أسلاف الأتراك والإيرانيين – في الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية – تنازعوا على منطقة ما بين النهرين. والمنافسة بينهما تعسّ إلى اليوم على رغم تحولهما إلى دولة – أمة، وإفلاحهما في الحفاظ على السلام بينهما منذ نحو 200 عام. ولكن اليوم، إيران وتركيا تتجهان إلى التصادم، بسبب تدخلهما في المنطقة وانتصاب كل منهما قوة بارزة، الأولى شيعية والثانية سنّية، في العراق وسورية.
والوجه الذي ستختار القوتان هاتان أن تبسطا نفوذهما عليه (شكل نفوذهما) وقدرتهما على تجاوز التباين بينهما أم إخفاقهما – هي عوامل ستحدد مستقبل الشرق الأوسط. وإذا تركت الديناميات الراهنة على غاربها، ستنزلق إلى سفك الدماء على نطاق أوسع، وتساهم في تفاقم الاضطرابات وتعاظم خطر المواجهة العسكرية المباشرة الإيرانية – التركية، ولو لم تكن مقصودة. وتدخل تركيا العسكري في سورية والعراق هو في جانب منه رد على ما تراه إنه ترسخ إيراني في دائرة نفوذها التاريخية، وتحديداً في حلب وجوارها وفي معارك الموصل. وتسعى أنقرة إلى الحؤول دون توسع حزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي السوري) وبسطه السيطرة على مناطق أكبر. واليوم، يتقدم ثوار سوريون بدعم من الجيش التركي جنوباً، وأفلحوا في طرد «داعش» من جرابلس والراعي ودابق على مقربة من الحدود التركية بين آب (أغسطس) وتشرين الأول (أكتوبر). واليوم، هذه القوات على مداخل بلدة الباب، وتعد للمواجهة. ولكن قوات «الاتحاد الديموقراطي» تكاد تطوق الباب من الشرق، والجيش السوري وقوات حلفاء إيران من الجنوب. ويقول بعض المسؤولين إن طائرة درون إيرانية الصنع شاركت في قتل 4 جنود إتراك قرب الباب في نهاية الشهرالمنصرم.
وترى طهران أن سياسة تركيا السورية هي ثمرة طموحات نيو – عثمانية لاستعادة النفوذ وتقوية السنّة الموالين لها. ويقول مسؤولون في أنقرة إن إيران تسعى إلى بعث نسخة شيعية من الإمبراطورية الفارسية القديمة. وعلى رغم سعيهما إلى تغليب كفة المصالح المشتركة بينهما، عبر هزيمة أو تهميش «داعش» وتقويض استقلال الأكراد السوريين، تحول الريبة المتبادلة دون تفاهمات تقلص التوترات بينهما. وحري بهما إرساء قنوات دائمة للتفاوض حول العراق وسورية، عوض اللقاءات الدورية بينهما التي تدوم يوماً أو يومين ويليها فراغ ديبلوماسي يملأه تصعيد في الحرب بالوكالة الإيرانية – التركية. وتمس الحاجة إلى تعزيز التعاون بينهما والثقة، من طريق تبادل المعلومات الاستخباراتية لمحاربة الأعداء المشتركين على وجه أمثل وتفادي الاصطدام وتنسيق الخطوات لتخفيف التوتر حين تصطدم دوائر نفوذهما. والخطوة الأولى نحو التفاهم قد تكون قيام إيران بتقييد الميليشيات الشيعية في محافظة نينوى مقابل سحب تركيا دباباتها والأسلحة الثقيلة من المنطقة.