تعيش “القضية الفلسطينية” هذه الايام حالة يمكن وصفها بأنها اقرب الى “البيات الشتوي” فلم يعد اي احد يعيرها الاهتمام، فالسلطة الفلسطينية في رام الله غائبة كليا عن دائرة الفعل، اما حركة “حماس″ التي تسيطر على قطاع غزة فتتوالى عليها الضربات من كل ناحية، وآخرها اصدار حكم قضائي مصري موحى به من قبل السلطة، بوضع الجناح العسكري “كتائب القسام” على لائحة المنظمات الارهابية.
وربما تدافع السلطة عن نفسها بالقول ان حالة الجمود الراهنة تعود بالدرجة الاولى الى انشغال الاسرائيليين بالحملات الانتخابية البرلمانية، وانها تلقت نصائح من الولايات المتحدة الامريكية ودول اوروبية بالالتزام بالهدوء في هذه الفترة ريثما ينتخب الاسرائيليون “كنيست” جديدة وبالتالي حكومة جديدة.
تبريرات السلطة هذه التي تتردد على السنة بعض المسؤولين فيها في مجالسهم الخاصة تبدو غير مقبولة في نظر الكثير من الفلسطينيين الذين لم يعودوا يثقون فيها ليس بسبب الصراعات المتفاقمة داخلها، وانما لايمانهم انها سلطة افلست وباتت اسيرة المساعدات الخارجية الامريكية، وان رئيسها محمود عباس يشتري الوقت، ولا يريد ان يقدم على اي خطوة يمكن ان تهدده شخصيا.
واذا كانت السلطة في رام الله ما زالت تتلقى المساعدات المالية وتصرف رواتب لموظفيها، فإن وضع “غريمتها” في قطاع غزة، اي حركة “حماس″ يبدو اسوأ بكثير لان الخناق يشتد على حوالي مليوني فلسطيني تحت سلطتها، في ظل استمرار الحصار، واغلاق معبر رفح شبه الدائم، وتعطل عملية اعادة الاعمار.
فمن الواضح ان التعاون الاوثق هذه الايام بين السلطات المصرية ونظيرتها الاسرائيلية هو تجويع ابناء قطاع غزة وتحويل حياتهم الى جحيم، ومنع كل الاحتياجات الضرورية عنهم، ودفعهم الى التطرف والعودة الى اطلاق الصواريخ، فكل الاتفاقات التي جرى التوصل اليها اثناء العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة (حزيران/ يونيو الماضي) لم تطبق على الارض، والاكثر من ذلك ان هناك مئة الف اسرة تعيش في العراء على انقاض منازلها، بينما قلصت وكالة غوث اللاجئين خدماتها بسبب نقص حاد في ميزانيتها.
هذا الوضع المأساوي سيستمر طالما لا يوجد اي تحرك عربي او دولي لانهائه في اسرع وقت ممكن، ومن المؤلم بالنسبة لاهل القطاع انه لا يوجد اي مؤشر على قرب هذا التحرك، ولذلك فإننا على اعتاب حدوث “انتفاضة” قد تقود الى مواجهة جديدة مع قوات الاحتلال الاسرائيلي وربما السلطات المصرية نفسها.
السيد سامي ابو زهري المتحدث باسم “حماس″ قال في مسيرة جماهيرية قرب الحدود المصرية الفلسطينية في مدينة رفح “ان استمرار الحصار على قطاع غزة قد يدفع “حماس″ الى اعمال قد توصف بالمجنونة”، واضاف “ان حماس لن ترضخ للحصار وانها وجناحها المسلح كتائب عز الدين القسام سيكون من حقها كسر الحصار”.
لم يوضح السيد او زهري طبيعة هذه الاعمال المجنونة، ولكننا، وبالقياس الى حالات مماثلة وقعت في الماضي يمكن التكهن بها على الشكل التالي:
- اولا: كسر الحدود المصرية الفلسطينية، والدفع بمئات الآلاف من الفلسطينيين الجائعين الى الطرف الآخر حتى لو ادى الى ارتكاب السلطات المصرية “مجزرة” في حق هؤلاء العزل المسالمين.
- ثانيا: الخروج الى عرض البحر بالآلاف باتجاه قبرص لفرض ممر بحري بقوة الامر الواقع حتى لو اقدمت اسرائيل على “مجزرة” اخرى على شكل مجزرة سفن “مرمرة” التركية في محاولتها لمنع هذه السفن.
- ثالثا: العودة الى اطلاق الصواريخ على المستوطنات الاسرائيلية شمال قطاع غزة، وربما على تل ابيب نفسها، على غرار ما حدث في المرحلة التي سبقت، وادت، الى العدوان الاسرائيلي الاخير.
نرجح جميع الاحتمالات مجتمعة او منفردة، لان حركة “حماس″ ومعها الغالبية العظمى من ابناء القطاع، لا يمكن ان يستمروا في العيش في ظل الحصار المزري، المصري والاسرائيلي، الذي يعيشون في ظله حاليا.
ولعل اقدام المجاهد محمد ضيف رئيس الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب القسام) على تعزية السيد حسن نصر الله في استشهاد ستة من عناصر حزب الله في غارة اسرائيلية، وتأكيد الاخير على التلاحم والتنسيق في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي خطوة تنطوي على الكثير من المعاني، وتحدد ملامح المستقبل.
اسرائيل تعيش حالة من الرعب انتظارا لانتقام “حزب الله” لان الهجوم علي قافلة اسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة، ومقتل اثنين من جنودها ليس كافيا، حسب ادبيات الحزب وتصريحات قيادته، ولعل اشعال كتائب القسام فتيل صواريخها مجددا هو احد اذرع هذا الانتقام، وبما يؤدي الى التهاب جبهتي الشمال والجنوب.
الرئيس صدام حسين قال “ان قطع الارزاق من قطع الاعناق” عندما اشتد عليه الحصاران العربي والامريكي، وانخفضت اسعار النفط الى اقل من سبعة دولارات للبرميل، ولا بد ان “كتائب القسام” وصلت الى هذه القناعة وبدأت تعد العدة لمفاجآت جديدة قد تزلزل المنطقة.
راي اليوم