يحيي الاردنيون، السبت، الذكرى السادسة عشرة ليوم الوفاء والبيعة، ذكرى الوفاء للمغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، والبيعة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الذي تسلم سلطاته الدستورية في السابع من شباط عام 1999 ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية.
التقاليد الراسخة في الحياة الاردنية العامة والمحتكمة الى الدستور متواصلة ومتجذرة في عهدين فصل بينهما نهاية قرن وبداية قرن جديد، فدولة المؤسسات التي ارادها الملك الراحل الحسين وبناها مع ابناء الوطن جميعا جعلت من يوم وداعه رحمه الله يوما تاريخيا مشهودا في سلاسة انتقال الحكم والمضي الى مرحلة جديدة من عمر المملكة الاردنية الهاشمية بتسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية.
يقول الحسين طيب الله ثراه : “ان مفهوم الوطن يأتي فوق مفهوم الجغرافيا واكثر من مفهوم التاريخ لان الوطن هو الحياة، حياة كل مواطن وكرامته وكبرياؤه وهو مصدر وحيه ومعين الهامه وهو الذي يعيش الانسان في كنفه بشرف وكرامة ويكون مستعدا للموت في سبيله بفرح وكبرياء “.
ونقرأ في رسالة الحسين طيب الله ثراه، الوداعية، لنجله جلالة الملك عبدالله الثاني: ” عرفت فيك وانت ابني الذي نشأ وترعرع بين يدي حب الوطن والانتماء اليه والتفاني في العمل الجاد المخلص ونكران الذات وحب الظهور ، والعزيمة وقوة الارادة وتوخي الموضوعية والاتزان والاسترشاد بالخلق الهاشمي السمح الكريم المستند الى تقوى الله اولا ومحبة الناس والتواضع لهم والحرص على خدمتهم والعدل والمساواة بينهم وتوقير كبيرهم والرحمة بصغيرهم والصفح عن مسيئهم حيثما كان مجال للصفح وكرم النفس والخلق والحزم عندما يستقر الرأي على قرار ووضع مصلحة الوطن والامة فوق كل المصالح والاعتبارات” .
هي مصلحة الوطن والامة ما وضعه جلالة الملك عبدالله الثاني نصب عينيه ليسير بالسفينة الاردنية الى بر الامان امام امواج متلاطمة عصفت سياسيا واجتماعيا واقتصاديا باوطان تمزقت اشلاؤها وانقسمت على نفسها ، بحكمة ودراية وروية وسياسة متزنة وصداقات عربية متينة، وعالمية مقدرة ومحترمة تجاوز الاردن كما على عهده دوما منحنيات خطرة، ودام ايقونة عربية فريدة يغيث المرتجي ، ويساعد الملهوف ويفتح ذراعيه لاشقائه يقاسمهم اللقمة وقطرة الماء والدم .
لقد حمل الحسين طيب الله ثراه على عاتقه الدفاع عن الاسلام ورسالته السمحة ضد الارهاب والتطرف، ومن أقواله :”ان المملكة الاردنية الهاشمية تؤكد على ضرورة التفريق الحاسم والواضح بين الاعمال الارهابية والشريعة الاسلامية السمحة فالاسلام الذي نعتز به دينا ومنهج حياة يقوم على التسامح ويحدد منهج الحوار بقوله تعالى، ” وجادلهم بالتي هي احسن” ، والاسلام يحدد الفرق بين الجهاد الذي يستند الى العقيدة وينطلق من مبدأ احترام المواثيق وعدم جواز قتل الابرياء من جهة وبين الارهاب وقتل الابرياء وترويعهم من جهة اخرى ، وقد استقر في وجداننا جميعا ان الارهاب لا يقتصر على جنس او على اتباع دين دون غيره او على وطن دون سواه.
ويواصل جلالة الملك عبدالله الثاني اداء هذه الرسالة السامية في الدفاع عن الاسلام من خلال مبادرات عدة اهمها رسالة عمان التي اطلقت في العام 2004 ، وفي خطاب العرش السامي الذي القاه جلالته في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة السابع عشر نقرأ : ان من واجبنا الديني والإنساني أن نتصدى بكل حزم وقوة لكل من يحاول إشعال الحروب الطائفية أو المذهبية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ولذلك، فالحرب على هذه التنظيمات الإرهابية وعلى هذا الفكر المتطرف هي حربنا، فنحن مستهدفون، ولابد لنا من الدفاع عن أنفسنا وعن الإسلام وقيم التسامح والاعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب، وإن كل من يؤيد هذا الفكر التكفيري المتطرف أو يحاول تبريره هو عدو للإسلام وعدوٌ للوطن وكل القيم الإنسانية النبيلة.
في حربه على الارهاب والتطرف ومنذ نشأة هذا البلد الصامد قدم الاردن تضحيات جساما وارواحا بريئة كان همها الاول والاخير خدمة هذا الوطن وخدمة هذه الامة ، ولم يكن آخر هذه التضحيات الروح الطاهرة التي انتقلت الى باريها يوم استشهاد المغفور له الملك عبدالله المؤسس طيب الله ثراه في رحاب المسجد الاقصى المبارك ، ولا اغتيال رئيس الوزراء هزاع المجالي في مكتبه وهو يقدم خدماته للمواطنين ، وكذلك اغتيال رئيس الوزراء وصفي التل رحمهم الله جميعا.
بعد استشهاد وصفي التل قال الراحل الحسين :”هناك رد واحد على كل هذه الجرائم والاثام اطلبه من كل واحد منكم رجلا كان او امرأة عسكريا كان او مدنيا هو المزيد من الايمان بالوحدة الوطنية والمزيد من التمسك بها والحفاظ عليها ، عندها ستمضي سفينتنا بعزم وايمان مهما غاب عنها من وجوه الرفاق الاحباء. وحين تعرض الاردن في العام 2005 لهجمة بربرية همجية اودت بحياة اكثر من ستين مدنيا قال جلالة الملك عبدالله الثاني: “وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الأردن إلى مثل هذه الأعمال الارهابية الجبانة ، والأردن ليس البلد الوحيد الذي يتعرض لمثل هذه الأعمال , فالكثير من دول المنطقة وكثير من بلدان العالم تعرضت لمثل هذه الأعمال الإرهابية وربما اكثر واكبر منها ، ونحن نعرف ان الاردن مستهدف ربما أكثر من غيره لأسباب كثيرة منها دوره ورسالته في الدفاع عن جوهر الاسلام دين الاعتدال والتسامح ومحاربة الارهابيين الذين يقتلون الابرياء باسم الاسلام والاسلام منهم بريء “.
في ذكرى رحيل الحسين نستذكر سجلا تاريخيا لمسيرة الدولة الاردنية منذ العام 1952 حين نودي بالحسين طيب الله ثراه ملكا للمملكة الاردنية الهاشمية مرورا بكل المراحل الدقيقة في السنوات الصعاب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي التي رفع جلالته طيب الله ثراه خلالها شعار ” فلنبن هذا البلد ولنخدم هذه الامة”، الى مراحل سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي التي شهدت تحولا في القضايا الاقليمية واستئناف الحياة الديمقراطية في المملكة بعودة الانتخابات النيابية، الى مرحلة التسعينيات في ذلك القرن التي خاض الاردن فيها معركة السلام .
وفي الثاني من أيار 1953 أتم الحسين الثامنة عشرة من عمره ، فاقسم اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة ثم قال : ” أبناء وطني ألا وان العرش الذي انتهى إلينا ليستمد قوته بعد الله من محبة الشعب وثقته”.
تجاوز الاردن بقيادة حكيمة وثاقبة خمسينيات القرن الماضي بكل ما فيها من تقلبات وتطورات متسارعة فكانت ، اولى الخطوات الشجاعة والمؤثرة : تعريب قيادة الجيش العربي عام 1956 ، والغاء المعاهدة البريطانية عام 1957 لإكمال السيادة الوطنية والاعتماد على الذات في مواجهة المستقبل.
في احد لقاءاته بابناء شعبه في محافظة عجلون قال الحسين :” تعود بي الذاكرة الى تعريب قيادة الجيش العربي .. الى الغاء المعاهدة التي كانت تحمل معها الدعم المادي للاردن والذي كان في ذلك الوقت يبلغ عشرة ملايين دينار في السنة ، تساءل الناس كيف سنعيش ونصمد ونبني ونتوسع والحمد لله مكانة الاردن مكانتكم في هذا العالم العربي والاسلامي وفي الدنيا باسرها وما بذلناه من جهد اثمر بهذه الصورة وهذا الواقع الذي نعيشه الآن دون نفط ودون خيرات اخرى كثيرة ندعو الله سبحانه وتعالى ان يهيئها لنا في المستقبل او شيئا منها وسواء تحقق ما نتمناه وكلنا امل بان يتحقق فيسظل انساننا هو المفتاح وهو السر وهو الاساس” .
بعد حرب العام 1967 تمسك الاردن بالسلام العادل والشامل والدائم القائم على القانون الدولي كما هو معبر عنه في قراري 242 و338 وبقي ثابتا في هذا الالتزام والتعاون مع كل مبادرة تحقق هذا الهدف . ومضى جلالة الملك الحسين رحمه الله في محو آثار تلك الحرب حتى جاء يوم الحادي والعشرين من آذار عام 1968 ليكون يوما لاستعادة الكرامة العربية والثقة بالانتصار حين صد جيشنا الباسل قوات الاحتلال الاسرائيلي الغاشم في معركة تاريخية سطر فيها الاردنيون اروع معاني التضحية والفداء والدفاع عن ارض الاردن الطهور .
ادى الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية عام 1967 الى ايجاد توتر سياسي وعوائق لوجستية عرقلت الانتخابات النيابية لان الناخبين عن نصف مقاعد البرلمان الاردني يعيشون تحت نير الاحتلال ، وفي اواسط ثمانينيات القرن الماضي اجريت تعديلات على الدستور لازالة العوائق امام اعادة الحياة ، وتم عام 1988 اتخاذ قرار فك الارتباط القانوني والاداري مع الضفة الغربية ما مكن من اجراء الانتخابات البرلمانية في السنة التالية بعد انقطاعها منذ العدوان الاسرائيلي عام 1967 .
في العام 1991 تم تبني الميثاق الوطني من قبل مؤتمر مثل جميع القوى السياسية في الدولة ، وفتح ذلك الباب امام تشكيل الاحزاب السياسية والمزيد من الحريات العامة . كان الراحل الكبير، دائم التواصل مع أبناء أسرته الأردنية الواحدة يزورهم في مضاربهم ومدنهم ومخيماتهم، يتفقد أحوالهم ويتلمس احتياجاتهم ويصدر توجيهاته للحكومات لتنفيذ المشروعات التنموية وتوزيع مكتسباتها بعدالة على الجميع ليمضي عبدالله الثاني على ذات الدرب وليكون الملك القريب من ابناء شعبه يكاشفهم ويصارحهم ويتلمس حاجاتهم وقضاياهم عن قرب يستمع الى الشيوخ والشباب ويناقش معهم كل القضايا الوطنية مسترشدا ومستمعا لوجهات نظرهم واخذا بعين الاعبتار آراءهم وتطلعاتهم . قناعات الحسين الثابتة كانت بان التعددية والمشاركة الشعبية والحكومة القابلة للمحاسبة واقتصاد السوق الحر هي افضل حماية لحقوق وكرامة المواطن .
وبالرغم من الظروف التاريخية التي جعلت من هذه القناعات تحديا امام مسيرة البناء الا ان الاردن سار بقوة وعزيمة ليثبت ابناؤه يوما بعد يوم انهم على قدر المسؤولية ، وليتمكنوا من بناء دولة المؤسسات الأردنية، وليقطع الأردن في عهده طيب الله ثراه أشواطا طويلة على طريق التطور والتنمية والتحديث، شملت مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية والعمرانية والعلمية والثقافية، وتم تنفيذ العديد من المشروعات السياحية والزراعية الكبيرة .
واعتمدت الحكومات المتعاقبة في عهد جلالة الحسين الخطط التنموية لتشكل حزما من البرامج للنهوض بالمجتمع الأردني، حيث ارتفعت نسبة التعليم وعدد المدارس والمعاهد والجامعات، وارتفع مستوى المعيشة وتحسنت نوعية الحياة، وازدهرت الحياة الاقتصادية، ونشطت الصناعات المختلفة، كالتعدين والفوسفات والبوتاس والاسمنت وغيرها، ونمت التجارة خاصة مع توفر شبكة من الطرق والمطارات الدولية.
ويواصل الاردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني مسيرة البناء والازدهار في شتى الميادين ، فهناك نهضة عمرانية وبناء مشروعات ضخمة وجذب للاستثمار العربي والاجنبي حتى غدت المملكة في عهد جلالة ابي الحسين وجهة اقتصادية دولية وعربية تلتقي على ارضها كفاءات وخبرات متعددة من شتى دول العالم .
وكما أولى الملك الحسين طيب الله ثراه القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية جل عنايته واهتمامه، لتبقى درعا منيعا في الحفاظ على أمن الوطن واستقراره، حيث شهدت، في عهده تطورا في مجالات التدريب والتأهيل والتسليح ، وكان لها إسهاماتها في مسيرة البناء والتنمية ، بقيت القوات المسلحة الاردنية الجيش العربي في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني سياج الوطن وحامي الديار يوليها كل الرعاية والاهتمام لتواكب العصر تسليحاً وتأهيلاً لتكون القادرة على حماية الوطن ومكتسباته والقيام بمهامها على اكمل وجه مواكبة روح العصر والتطور .
وفي عهد جلالته طيب الله ثراه اسهم الاردن بفاعلية في دعم دور جامعة الدول العربية وبقي ملتزما بقراراتها ومؤيدا لكل خطوة تؤكد التعاون والعمل العربي المشترك ودعم القضايا العربية خاصة القضية المركزية ( فلسطين) للوصول الى حل عادل وشامل يحفظ كرامة الامة ويعيد الارض لشعبها مقابل سلام يعم المنطقة بأكملها .
وبقي الاردن في طليعة اشقائه في الدفاع عن قضايا امته وحقوقها ووحدتها وتحمل في سبيل ذلك فوق طاقاته وامكاناته وقدم التضحيات الجسام برضا نفس وطيب خاطر ، كما تحمل نتائج وتبعات حروب لم يكن له فيها خيار حيث بقي على الدوام رسول خير واصلاح يدعو الى نبذ الخلافات بين الاشقاء العرب وتسويتها بالحوار الاخوي دون التدخل بالشؤون الداخلية لاي قطر عربي شقيق .
ففي المؤتمر الاول للاحزاب العربية الذي عقد في عمان كانون الاول العام 1996 قال الحسين طيب الله ثراه : ” وليس مصادفة ان ينعقد مؤتمركم هذا على هذه الارض العربية التي استقبلت اولى طلائع جند الثورة العربية الكبرى التي قادها الجد الثائر الشريف الحسين بن علي من اجل وحدة الامة وتحررها واستقلال ارادتها تلك الثورة التي فتحت الآفاق لانطلاق الحركات الحزبية في العالم العربي منذ العقد الثاني من هذا القرن وشكلت مبادئها واهدافها السامية المنطلقات الرئيسية والشعارات الكبرى لبعض الاحزاب العربية وشهدت انبل واسمى اشكال الوحدة حيث اندمج الشعبان الاردني والفلسطيني في وحدة جعلت منهما اسرة واحدة متحابة متسامحة متكافلة مهاجرين وانصارا على هذه الارض التي باركها الله” .
ومنذ تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني مقاليد الحكم بادر جلالته الى التواصل مع أشقائه العرب وقادة وزعماء العالم وارتكزت سياسة الاردن العربية والدولية على أساس المواقف المبدئية والثابتة النابعة من التزامه التاريخي والقومي للدفاع عن مصالح الأمة وخدمة قضاياها العادلة .
ووقف الاردن الى جانب اشقائه العرب في محنهم وكما كان مغيثا للملهوف وللمحتاج في عهد الحسين رحمه الله اذ تحمل استقبال هجرات قسرية عديدة اهمها بعد حرب عام 1967 وموجة الهجرة في بداية تسعينيات القرن الماضي اذ استضاف في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ، الاشقاء من العراق وسوريا على الرغم من شح الموارد والامكانيات .
مرتكزات السياسة الخارجية والدبلوماسية الاردنية التي اسسها المغفور له الملك الحسين وسار عليها من بعده جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه هي الاخلاص لمبادىء الثورة العربية والموروث الهاشمي والحفاظ على استقلال الاردن وحماية سيادته الوطنية ووحدة أراضيه وإبعاد كل أشكال ومصادر الخطر عنه والايمان بالتعددية والاعتدال والتسامح والحوار البناء والديمقراطية .
وعلى هدي القانون والسياسات الدولية التي وضعت وفقا للمبادىء التي يجسدها ميثاق الامم المتحدة سار الاردن في علاقاته الدولية المتوازنة التي استند اليها ، ما اكسبه احترام الجميع وتقديره للدور الاردني الكبير والمؤثر في جميع القضايا التي تهم الشأن العربي .
وسار جلالة الملك عبدالله الثاني على خطى الراحل الكبير طيب الله ثراه الملك الحسين في الوقوف الى جانب السلام العادل والشامل والدائم الذي يشمل المسارات كافة على أساس الحقوق الكاملة في الارض والسيادة التامة وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ، وجلالته يدعو دوما الى جمع الصف وإنهاء حالات الاقتتال والصراع بين الشعوب وصولا الى تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي .
ونتذكر في يوم الوداع المؤثر للحسين في السابع من شباط 1999، يوم تجديد البيعة للقيادة الهاشمية الحكيمة ، تلك الوقفة الشامخة والراسخة كارض الاردن وما عليها، حيث اقسم جلالة الملك عبدالله الثاني اليمين الدستورية متوليا أمانة المسؤولية الأولى، مستعينا باسم الله وبركته على المضي قدما نحو مواصلة المسيرة وتعزيز ما بناه الآباء والأجداد الذين قدموا التضحيات الجسام لرفعة الوطن وتقدمه. وكما كان الحسين يقول على الدوام ان كل من يمس الوحدة الوطنية خصمي الى يوم القيامة بقي الملك عبدالله الثاني يؤكد دوما على أن الحفاظ على الوحدة الوطنية هي مسؤولية جماعية يتحملها كل من الحكومة وجميع مؤسسات المجتمع المدني والمواطنين، وأن وحدتنا الوطنية خط أحمر لن نسمح لأي كان العبث بها.
في خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة الثالثة لمجلس الأمة الثالث عشر في الاول من تشرين الثاني عام 1999 قال جلالته: ” فنحن في الأردن نؤمن أننا أسرة واحدة يتساوى أفرادها في جميع الحقوق والواجبات بغض النظر عن الأصول والمنابت، ونحن نؤمن أيضا أن الانتماء الحقيقي الصادق للأردن وترجمة هذا الانتماء إلى عمل وأداء للواجبات، هو مقياس المواطنة الصالحة.
وكانت توجيهاته السامية في بدايات عهده العمل على توفير الحياة الكريمة وتقديم الخدمات العامة للمواطن في البادية والريف والمخيم والمدينة، والاهتمام بسائر المجالات التربوية والاجتماعية والصحية، وتطوير مستواها، والاهتمام بقطاع المرأة والطفولة من خلال وضع البرامج والتشريعات التي تصون حقوق هذين القطاعين، وترتقي بمستوى الرعاية المقدمة ، وكذلك العمل على توجيه عناية خاصة لتوسيع مظلة التأمين الصحي، وصولا إلى التأمين الصحي الشامل، والارتقاء بمستوى ونوعية التعليم، ومعالجة قضايا الإسكان والنقل والرعاية الاجتماعية، والحفاظ على قطاع البيئة بكل أبعاده.
ويؤكد جلالة الملك عبد الله الثاني أهمية تكريس مبدأ الشفافية والمساءلة وسيادة القانون وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص وتعزيز منظومة مكافحة الفساد ، ويشدد دوما على أهمية التعاون والتنسيق بين جميع المؤسسات الرقابية وتفعيل أنظمة المساءلة على أسس شفافة ونزيهة وموضوعية ووفق أفضل المعايير والممارسات الدولية .
ففي خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة السادس عشر قال جلالة الملك عبدالله الثاني : لقد تأسس الأردن على مبـادئ البيعة وتقوى الله والعدالة للجميع أمام القانون، ومن هنا انطلقت الثـورة العربية الكبرى، مطالبة بالوحدة والحرية، وأصبح الأردن موئلا لجميع الأحرار من إخوتنا في القومية والعقيدة ، وقد بنى أجدادنا الأردنيون في هذا الحمى وطنا للحرية والعدالة والمساواة، فالأردن لكل الأردنيين، والانتماء لا يقاس إلا بالإنجاز والعطاء للوطن، أما تنوع الجذور والتراث فهو يثري الهوية الوطنية الأردنية، التي تحتـرم حقوق المواطن، وتفتح له أبواب التنوع ضمن روح وطنية واحدة تعزز التسامح والوسطية.
في عيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني الثالث والخمسين والذي وافق الاسبوع الماضي افتتح جلالته مستشفى الزرقاء الحكومي الجديد، الذي زود بجميع التخصصات والأجهزة والمرافق الطبية والعلاجية بسعة 500 سرير وأنشئ المستشفى، بأمر من جلالته بعد أن لمس معاناة المواطنين عن قرب خلال زيارات متعددة إحداها مفاجئة إلى المستشفى القديم، حيث تبرع بقطعة أرض لبناء المستشفى ليكون صرحا طبيا متقدما يسهم في النهوض بالواقع الصحي للمواطنين في المحافظة والمناطق المجاورة لها. وكذلك امر جلالته في الزيارة ذاتها بمساعدة أسر عفيفة، وتقديم دعم لعدد من المراكز والجمعيات الخيرية في المملكة، والتي تعنى برعاية الأيتام والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة ، وشملت التوجيهات الملكية بتقديم مساعدات مالية لنحو 30 ألف أسرة عفيفة في مختلف مناطق المملكة، إضافة إلى مساعدات عينية تقدم لتلك الأسر، لمساعدتها على مواجهة الظروف المعيشية، وبما يعزز مبدأ التكافل والتضامن بين شرائح المجتمع الأردني.
وتكريسا لنهج التواصل الملكي مع مختلف فئات المجتمع وشرائحه ، حرص جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله في زيارته لمحافظة الزرقاء ايضا على تفقد أحوال عدد من الأمهات والسيدات اللاتي يأويهن مركز الأميرة منى الحسين للمسنين، في محافظة الزرقاء، التابع للجمعية الأرثوذكسية الخيرية.
ووجه جلالته إلى الاستمرار بكفالة 1500 يتيم من أبناء قطاع غزة الذين تشرف عليهم جمعية الوئام الخيرية اذ استجاب جلالته قبل ثلاث سنوات لنداء استغاثة أطلقته الجمعية لكفالة هؤلاء الايتام من فاقدي الأب ممن تقل أعمارهم عن 13 عاما، اعتماداً على تقارير قدمها المستشفى الميداني الأردني هناك ، والتي أكدت صعوبة وتردي الظروف التي يعيشها هؤلاء الأيتام في القطاع بعد وفاة معيليهم.
وضمن لقاءات وزيارات جلالته التواصلية مع أبناء الوطن في مختلف مناطقهم، وخلال لقائه بمنطقة الموقر بالبادية الوسطى، شيوخ ووجهاء وأبناء قبيلة بني صخر الشهر الماضي، قال جلالته ” ان الأردن قادر على مواجهة مختلف التحديات وتجاوزها بعزم وهمة أبناء الوطن المخلصين” ، وقال ” ان تحسين الظروف المعيشية لأبناء وبنات شعبي هو على رأس الأولويات، وندرك جميعا التحديات الاقتصادية التي تواجهنا، ومشكلة الفقر والبطالة ستبقى التحدي الأكبر”.
وسعى جلالته من خلال خمس أوراق نقاشية إلى إطلاق حوار عام حول الخطوات المستقبلية ، وتعزيز ضوابط الفصل والتوازن بين السلطات بهدف حماية التعددية ، وجعل العمل السياسي متاحا بشكل متساوٍ أمام الجميع، وذلك عبر إجراءات تحول دون إساءة استخدام السلطة من أجل التضييق على الآخرين أو تهميشهم واستمرار ثقافة الأحزاب السياسية وتطوير الجهاز الحكومي لدعم الانتقال التدريجي نحو نظام حكومي برلماني مكتمل العناصر وتدعيم مستوى الثقة الشعبية في المؤسسات العامة .
وتم تشكيل لجنة للنزاهة الوطنية ، ولجنة لتقييم التخاصية ، وإجراءات للقضاء المستعجل للنظر في قضايا الفساد ، وتواصلت في عهد جلالته إصلاحات سياسية عديدة من خلال التعديلات الدستورية التي تضمنت نصوصا جديدة تتعلق بإنشاء محكمة دستورية وهيئة مستقلة للانتخابات .
وفي المجال الاقتصادي تبنى الاردن في عهد جلالته ، مبادئ التحرر الاقتصادي لتصبح جزءا من استراتيجية المملكة للتنافس الفعال في الاقتصاد العالمي الجديد ونتيجة لذلك أدخلت إصلاحات اقتصادية وبنيوية رئيسية لدمج الاقتصاد الأردني بصورة فعالة بالاقتصاد العالمي أدت إلى توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة على الصعيدين العربي والدولي. وفي اطار الاهتمام الملكي بدعم وتعزيز مشاركة المرأة الاردنية تم في عهد جلالته تعديل وسن تشريعات جديدة عملت على رفع نسبة مشاركة المرأة في العملية السياسية وفي السلك الدبلوماسي والقضائي .
وجلالته يؤكد دوما أهمية دور الإعلام في تحقيق مبدأ الشفافية وفتح قنوات الاتصال بين المواطن ومؤسسات الدولة والكشف عن أماكن الخلل أو الفساد، وضرورة تحلي الإعلام بالموضوعية والمهنية والمصداقية.
وأولى جلالته أهمية لتطوير التعليم بما يواكب التطورات التكنولوجية على المستوى العالمي ، فشهد التعليم قفزة نوعية مهمة تمثلت بحوسبة المناهج الدراسية اضافة الى وصول اجهزة الحاسوب الى جميع مناطق المملكة بما فيها المناطق النائية.
وبقي الاردن المؤثر عالميا في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني كما كان في عهد الحسين نموذجا للدولة المدنية الحضارية، فكانت كلمات القائدين الحسين رحمه الله وعبدالله الثاني حفظه الله ورعاه مدوية وجريئة وواضحة في شتى المحافل الدولية يدافعان عن قضية العرب المركزية الاولى قضية فلسطين ويحملان مشاعل السلام والامن يخاطبان الفكر العالمي بحرفية جعلت من الاردن مركزا رائدا له دور محوري في العديد من المحطات التي مرت بها امتنا .
في احد خطابات جلالة الملك عبدالله الثاني امام الجمعية العامة للامم المتحدة قال جلالته : ” وأولئك الذين يقولون “هذا ليس شأننا” مخطئون، وذلك لأن أمن كل دولة سوف يتأثر بمصير الشرق الأوسط ، ويمكننا معا، بل يجب علينا جميعا، اتخاذ تدابير إنسانية وأمنية عاجلة، وإيجاد حلول دائمة للأزمات القائمة اليوم، وتوفير فرص جديدة للحوار والمصالحة والازدهار والسلام”.
رحم الله الحسين الملك الباني وامد المولى عز وجل في عمر جلالة القائد الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وحمى الله الاردن وطنا وقيادة وشعبا.
وكالة الانباء الاردنية – بترا