في أحدث إحصائياتها حول أوضاع اللاجئين السوريين في العالم، أشارت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن 75.2٪ من اللاجئين السوريين يأملون في العودة إلى بلدهم ذات يوم، ولكن 69.3٪ من هؤلاء لا يعتزمون العودة خلال مهلة سنة من الآن. وأوضحت المفوضية أنّ أسبابهم في التردد تتصدرها الخشية من فقدان الأمن والأمان لدى العودة واحتمالات التعرض لأخطار مختلفة بينها الاعتقال أو التنكيل أو السوق للخدمة العسكرية. الأسباب الأخرى تدور حول تأمين سكن وعمل ومصدر للعيش، وهذه الضروريات باتت صعبة على المقيمين في البلد ومن الطبيعي بالتالي أن تكون أصعب على العائدين.
لكن مأساة اللجوء السوري اتخذت خلال الفترة الأخيرة طابعاً أشد قسوة في بعض البلدان، وخاصة العربية منها، فاختلطت إجراءات التضييق القانونية التي تمارسها السلطات الرسمية في تنظيم إقامة اللاجئين، بإجراءات أكثر مضايقة تفرضها البلديات والمجالس المحلية غير الحكومية، وبنزعات من الكراهية والعنصرية صارت معلنة لدى شرائح معينة من أبناء البلد المضيف. صحيح أنها ظواهر اقترنت باللجوء السوري منذ البدء، ولكنها في الآونة الأخيرة تفاقمت أكثر فأكثر نتيجة التذرع بأن سوريا قد استقرت بنسبة كافية وأن النظام «انتصر» ولم يعد للاجئين أي مبرر في الامتناع عن العودة إلى بلدهم.
وهذه بالطبع ذرائع واهية تنفيها الحقائق على الأرض حيث يظل النظام أبعد ما يكون عن «الاستقرار» و«الانتصار»، والبلد خاضع لاحتلالات روسية وإيرانية وأمريكية وتركية، إلى جانب الميليشيات المذهبية والجهادية على طرفي النزاع. كما تنفيها وقائع عودة بعض اللاجئين نتيجة انسياقهم خلف أوهام زائفة وتطمينات كاذبة، فكانت الحصيلة كارثية ومناقضة تماماً لكل ما عقدوا عليه الآمال، لسبب جوهري أول هو أن النظام أعجز من أن ينجز مصالحة وطنية في الحد الأدنى مع الشعب، كما أن مفهوم الدولة قد تهلهل إلى درجة الانهيار التام في بعض القطاعات وبات عاجزاً عن توفير متطلبات العيش الأبسط لبضعة آلاف من الوافدين، فكيف بالملايين منهم.
ولعل مناخات العداء تجاه اللاجئين السوريين تتجلى في لبنان بأشكال لا نظير لها البتة في مواطن اللجوء الكبيرة الأخرى مثل تركيا أو الأردن، وقد تنامت في الفترة الأخيرة فبلغت مستوى التصريحات العنصرية بدل التلميحات، وذلك على لسان بعض كبار مسؤولي الدولة، وكذلك في عناوين بعض الصحف العريقة. ولا أحد ينكر وطأة وجود أكثر من مليون لاجئ سوري على الأرض اللبنانية، وتأثير ذلك على قطاعات الدولة المختلفة وخاصة انخفاض أجور اليد العاملة وارتفاع أسعار العقارات وصعوبة تأمين الخدمات الصحية وما إلى ذلك كله.
ولكن لا يتوجب في المقابل نكران برنامج المساعدات النقدية الذي يستفيد منه لبنان لقاء استقبال اللاجئين السوريين، والذي انتشل الاقتصاد اللبناني من حافة الانفجار، حسب تعبير المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ولا أيضاً نكران حقائق الفوائد الكبرى التي جناها كبار الرأسماليين اللبنانيين من العمالة السورية الرخيصة المقترنة باللجوء. ومن الخير كذلك أن يتذكر كارهو اللاجئ السوري أنه سبق أن استقبل اللاجئ اللبناني بسخاء ورحابة صدر حين كانت حروب لبنان المختلفة تلقي باللبناني في الأتون ذاته الذي يواجهه السوري اليوم.
وليس غريباً أن سجلات اللجوء على مدار التاريخ استخلصت على الدوام هذه القاعدة الثابتة: يوم لك ويوم عليك.
القدس العربي