في 7 كانون الأول/ديسمبر، عيّن المرشد الأعلى علي خامنئي رئيساً جديداً للقوات الإيرانية شبه العسكرية المعروفة باسم “الباسيج”. وقد حلّ الجنرال غلام حسين غيب برور محل محمد نقدي الذي تولى هذا المنصب لسبعة أعوام. ويسلّط تعيينه الضوء، من بين أمور أخرى، على حرص طهران الواضح لتعزيز الدور الداخلي المحلي القمعي الذي تضطلع به قوات “الباسيج”، ولاستخدام الحرب السورية كميدان فعلي للتدقيق في الجيل القادم من قادة «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» وتدريبه.
مواجهة “التهديدات” الداخلية
تُعتبر “الباسيج” قوات شبه عسكرية قائمة على التطوع تمّ إنشاؤها في أعقاب ثورة عام 1979. وخلال الحرب الإيرانية -العراقية، اضطلعت بدورها الرئيسي المتمثّل بزيادة عدد أفراد «الحرس الثوري الإسلامي» من خلال توفير مجموعة من المتطوعين على المدى القصير، مما جعل أعضاءها يشتهرون بسرعة إما بكونهم من المخلصين الساعين إلى الشهادة أو هدفاً للمدافع يفتقرون إلى التدريب. ولم يتمّ دمج “الباسيج” بالكامل في هيكلية “دفاع الفسيفساء” الأمنية للمحافظات الخاصة بـ «الحرس الثوري الإسلامي»، حتى أواخر عام 2009 – بعدما ملأ متظاهرو “الحركة الخضراء” الشوارع احتجاجاً على الانتخابات الرئاسية – حيث اكتسبت إطاراً مهنياً خاصاً بها في غضون ذلك.
وقد ساعد غيب برور، الذي يُعتبر من أبرزأأأبرز مؤيدي التأهب الاستخباراتي الشديد في الحرب “الناعمة” و”الصلبة”، على قمع الاضطرابات التي اندلعت في ذلك العام في طهران وعدد من المدن الرئيسية الأخرى بصفته قائداً لأحد فرق «الحرس الثوري الإسلامي». وفي وقت سابق، كان قائداً لمقر “الإمام الحسين” خلفاً لمرشده الجنرال حسين همداني. ويُقال إن هذا المقر يشرف على نحو 500 من كتائب “الباسيج” في محافظات إيران الإحدى والثلاثين. ويتردد أن كتائب “الإمام الحسين” التي تُوصف بأنها “مستقلة”، ومرتبطة بوحدات المحافظات التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي»، تخضع لنطاق موسع تدريجياً من التدريبات المتخصصة، بما فيها الحرب المدنية والنووية/البيولوجية/الكيماوية. وتقع على عاتقها مهمة قمع الاضطرابات المحلية ودعم «الحرس الثوري الإسلامي» خلال دفاعه ضد غزاة أجانب. ويضّم “فيلق محمد رسول الله” في طهران التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» فرقة كبيرة من قوات “الباسيج” تتولى بوجه خاص مهمة ضمان أمن العاصمة. وتُفيد بعض التقارير أيضاً أن قوات “الباسيج” نظمت عدداً كبيراً من الكتائب الاحتياطية التابعة لـ “بيت المقدس” والتي بإمكانها أن تجتمع بسرعة لتنضمّ إلى كتائب “الإمام الحسين” في حالات الطوارئ.
ووفقاً لملاحظات نقلتها مؤخراً “وكالة أنباء فارس” ووسائل إعلام إيرانية أخرى، يؤمن غيب برور أن حماية “الثورة الإسلامية” يجب أن تستمر في إعطاء “الأولوية إلى السلام والرفاهية والتقدّم”. كما حذّر من الأصوات المحلية “الأنانية”، لا سيما رئيس “مجلس تشخيص مصلحة النظام“ أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي دعا مؤخراً إلى اعتماد مقاربة تصالحية في الشؤون الإيرانية الدولية.
ويعيد هذا الموقف المتشدد إزاء الأمن المحلي التذكير بموقف سلفه. فقبل توليه رئاسة “الباسيج”، ترأس الجنرال نقدي دائرة مكافحة التجسس في “قوات إنفاذ القانون” الإيرانية. كما خضع لمحاكمات استقطبت الاهتمام بتهمة تعذيب منشقين، لكن أياً من هذه المحاكمات لم تؤدِ إلى زجه وراء القضبان.
وفي خطاب تعيين غيب برور في منصبه الجديد، أمره المرشد الأعلى بمراقبة أي منشق محلي عن كثب ومواصلة دعم وكالات إنفاذ القانون الأخرى. وعلى نحو مماثل، في 13 كانون الأول/ديسمبر، حذّر قائد «الحرس الثوري الإسلامي» اللواء محمد علي جعفري من “اشتداد ملحوظ” في العداء تجاه قوات “الباسيج” داخل إيران وأوصى بإيجاد “حلّ إستراتيجي” للمشكلة.
وقد أعرب مسؤولون آخرون رفيعو المنصب في «الحرس الثوري الإسلامي» عن مخاوف مماثلة. ففي 6 كانون الأول/ديسمبر، أعاد العميد أمير علي حاجي زيادة التركيز على مسؤولية «الحرس الثوري الإسلامي» في حماية الثورة من أي تهديد يُحدق بها، مشيراً إلى أن المسؤولين الإيرانيين في الشؤون الاقتصادية والثقافية والسياسية “لم يصغوا إلى المرشد الأعلى”. وفي 30 تشرين الثاني/نوفمبر، قال مسؤول العلاقات العامة في «الحرس الثوري الإسلامي» العميد رمضان شريف إنه “في حين أن مجالاتنا الدفاعية حققت تقدّماً ملحوظاً، لا يزال مجتمعنا يعاني من البطالة، ومعدل الزواج المنخفض، والفقر، والتمييز، والفساد… على [«الحرس الثوري الإسلامي»] معالجة هذه المشاكل… فصبرنا على الذين يخونون نظام الحكم الإسلامي بلغ مداه الأقصى”.
وتشير مثل هذه التعليقات إلى احتمال توسيع دور «الحرس الثوري الإسلامي» وقوات “الباسيج” في رسم ملامح مستقبل السياسات المحلية الإيرانية. وتدلّ كافة المؤشرات على أن بصمة إيران في المنطقة تتنامى أيضاً.
دور “الباسيج” في الخارج
كانت قوات “الباسيج” في الأصل وليدة أفكار آية الله روح الله الخميني الذي تصوّر تعبئة الحشود الإيرانية المظلومة في جيش يبلغ قوامه 20 مليون عنصر. وعندما لم تتحقق هذه الرؤية تماماً، تحوّلت تدريجياً إلى فيلق دولي من الشبان الشيعة المتدينين الذين تمّ تجنيدهم من خلال شبكة موسعة من الحوزات العلمية الدينية والجامعات، بهدف إنشاء “حضارة إسلامية جديدة” (على غرار مفهوم الجهاد السنّي القائم على إعادة الخلافة، ولكن مع تركيز أقل على الأراضي). غير أن طهران لم تباشر تطبيق نموذج “الباسيج” في الخارج على نطاق واسع سوى منذ فترة ليست ببعيدة نسبياً، بدءاً في العراق وسوريا. فعلى سبيل المثال، تشمل «وحدات الحشد الشعبي» العاملة حالياً في العراق عدداً من الميليشيات شكّلتها «قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» بغرض القتال إلى جانب حلفاء إيران في سوريا (أي جيش بشار الأسد، و«حزب الله»، وألوية أفغانية وباكستانية متعددة).
وكانت خلفية الجنرال نقدي مناسبة تماماً للترويج لتكتيكات “الباسيج” في هذه الدول. فبصفته ضابط استخبارات ضمن «الحرس الثوري الإسلامي» في ثمانينيات القرن الماضي، ساعد على تأسيس مقر “وحدة قوات الحرب غير النظامية” التي شنّت حملات مسلحة في شمال شرق العراق وتحوّلت لاحقاً إلى «قوة القدس». كما قاد منشقين عراقيين وأسرى حرب سابقين ضمن «فيلق بدر» (الذي أصبح يُعرف الآن بـ «منظمة بدر»)، وساعد الجنرال همداني على تنظيم النسخة السورية من قوات “الباسيج” شبه العسكرية (علماً بأنه في تشرين الأول/أكتوبر 2015، قُتل همداني في حادث طريق في حلب بينما كان يشرف على تشكيل هذه القوات).
من جانبه، تسلّم غيب برور سابقاً قيادة قوات «كتيبة فجر» و«كتيبة كربلاء» الخاصة بالمحافظات والتابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» – وهي وحدات تمثّلت بشكل كبير في مجموعات «قوة القدس» التي تمّ إرسالها إلى العراق وسوريا. وعلى نطاق أوسع، أوضحت تصريحاته الأخيرة في وسائل الإعلام أنه سيواصل العمل نحو تحقيق فكرة الخميني بتشكيل جيش إسلامي دولي.
توسيع الأنشطة في سوريا
يميل القادة والضباط العسكريون في إيران إلى اعتبار سوريا العنصر الأجنبي الأكثر أهمية للعمق الإستراتيجي لبلادهم، بل أهم حتى من لبنان أو العراق أو اليمن. ولهذا السبب أنشأ الجنرال همداني “قوات الدفاع الوطني” السورية، وهي الكتائب غير النظامية الموالية للأسد التي زُعم أنها أنقذت دمشق من السقوط في أيدي المتمردين في صيف عام 2012. كما يُقال إنه أرسى أسس النسخة السورية من فرع شرطة “قوات إنفاذ القانون” الإيرانية، وأكملها بوحدات خاصة لمكافحة الشغب والأمن الإلكتروني. ويَعتبر أن افتقار نظام الأسد إلى مثل هذه الوحدات المتخصصة ساهم في خروج الثورة عن السيطرة. واليوم، لا تزال “قوات إنفاذ القانون” السورية على ما يبدو في مراحلها التأسيسية الأولى، حيث أن التقدّم المحرز أبطأ مما كان متوقعاً.
وفي ظل توسيع «الحرس الثوري الإسلامي» أنشطته في سوريا، فهو يعزّز في الوقت نفسه دور “الباسيج” في البلاد – ربما من أجل دعم عناصر الفيلق المرهقة أو تلبية الطلب المتزايد من الشباب الإيرانيين المتدينين الذين يتوقون للانضمام إلى القتال. ويدير «الحرس الثوري الإسلامي» حالياً مهمتين منفصلتين في سوريا: الأولى برنامج للمشورة والمساعدة تديره «قوة القدس» ويضمّ أفراداً محترفين من «الحرس الثوري الإسلامي» وبعض عناصر الجيش المحلي (“ارتش”) بتعاون وثيق مع «حزب الله»؛ أما الثانية فتشمل وحدات قتالية صغيرة تحت إشراف مشترك من قبل مقر “الإمام الحسين” التابع لقوات “الباسيج” و«قوة القدس».
ومنذ العام الماضي، نشطت قوات “الباسيج” على نحو أكبر في تجنيد متطوعين إيرانيين من الشباب للقتال في سوريا في إطار مبادرة “المدافعون عن الحرم” التي تدّعي أنها ممولة عموماً من مساهمات خاصة. وبعد تنظيمهم ضمن ما يسمى “كتائب الفاتحين”، يخضع هؤلاء المتطوعون لتدريب قبل وضعهم على لائحة انتظار لإرسالهم إلى سوريا على متن طائرات عسكرية أو رحلات تجارية. ولدى وصولهم إلى سوريا، يعملون إلى جانب “لواء الفاطميون” الأفغاني و”لواء الزينبيون” الباكستاني، المنضويين تحت سلطة «قوة القدس». ووفقاً لقائد “كتائب الفاتحين” مهدي هداوند، تكبّد هؤلاء المتطوعون الخسائر الأكبر في الأرواح في خان طومان في 6 أيار/مايو 2016، حين تعرضت وحداتهم لكمين وخسروا اثني عشر رجلاً.
يشار إلى أن ساحات القتال في سوريا تمنح القوات العسكرية وشبه العسكرية الإيرانية فرصةً لتحسين مهاراتها القتالية والتنظيمية في ظل ظروف صعبة على نحو استثنائي. كما أن تدخّل هذه القوات هناك يساعد طهران على تأجيج نيران الحماسة الثورية في أوساط الشباب المتديّنين في الوطن. وتحت حكم غيب برور، ستواصل قوات “الباسيج” من دون شك استخدام عمليات الانتشار من هذا القبيل كوسيلة لتحديد الجيل القادم من قادة «الحرس الثوري الإسلامي» وتدريبه، وترويج المفهوم الإيراني للقوات الشعبية شبه العسكرية في أرجاء العالم الإسلامي، فضلاً عن توسيع جبهة “المقاومة” التي يمكن أن تصبّ أنظارها على دول أخرى في المنطقة.
وفي ظل استمرار الحرب السورية، لا يقتصر الدور الذي تلعبه إيران على إرسال قوات النخبة في مهام استشارية وداعمة فحسب، بل تُرسل أفراداً من “الباسيج”، أقلّ تدريباً لكن أكثر تحفيزاً، لتنفيذ مهمات قتالية غير محدودة. ونظراً إلى أن المعركة الرئيسية ستنتقل على ما يبدو من حلب (إلى محافظة إدلب على الأرجح)، يمكن توقُّع ازدياد عدد الشباب الإيرانيين في صفوف “الباسيج” الذين يقاتلون في سوريا خلال الأشهر المقبلة – وكذلك ارتفاع عدد الضحايا في صفوفهم.
معهد واشنطن