسكو حول الحرب في سوريا.
ويأتي إعلان التعيين في خضم الجدل الذي أثارته خلاصات لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي ايه” التي تقول إن موسكو حاولت ترجيح كفة ترامب في الانتخابات أمام منافسته هيلاري كلينتون من خلال نشر وثائق مقرصنة للحزب الديمقراطي.
وتيلرسون الذي وإن كان مديرا جيدا لإحدى أكبر شركات النفط العالمية، فإنه لا يحظى بأي خبرة في السياسة الخارجية، لذلك يتوقع المراقبون أن يواجه أسئلة صعبة خلال جلسات الاستماع أمام مجلس الشيوخ لتثبيته في منصبه، فيما يقول آخرون إن دونالد ترامب تعامل مع تيلرسون من منطلق رجل الصفقات، وقد قال عنه إنه أبرم صفقات ضخمة مع روسيا لصالح شركته وليس لصالحه الشخصي.
وإن لم يكن معتادا على الأعراف والبروتوكولات الدبلوماسية، فإن تيلرسون معتاد على لقاء كبار قادة هذا العالم للدفاع عن مصالح اكسون موبايل الناشطة في أكثر من خمسين بلدا من قطر إلى بابوازيا-غينيا الجديدة مرورا بالسعودية. وقد سحب الشركة من فنزويلا إثر خلافات مع الرئيس السابق هوغو تشافيز.
ونقلت شبكة إن بي سي الأميركية عن مصدرين قريبين من الفريق الانتقالي أنَّ الرئيس المنتخب دونالد ترامب، اختار تيلرسون وزيرا للخارجية على أن يكون مساعده جون بولتون، السفير الأميركي الأسبق لدى الأمم المتحدة في عهد جورج دبليو بوش.
وموقفه كمساهم في اكسون موبايل التي يملك أسهما فيها تزيد قيمتها عن 150 مليون دولار بحسب وثائق في البورصة، قد يسبب تضاربا في المصالح لأن قراراته كوزير للخارجية ستؤثر على سعر السهم. ورفع العقوبات عن روسيا سيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع كبير للسهم.
قرر ترامب الاستعانة بشخصيات ومستشارين ينتمون إلى الطبقة السياسية في واشنطن التي تكلم ضدها ترامب. وميزة هذه الشخصيات أن أغلبها من محرضي أو مخططي حرب العراق ويعارض أغلبها الاتفاق النووي مع إيران. ويقول المراقبون، مع توضح الرؤية بشأن إدارة ترامب المقبلة، إنها بشكل عام ستكون يمينية قوية تشبه بشكل كبير شخصية الرئيس المثير للجدل.
صحيفة العرب اللندنية