خلال حملته للانتخابات الرئاسية، تكلم دونالد ترامب بوضوح عن رؤيته للعالم، الذي بدا كثيرا مثل صراع الحضارات، والصراع الكبير بين معسكرين أيديولوجيين محددي الملامح قليلا. وفي خطاب سياسي كبير له في أبريل الماضي، دعا ترامب إلى النضال، من أجل تعزيز “الحضارة الغربية”، للتعامل مع ما أسماه بـ”العنف الإسلامي المتطرف”.
وفي أعقاب الهجوم الإرهابي في سان برناردينو، أعلن دعوته الشهيرة بفرض حظر على جميع المسلمين، الذي يدخلون إلى الولايات المتحدة. وعندما اصطدمت شاحنة بعدد من الأشخاص في سوق عيد الميلاد ببرلين يوم الاثنين، ما أسفر عن مقتل 12 شخصا على الأقل، ندد الرئيس المنتخب ترامب بالهجوم، واعتبره جزءًا من الحملة العالمية من قبل من أسماهم بـ”الإرهابيين الإسلاميين”، الذين قال عنهم إنهم “يذبحون المسيحيين في مجتمعاتهم بشكل مستمر”.
إن استخدام ترامب المتكرر، بشكل كبير للغة “نحن مقابل هم”، السمة السائدة في خطابه. لكن كرئيس سيصطدم بعالم لا يضعف بسهولة، أمام البيانات الثنائية، ومنطق “نحن مقابل هم”. وهنا يبدو الأمر أعمق بشكل معقد ما هو عليه في الشرق الأوسط. وها هنا أربعة مجالات بالمنطقة، حيث الولايات المتحدة تشارك فيها بعمق حاليا، وحيث سيواجه ترامب أسئلة تتعلق بالسياسات مع القليل من الإجابات الواضحة.
أولا، اليمن: فبعد أكثر من عام ونصف على ما يحدث في اليمن والحرب الأهلية هناك، قتل على الأقل 10 آلاف شخص، في واحدة من أكثر الصراعات المهملة في العالم. وتدعم الولايات المتحدة حليفتها، المملكة العربية السعودية، في عمليتها العسكرية في اليمن، على الرغم من تأثير بعض الهجمات على المدنيين، بما في ذلك الغارة الجوية، التي أصابت مجلس عزاء في صنعاء، وأسفرت عن مقتل 140 شخصا على الأقل في أكتوبر الماضي.
يذكر أن احتدام القتال، وتفكيك الدولة اليمنية، خلف 21 مليون نسمة، بمعدل 86% من السكان بحاجة لمساعدات إنسانية، فقط للبقاء على قيد الحياة. ويقول برنامج الغذاء العالمي أن البلاد على حافة المجاعة. وكتب “آدم بارون” المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في تقرير جديد، “اليمن يواجه جيلا ضائع”. ويقول إنه “في أمة، ذات تاريخ عميق من التمرد المسلح، وشريك فعال في تنظيم القاعدة، الذي استهدف الغرب، يأتي الفراغ الخطير في اليمن، بانعكاسات سيئة للغاية. وذلك ليس فقط بالنسبة لليمن، لكن للمنطقة بنطاقها الواسع وأوروبا أيضا”.
ثانيا، تركيا وسوريا والأكراد: هذه هي رباعية المواجهة الجارية في شمال سوريا. لقد أرسلت تركيا الدبابات والطائرات المقاتلة، عبر الحدود الجنوبية لسوريا في أغسطس الماضي، وذلك في محاولة لمساعدة المعارضة السورية في عملية الاستيلاء على سلسلة من البلدات، التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.
وتقول الحكومة التركية أيضا أنها تهدف إلى دحر المليشيات الكردية، بقيادة ما يسمى بوحدات حماية الشعب، الذين لديهم علاقات مع المسلحين الأكراد داخل تركيا. والمشكلة هي أن هذه الوحدات هي الوكيل الرئيسي للبنتاجون، في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة. وهذا التوغل التركي، يضع الولايات المتحدة على كلا الجانبين، من المواجهة المسلحة بين اثنين من حلفائها.
يذكر أن هناك مشكلة أخرى. إن القوات التركية والثوار السوريين، المتحالفين معها، يتقدمون نحو مدينة الباب السورية، التي يسيطر عليها تنظيم الدولة. وهي بلدة كان يبلغ عدد سكانها قبل الحرب، أكثر من 60 ألفًا في الضواحي الشمالية لمدينة حلب، و”الباب” واحدة من آخر البلدات، التي يفرض تنظيم الدولة قبضته عليها في شمال سوريا.
وكان أربعة عشر جنديا تركيا قتلوا في القتال من أجل المدينة يوم الأربعاء. وإذا كان الجيش التركي وحلفاؤه من المعارضة السورية، سيستعيدون السيطرة على المدينة والمنطقة المحيطة بها، فبذلك يمكنهم أن يشاركوا في خط المواجهة مع قوات دعم نظام بشار الأسد، وبذلك تنشأ أزمة أخرى، وهذه المرة بين حكومتين معاديتين.
ثالثا، استمرار وحشية تنظيم الدولة: تشارك القوات العراقية في معركة شرسة، لاستعادة الموصل، وهي أكبر المدن التي تحت سيطرة تنظيم الدولة. واستعادت القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب في العراق ربع المدينة تقريبا، لكن القتال بطيئا ودمويا على حد سواء. وهناك أشهر من القتال الوحشي في الانتظار، وذلك قبل أن تستعيد العراق سيطرتها على واحدة من المدن الأكثر أهمية، التي كانت وطنا لأكثر من مليون شخص.
وبشكل منفصل، في سوريا، استولت قوات تنظيم الدولة على مدينة تدمر مرة ثانية، ما يدل على قدرة تلك المجموعة على مواصلة الهجوم، حتى في أثناء مشاركتها في معركة ساحقة في الموصل. ويتضح أيضا كيف أن السياسات العنيدة للحرب الأهلية في سوريا، ستجعل الأمر صعبا ومعقدا لهزيمة تنظيم الدولة هناك بشكل نهائي، أكثر مما هو عليه في العراق.
جدير بالذكر أن حادث إطلاق النار، الذي أسفر عن مقتل عشرة أشخاص، بينهم سائحة كندية في مدينة الكرك الأردنية يوم 18 ديسمبر، يؤكد أيضا على رغبة تنظيم الدولة في شن هجمات قاتلة على المدنيين، بعيدا عن الجانب الآخر من ساحات القتال في العراق وسوريا. ومثل هذه الهجمات نادرة نسبيا في الأدرن، كما أن الهجوم على وجهة سياحية يثير مخاوف بشأن الأمن في هذا البلد، الذي يعد الحليف الأساسي للولايات المتحدة، على الحدود مع العراق وسوريا وإسرائيل والضفة الغربية.
وقام تنظيم الدولة بتحديد المهاجم، الذي اصطدم بشاحنة في سوق لعيد الميلاد ببرلين يوم الأثنين، حيث كان واحدا من “جنودهم”، الذي شن أحدث مثال للهجوم، من قبل شخص متعاطف مع قضية الجهاديين، لكن دون وجود اتصال مباشر له مع تنظيم الدولة أو أي منظمة أخرى.
رابعا، عذاب العراق: في العراق، النضال ضد تنظيم الدولة، هو السبب في توحيد البلد المنقسم. وتعمل الحكومة المركزية في بغداد مع السلطات الإقليمية الكردية، في مدينة أربيل. وتشارك الميليشيات، التي يقودها الشيعة، في نفس المعركة، مثلما يشارك نظرائهم السنة.
وبمجرد استعادة الموصل وغيرها من المدن بشكل نهائي، سيكون على العراق اجتياز مجموعة معقدة من التحديات، مثل إعادة بناء المدن المدمرة، وإعادة توطين مئات الآلاف من النازحين، وإصلاح النسيج الاجتماعي، بعد مرور أكثر من عشر سنوات من العنف.
جدير بالذكر أن العراقيين يواجهون مسألة كيفية اجتذاب العرب السنة المستائين، للمشاركة في العملية السياسية، وكيفية تسوية مسألة التطلعات الكردية لإقامة دولة مستقلة، وكيفية ضمان حقوق الأقليات مثل المسيحيين والإيزيديين. إن هذه الأسئلة حساسة، ولها القليل من الإجابات السهلة، لكنها تسير وفقا للعملية المعتادة في الشرق الأوسط.
عبد اللطيف التركي – التقرير