حينما عمل الرئيس أوباما على تقييم الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إبان توليه منصبه، قرّر بأن المشكلة تكمن في المستوطنات الإسرائيلية فأصر على تجميد أعمال البناء بشكل كامل. وما أعقب ذلك هو ثماني سنوات من الجمود، وتدهور علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل والفلسطينيين على حد سواء، وخيبة أمل كبيرة حول حل الدولتين.
ولكن على الرغم من هذا الإنجاز، يترك الرئيس أوباما منصبه من النقطة التي بدأ منها: فخلافاً لدور واشنطن التقليدي كالمدافع عن إسرائيل في الأمم المتحدة، رفضت الولايات المتحدة استخدام حقها في النقض وسمحت باعتماد قرار في مجلس الأمن يدين المستوطنات الإسرائيلية.
أما الرئيس المنتخب دونالد ترامب فقد حث من جهته الولايات المتحدة على استخدام حق النقض ضد القرار. والحجة التي استعملها ترامب لم تكن ببساطة أنه يجدر بأوباما إفساح المجال لآراء خليفته أو أن القرار معادٍ لإسرائيل، بل أن هذا الإجراء من شأنه إعاقة السلام الفلسطيني – الإسرائيلي عوضاً عن دعمه – وقد كان على حق.
أولاً، لا يفرّق هذا القرار بين بناء ما يعرف بالكتل – أي المستوطنات القائمة غربي الجدار الأمني الإسرائيلي حيث يعيش نحو 80 في المائة من المستوطنين – وأعمال البناء شرقي الحاجز. فالبناء في الكتل الكبرى غير مثير للجدل إلى حد ما في إسرائيل، ونادراً ما يكون موضوع الاحتجاجات الفلسطينية.
وفي هذا الصدد، كان الرئيس جورج دبليو بوش قد سعى إلى تحريك محادثات السلام قدماً في عام 2004 عبر التأكيد على أمرٍ سبق لجميع الأطراف أن أقرت به ضمناً، وهو عدم العودة إلى حدود عام 1967 نظراً لوجود الكتل الاستيطانية، ولأن هذا الواقع يجب أن يتجسّد في أي حدود يتم التفاوض حولها. ومن خلال رفض أوباما تأكيد موقف بوش، أرجع عملية السلام إلى الوراء وأعاد فتح جدالات قديمة ومؤذية.
وفي الواقع أن هذا التراجع مرسّخ في قرار مجلس الأمن الذي “يؤكد على عدم الاعتراف بأي تغييرات” تطرأ على خطوط الهدنة ويطالب بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية في كافة المناطق. لكن هذا الأمر غير ضروري وغير واقعي – فإسرائيل لن توقف الحياة في البلدات التي لا أحد يجادل بأنها ستحتفظ بها – بل من المرجح أن يعيق إحياء محادثات السلام بدلاً من أن يسهّلها.
ثانياً، القرار يكافئ أولئك الذين يدْعون إلى “تدويل” الصراع – أي استخدام المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة أو الإتحاد الأوروبي أو “المحكمة الجنائية الدولية” لفرض شروط على إسرائيل، بدلاً من اللجوء إلى المفاوضات.
وفي الواقع، يُملي القرار شروطاً على إسرائيل، ولا يُدين النشاط الاستيطاني فحسب. فهو يتبنى، كما ذُكر أعلاه، الموقف القائل أن خطوط عام 1967، بدلاً من وقائع اليوم، يجب أن تشكل أساس المحادثات – على الرغم من أن العديد من المجتمعات الإسرائيلية المقيمة شرق هذه الخطوط تعود إلى عقودٍ من الزمن وأن اليهود كان لهم وجود شبه مستمر في الضفة الغربية منذ آلاف السنين.
ويُصدر [القرار] حكماً مسبقاً حول مصير القدس الشرقية – التي هي إحدى أكثر القضايا المثيرة للجدل التي تُفرّق بين الطرفين – عن طريق وصف البناء الإسرائيلي كنشاط استيطاني، وهو موقف يرفضه الإسرائيليون. ويطالب القرار بوقف كامل لأعمال البناء في القدس الشرقية، وحتى في الحي اليهودي في البلدة القديمة، وهو أمْر من المستحيل أبداً أن توافق أي حكومة إسرائيلية على وقفه.
ومع ذلك، يصمت القرار بوضوح عن المخاوف الإسرائيلية. فليست هناك دعوة للدول الأخرى إلى الاعتراف بوجود إسرائيل – ناهيك عن مركزها كدولة يهودية – وانهاء الصراع ضدها. وحول [ثقافة] التحريض والإرهاب، يُحقق القرار توازن كاذب من خلال دعوة “كلا الطرفين” على الامتناع عنها، على الرغم من أن إسرائيل تحاكم مواطنيها الذين يلجأون إلى الإرهاب في حين أن السلطة الفلسطينية تحتفي بهم وتُمجّدهم.
ومن المفارقات، أن هذه اللغة قد تضر بالفلسطينيين المنطقيين، على الرغم من أنها قد تٌفضل الجانب الفلسطيني من وجهة النظر الإسرائيلية. وبما أن القرار، كونه لا يرتبط بأي مبادرة أو فرصة دبلوماسية محتملة، لن ينجح في إدخال تحسينات على الأرض إلّا أنه سوف يزيد من تقويض دور مفهوم الدبلوماسية والتسوية ذاته، كمساران يوصلان إلى السلام ويضعف أولئك الذين يدافعون عنه.
وفي النهاية، فإن الدعم الأمريكى للقرار يضفي الشرعية والتشجيع على تركيز الأمم المتحدة غير المتكافئ والأحادي الجانب على إسرائيل. فلطالما انتقدت الولايات المتحدة هذا التحيز الذي يكاد يكون منافياً للمنطق: على سبيل المثال، كانت إسرائيل الدولة الوحيدة التي انتُقدت من قبل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بوضع المرأة، على الرغم من كونها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتمتع فيها المرأة بحقوق متساوية.
ولم تؤدي عقوداً من هذا التمييز إلى تلطيف صورة إسرائيل أمام منتقديها، كما أن هذا القرار لن يلطّفها هو الآخر. وبدلاً من ذلك، سوف يعزز عدم الثقة الذي يشعر به الإسرائيليون تجاه الأمم المتحدة، وبالتالي سيضعف قدرة مجلس الأمن على المساهمة في عملية السلام التي يدّعي أنه يدعمها.
ولم يكن فرض الفيتو الأمريكي على هذا القرار بمثابة تأييد للمستوطنات، بل كان يمكن أن يكون تأكيداً على أن هذه قضية يمكن أن تُعالج بفعالية خلال المفاوضات. إن الطريقة الأفضل لتشجيع هذه المفاوضات هي ليس الحُكم المسبق على نتائجها أو تحديد جداول زمنية لها، بل خلق الظروف الإقليمية المناسبة لها من خلال مواجهة المفسدين مثل إيران وتنظيم «الدولة الإسلامية» اللذان يعارضان التعايش السلمي، فضلاً عن الظروف المحلية المناسبة لها من خلال تنشيط البرامج التي تهدف إلى بناء الثقة من خلال التعاون الاقتصادي والأمني.
إن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق من خلال التصويت في الأمم المتحدة، بل يتطلب تجدد الدور القيادي للولايات المتحدة في المنطقة وإعادة بناء علاقات قائمة على الثقة مع جميع شركاء واشنطن هناك. وهذه هي النقطة التي يجدر بالإدارة الأمريكية المقبلة الإنطلاق منها.
إليوت أبرامز و مايكل سينغ
معهد واشنطن