شكل الفيلم الوثائقي الجديد «شفاء الصدور» الذي بثه تنظيم الدولة ضربة إعلامية جديدة للعالم بأكمله بعد أن نجح التنظيم في استخدام تكنولوجيا متفوقة مع إخراج تلفزيوني محترف وإعداد محكم، ليحصد ملايين المشاهدات خلال ساعات من نشره على الانترنت رغم مطاردته وحذفه من مختلف المواقع الالكترونية.
وأثار الفيلم الذي تضمن مشهد إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا بالنار جدلا واسعاً في مختلف أنحاء العالم، إلا أن المفاجأة الأكبر كانت في تقنيات الإنتاج وجودة الفيلم والإمكانات التي استخدمها مقاتلو التنظيم والقدرة الفائقة على استخدام الفيلم في الترويج لأفكارهم، وتجييش المشاهد ضد الطيار وضد التحالف الدولي الذي يشن غارات ضد التنظيم منذ الصيف الماضي.
ويمثل الفيلم حلقة جديدة في سلسلة أفلام ومقاطع فيديو أنتجها التنظيم ونشرها على الانترنت في إطار حملة إعلامية ترمي لاستقطاب الأنصار والمؤيدين وشرح وجهة النظر التي يعمل بها التنظيم، فيما يؤكد المراقبون والمحللون إن التنظيم لديه طاقم إعلامي محترف يضم منتجين ومخرجين سينمائيين ومصورين يتولون مهام الإنتاج التلفزيوني، فضلاً عن جيش الكتروني متفرغ للقيام بعمليات النشر على الانترنت واختراق كل القيود التي تفرضها الشركات الكبرى مثل «يوتيوب» و»فيسبوك» و»تويتر» وغيرها.
واستنفرت شركات الانترنت الكبرى لحذف فيلم «شفاء الصدور» عن شبكاتها، حيث لاحقت إدارة «يوتيوب» كافة الصفحات التي حاولت نشره، وحذفت الفيلم فور رفعه، إلا أن الملايين من المستخدمين تمكنوا من المشاهدة، كما أن الفيلم وصل إلى مختلف وسائل الإعلام ووكالات الأنباء في العالم التي استعرضت مضمونه.
وعلق المخرج التلفزيوني محمد بايزيد على الفيلم بالقول إن «الفيلم مصور بطريقة سينمائية، حيث تم استخدام كاميرات عديدة من زوايا مختلفة، كما تم استخدام اللهب في البداية لإعطاء إحساس سينمائي مذهل»، وأضاف بايزيد في تعليق نشره على صفحته على «فيسبوك» إن توزيع الكاميرات كان احترافياً بحيث لا تكشف بعضها بعضاً، كما أن «توزيع الجنود ضمن الكوادر كان بطريقة مدروسة ومنظمة، وكأن كل واحد منهم يعلم دوره جيداً، بينما اعتاد الناس أن يشاهدوا مثل هذه الأعمال بتصوير كاميرا جوال تهتز والناس تتدافع حولها بعشوائية».
كما يلفت إلى «التلاعب بالزمن وتمديده عبر تبطيء الصورة في اللحظات الحرجة، مثل ما حدث عند قرب وصول اللهب إلى القفص، ولحظة سقوط معاذ على الأرض»، مشيراً إلى أن التصوير تم بكاميرا (High Speed) لديها القدرة على التقاط عدد كبير من الكوادر خلال مدة زمنية قصيرة.
ويضيف المخرج بايزيد رداً على بعض المشككين بصحة الفيديو، والمتفاجئين ببراعة الإنتاج: «رأيي المهني أن الفيديو حقيقي، وكل ما في الأمر أنه مصنوع باحترافية لم نعتد على مشاهدتها في مثل هذه الفيديوهات، ورأيي أن ردة فعل معاذ على حرقه كانت حقيقية، كما أنه من الممكن إعطاء الضحية عقارات مهدئة تجعله مسترخياً لا يحس بالخطر ومنصاعاً للأوامر وهذا ما أعتقده في هذه الحالة».
وينتهي بايزيد إلى القول: «مدة الفيلم الكاملة 25 دقيقة تقريباً ويتضمن مونتاجاً وغرافيكس متطوراً للغاية، وهو فيلم لا شك أن صناعته استغرقت فترة طويلة، ليس أقل من شهر، وهو ما يؤكد نية التنظيم قتله على أي حال، أو تيقنه من رفض الأردن لصفقة التبادل».
حرب إعلامية
وتشير جريدة «الغارديان» البريطانية إلى أن تنظيم الدولة يشن حرباً إعلامية ناجحة ومدروسة، وتشبه الحرب التي يقوم بها التنظيم بسلسلة «هوليوود» التي أنتجها المخرج الأمريكي فرانك كابرا في العام 1941 من أجل الترويج للحرب الأمريكية، وهو ما عرف آنذاك باسم «حرب البروباغندا» أو «الحرب الإعلامية».
وقال المخرج كابرا لاحقاً: «كنا نطلق النار دون أسلحة، ودون إلقاء أي قنابل، لكنه كان سلاحاً نفسياً مدمراً ولا يقاوم، كان قاتلاً»، فيما تقول «الغارديان» إن التاريخ يعيد نفسه، وإن ما فعلته الولايات المتحدة في أربعينيات القرن الماضي يفعله تنظيم الدولة الآن.
وترى الصحيفة البريطانية في تقريرها أن العمليات الإعلامية العالمية التي يقوم بها التنظيم تهدف لأمرين رئيسيين، الأول: إثارة الولايات المتحدة وحلفاءها، أما الأمر الثاني فهو تجنيد مزيد من المقاتلين واستقطاب المؤيدين والمناصرين من خارج منطقة الشرق الأوسط.
وترى الصحيفة بأن التنظيم نجح حتى الآن في أهدافه التي يرمي لها من هذه الأفلام ومقاطع الفيديو، فعمليات الذبح التي قام بتصويرها وبثها على الانترنت أعادت جر الولايات المتحدة إلى المنطقة للقتال، كما أن أفلامه وصلت إلى ما بعد منطقة الشرق الأوسط واستطاعت استقطاب المزيد من المؤيدين من مختلف أنحاء العالم.
ويقول الكثير من المراقبين والخبراء إن التنظيم نجح في الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة وتطويعها لخدمته والترويج لأفكاره وعملياته العسكرية بما أتاح له إيصال وجهة نظره إلى العالم، وأتاح له أيضاً استقطاب أعداد كبيرة من المقاتلين، سواء العرب أو الأجانب ممن تبنوا أفكاره، وافتتنوا بالفيديوهات والصور التي ينشرها، فضلاً عن أن الكثير من الصور والفيديوهات كانت ترمي إلى بث الخوف والرعب في قلوب خصومه، وخاصة صور وأفلام قطع الرؤوس التي تسببت بفرار عشرات الآلاف من السكان والجنود من بعض المناطق في العراق قبل أن يدخلها مقاتلوه وذلك خوفاً من إلقاء القبض عليهم من قبل التنظيم وقطع رؤوسهم.
ويرى كثيرون أن فيلم إحراق الطيار الأردني يندرج في إطار حرب الخوف وبث الرعب التي يقوم بها التنظيم ضد خصومه، حيث يريد إحداث هزة في صفوف أعدائه، وإلقاء الخوف في قلوبهم، وهو ما نجح فيه سابقاً وتمكن من خلاله بتحقيق الكثير من أهدافه.
التايمز: أسلوب هوليوودي
وكان تقرير لجريدة «التايمز» البريطانية وصف الأفلام التي ينتجها التنظيم بـ «الهوليوودي» ويستخدم أحدث تقنيات الصوت والصورة وعمليات المونتاج.
ويقول التقرير إن الأسلوب الذي يستخدمه التنظيم في إنتاج الأفلام هو ذاته المستخدم في «هوليووود» من أجل إنتاج أهم وأفخم وأرقى الأفلام العالمية، خاصة التي تتضمن مشاهد عنيفة.
وتستعرض «التايمز» سلسلة من الأفلام القصيرة التي بثها التنظيم على الانترنت تحت عنوان (Let’s Go)، وهي أفلام تهدف لاستقطاب الشباب المقاتلين، وتستخدم تكنولوجيا فائقة الجودة والتطوير في الصوت والصورة والمونتاج، حيث تقول الصحيفة إن مدة كل فيلم من هذه السلسلة خمس دقائق فقط، لكنه يتضمن تحفيزاً عالياً على القتال ويتم فيه استخدام «أساليب هوليوود» في المونتاج الذي يقوم على السرعة ودفع المشاهد ليعيش مع الحدث مع قدر كبير من الإثارة.
ونقلت الصحيفة عن الباحث في المركز الدولي لدراسات التطرف شيراز ماهر قوله «إن التنظيم تمكن من إنتاج الفيديوهات الأفضل على الإطلاق، وبصورة متكررة منذ البداية، وليس فقط في الآونة الأخيرة».
وأضاف: «إنهم يستخدمون مواد فيلمية سريعة، وتترافق معها أناشيد دينية تحفيزية»، وهو الأسلوب الذي يستخدمه منتجو الأفلام في «هوليووود»، حيث يتم إنتاج أفلام العنف بأحدث الوسائل والطرق.
القدس العربي