شهد العراق العديد من التقلبات الاقتصادية خلال العام 2016، ولكن السمة البارزة لهذا العام على خلاف الأعوام الماضية، هي استمرار التقشف الحكومي وتقليص الإنفاق العام بمعدل كبير، بسبب تدني إيرادات الدولة من بيع النفط.
ولعل أبرز هذه التقلبات ما يرتبط بسعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار، فقد تعمق الفارق بين سعر الصرف الحكومي للدينار والسعر الموازي في السوق السوداء، حتى بلغ معدلا قياسيا.
واتسع الفارق بين السعرين إلى نحو 10 بالمئة، وهو ما يزيد الفساد المرتبط بعمليات بيع العملة من قبل البنك المركزي، ويشعل الصراع بين الأطراف السياسية لاقتطاع أكبر حصة منها.
ويبيع البنك المركزي العراقي الدولار بنحو 1190 دينارا، فيما يباع الدولار في السوق السوداء بنحو 1300 دينار، وهو ما يوفر أموالا طائلة للبنوك الخاصة التي تحتكر الشراء من المركزي لتنقله إلى السوق الموازية.
وتحتكر بضعة بنوك خاصة، معظمها مملوك لساسة أو رجال أعمال مرتبطين بأحزاب متنفذة، عملية التوسط في نقل العملة الأميركية إلى الأسواق المحلية، ما يوفر لها الملايين من الدولارات يوميا من الفارق بين السعرين.
وتنتشر في وسائل الإعلام بيانات عن الوثائق المزوّرة للحصول على تلك الأموال، مثل استيراد مواد كمالية لا تحتاجها البلاد وتكفي لعشرات أضعاف عدد السكان، دون أن يصل منها شيء إلى البلاد.
ومن أبرز ملامح العام 2016 ظهور إرادة دولية لمنع إفلاس بغداد التي تقاتل تنظيم داعش، حيث غضت المؤسسات المالية الدولية الطرف عن شروطها الصادمة وأعلنت تقديم ما يصل إلى 10 مليارات دولار من صندوق النقد والبنك الدوليين والبنك الإسلامي للتنمية.
وكان 2016 عام فرض الضرائب على رواتب الموظفين. إذ بدأت الحكومة خلاله باقتطاع نسب من رواتب موظفيها لتغطي أبواب صرف كثيرة، كتوفير الأموال لسد احتياجات نحو 4 ملايين نازح ودفع رواتب قوات الحشد الشعبي. وبلغ متوسط الاقتطاعات نحو 5 بالمئة من راتب كل موظف عراقي.
30 بالمئة نسبة الفقر في العراق بحسب المنظمات الدولية، وهي أعلى نسبة في تاريخ البلاد
وفي صفقة أثارت جدلا واسعا، مرر البرلمان العراقي قبل أشهر الحسابات الحكومية الختامية للأعوام من 2008 إلى 2011. وهي عبارة عن مطابقة بين الإيرادات والمصروفات الحكومية، دون تمحيص دقيق لتعطي براءة ذمة لعمليات الفساد التي تخللتها والإقرار بأن صرف موازنات تلك الأعوام كان قانونيا.
لكنّ نوابا في البرلمان أكدوا أن قادة بعض الكتل السياسية، منعوا النقاشات اللازمة بشأن وثائق الحسابات الختامية التي قدمتها وزارة المالية، مشيرين إلى أن هذه الحسابات تشوبها الكثير من الأخطاء، وأن هناك المليارات من الدولارات تم صرفها خلال المدة المذكورة بلا سندات قانونية.
ويلزم الدستور العراقي الحكومة بتقديم الحسابات الختامية لكل سنة مالية قبل تقديمها مشروع الموازنة العامة للعام اللاحق.
واعتاد البرلمان على تمرير الموازنات جراء تلكؤ الحكومة في تقديم حساباتها الختامية، لكنه بدأ منذ عامين “تصفير” الموازنات العامة للسنوات الماضية.
ويقول نواب ومختصون في الشأن الاقتصادي، إن الحسابات الختامية للسنوات الماضية فيها خروقات ومخالفات جسيمة تستدعي الكشف عن موارد الهدر والتقصير، مؤكدين أن العراق يحتل التصنيف الأدنى عالميا في قياسات الموازنة الفعلية للدولة.
وخلال العام 2016، صدّر العراق أول شحنة من الغاز السائل، بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي من المادة ووصول الإنتاج إلى 5 آلاف طن يوميا.
وسجلت نسبة الفقر في البلاد أعلى معدلاتها هذا العام، وفق إحصاءات لمنظمات دولية، أكدت أنها بلغت نحو 30 بالمئة، باستثناء المناطق التي يسيطر عليها داعش، حيث تجاوزت نسبة الفقر 40 بالمئة، وهي معدلات قياسية لم يسبق للبلاد تسجيلها.
كما شهد العام 2016 استقالة وإقالة شخصيات قيادية في الملف الاقتصادي العراقي، كوزير النفط عادل عبدالمهدي الذي قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي استقالته بعد انتظار دام عدة أشهر، في ظل جدل حول تشكيل حكومة من “التكنوقراط”.
وقام البرلمان بإقالة وزير المالية، هوشيار زيباري، بعد استجوابه من قبل ما عرف بجبهة الإصلاح النيابية التي تشكلت بدعم من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وقبل أشهر، أصدر البنك المركزي، أعلى فئة نقدية في تاريخ البلاد، وهي ورقة الخمسين ألف دينار (نحو 42 دولارا) وبرر ذلك بالسعي إلى إكمال هيكلة الأوراق النقدية العراقية ووضع فئة عالية القيمة في التداول.
لكن خبراء المال وجدوا في هذا الإصدار إقرارا رسميا بتدني القيمة السوقية للعملة العراقية، والعجز عن مواجهة التضخم الاقتصادي.
وقبل أن ينتهي عام 2016 اضطرت بغداد للموافقة على خفض إنتاج العراق من النفط بمعدل 209 آلاف برميل إلى 4.351 مليون برميل يوميا بدءا من مطلع يناير المقبل.
صحيفة العرب اللندنية