أعلنت لجنة الطاقة في مجلس محافظة واسط العراقية توقف إمدادات الكهرباء الإيرانية المجهزة للعراق البالغة 1250 ميجاوات، منذ مطلع العام 2017 ، بسبب الديون «المتراكمة»، موضحة أن وزارة الكهرباء دعت المواطنين كافة إلى ترشيد الاستهلاك ورفع التجاوزات تلافياً لزيادة ساعات القطع. وقالت رئيسة اللجنة، أمل العكيلي، إن «وزارة الطاقة الإيرانية أوقفت إمدادات الكهرباء المجهزة للعراق عبر الخطوط الأربعة، خرمشهر- بصرة، كرخه – عمارة، ميرساد – ديالى، وسربيل زهاب – خانقين»، مشيرة إلى أن «الخطوط الأربعة باتت خارج الخدمة تماماً، بسبب الديون المتراكمة على الحكومة العراقية لوزارة الطاقة الإيرانية.» وجاءت الخطوة الإيرانية بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار رغم قيام وزارة الكهرباء العراقية قبل شهرين بسداد مبلغ يقدر بـ100 مليون دولار من أصل ديون مستحقة.
وقد أكد مصعب المدرس، المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية ذلك التوقف بالقول: “إيران أوقفت 3 خطوط للضغط الفائق وخطين للضغط العالي بطاقة 1200 ميغاوات؛ وذلك بسبب تراكم الديون البالغة نحو مليار دولار أميركي”. ويذكر أن النظام الإيراني أوقف بشكل جزئي، في تموز/يوليو من العام الماضي، إمداد العراق بالطاقة الكهربائية عبر خطي “خرمشهر – البصرة”، و”كرخة – العمار”، اللذين تصل طاقة إمدادهما إلى 800 ميغاوات، وأعيد تشغيلهما لاحقاً بعد سداد الديون. حيث تعاني غالبية المحافظات العراقية من زيادة في ساعات قطع التيار الكهربائي.
ويذكر أيضاً أن العراق يعاني نقصاً في الطاقة الكهربائية منذ بداية سنة 1990، وازدادت ساعات تقنين التيار الكهربائي بعد العام 2003، في بغداد والمحافظات، بسبب قدم الكثير من المحطات إضافة إلى عمليات التخريب التي تعرضت لها المنشآت خلال السنوات الماضية، حيث ازدادت ساعات انقطاع الكهرباء عن المواطنين إلى نحو عشرين ساعة في اليوم الواحد. وأصبحت مسألة الكهرباء في العراق مادة للفساد المالي، كغيرها من الخدمات الأساسية الأخرى، ما دفع الحكومات المتعاقبة منذ 2003 إلى أن ترجئ التفكير فيها إلى أمد غير منظور. وبعد أن صارت الحكومات المتعاقبة واثقة من عجزها عن توفير الكهرباء ذاتيا لجأت إلى توقيع اتفاقية مع الحكومة الإيرانية لاستيراد الجزء الأكبر من حاجة العراق من الكهرباء، ما جعل البلاد تحت رحمة الإيرانيين.
يثير السلوك الإيراني هذا، حالة من الاستغراب لاسيما لدى المتابعون لسياق “التقدم” في العلاقات الإيرانية العراقية في مرحلة ما بعد عام 2003م، فمن أجل مليار دولار أمريكي أوقف النظام الإيراني إمدادات العراق الكهربائية، وتناسى تماما كل ما قدمه له العراق من أشكال الدعم المادي في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، لتخفيف من أعباء العقوبات الاقتصادية التي فرضت على النظام الإيراني على خلفية برنامجه النووي.
ولم يقتصر الدعم عند هذا المستوى لذلك النظام، بل اتخذ أشكالاً عديدة إذ أصبح العراق في عهد نوري المالكي الداعم الرئيس لحكم بشار الأسد في قمع شعبه وتقديم الدعمى المادي له كما أصبح العراق ممراً برياً وجويا للمليشيات الشيعية الايرانية لكي تقاتل إلى جانب حليف النظام الإيراني في سوريا. فإذا سلمنا بأن العراق دولة حليفة للنظام الإيراني وليس دولة تسير في قطب النفوذ الإيراني، فالمنطق السليم يقول على النظام الايراني أن يقف إلى جانب حليفه ولاسيما وأنه يمر بأزمة اقتصادية خانقة ولكن ما حدث العكس إذ الحليف الإيراني يزيد من أوجاع الحليف العراقي. فبنسبة للنظام الإيراني المصالح شيء والعقيدة والطائفة شيء آخر، على عكس ما سعى المسؤولون العراقيون إلى اللعب عليه، حين أوهموا جمهورهم بأنه مهتمة بخلاص العراق عن طريق تطوير الخدمات فيه.
و مع هذا القطع، اعتبر المحللون السياسيون أن النظام الايراني يتعامل مع العراق، في ظل حكم الأحزاب الشيعية الحليفة، كدولة تابعة لها، وليس كبلد مستقل، لافتين إلى أن تلك الأحزاب لا تتحرك إلا وفق ضوابطه ومصالحه. وإن اتفاقية شراء الكهرباء من النظام الإيراني يمكن النظر إليها من جهة سياسية باعتبارها جزءا من مشروع الأحزاب الدينية الحاكمة في العراق لخدمة الاقتصاد الإيراني من خلال تزويده بالعملة الصعبة وبطريقة دائمة، ناهيك عن وضع جزء حيوي من الخدمات الأساسية في قبضة المؤسسة الإيرانية التي هي على عكس ما يتوهم الكثيرون تضع مصلحة بلادها الاقتصادية فوق كل اعتبار بما في ذلك الاعتبارات الطائفية.
أليس العراق نتيجة ظروفه الاقتصادية والأمنية والسياسية والعسكرية الراهنة يعد من إحدى الدول المستضعفة التي يتوجب على النظام الإيراني الوقوف إلى جانبه كونه أولاً دولة جارة له ثانياً دولة إسلامية ومن نفس المذهب الديني أليس حري بالنظام الايراني الوقوف إلى جانبه، لكن قطع النظام الايراني لامدادات النفط عن العراق يؤكد بما لا يقطع مجالاً للشك أن الخطاب “الإسلامي” الذي يتمسك به ما هو إلا شعارات لا قيمة لها عندما تصطدم بمصالحه العليا فبحسب تلك المصالح ترى وجه النظام الايراني الثوري ووجه الدولتي. فالعامل المذهبي ضئيل جداً في علاقات النظام الايراني مع الدول وحتى وان كانت تتبع نفس المذهب، وعلاقتها المتوترة مع أذربيجان دليل على ذلك، بيد أن عامل المذهب يبرز بشكل واضح في روابطه مع الجماعات غير الدولتية كحزب الله في لبنان والأحزاب والمليشيات الشيعية في العراق والحوثيون في اليمن.
لم تشفع كل مواقف العراق للنظام الايراني في مرحلة العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليه، ومن هذه المواقف إن أصبح البنك المركزي العراقي في عهد نوري المالكي تابعاً للبنك المركزي الايراني للتخفيف من وطأة تلك العقوبات، ولم يشفع أيضاً وجود المليشيات العراقية الحليفة للنظام الإيراني للقتال إلى جانب بشار الأسد، فهو بقطعه الإمدادات الكهربائية عن المحافظات الجنوبية في العراق يقطعها بالأصل على أهالي المليشيات في تلك المحافظات فهم يقاتلون في سوريا للدفاع عن مشروعه التوسعي في المشرق العربي، بينما النظام الايراني يزيد من أوجاع ذويهم في جنوبي العراق بشكل خاص خلاصة القول، من أخلاق الإسلام الذي يتخذه النظام الايراني المرجعية الأساسية لنظامه السياسي تفريج الكربات عن المسلمين فالعراق اليوم لا يطلب من ذلك النظام أن يفتح خزائنه له وإنما على الأقل أن يُقدر تلك المواقف السابقة للعراق وأن يُصبر بعض الشيء على الدين العراقي لا نقول يلغيه كما تفعل بعض الدول تجاه بعضها البعض من باب تقدير المواقف.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية