أدت معركة استعادة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية إلى عقبات وخيمة على الجانب الإنساني نتجت عنها مأساة أهاليها ومعاناتهم من الحرب التي تحولت إلى أعتاب منازلهم ونقص الاحتياجات الضرورية للعيش رغم مناشدة الأممية بضرورة التعامل بجدية مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
وفضل محمد، المسنّ الذي فرّ من المعارك في غرب مدينة الموصل البقاء داخل مدينته، فلجأ إلى منزل مهجور في حي استعادته القوات العراقية من تنظيم الدولة الإسلامية لأنه يعتبر أن مخيمات اللاجئين “مثل السجون”.
ويقول محمد الذي اسودت أسنانه من كثرة تدخين السجائر “لا أعرف شيئا عن هذا المنزل. ذهب أصحابه إلى بغداد، هم أيضا تهجروا. سكان الحي قالوا لي إنه بإمكاني السكن في المنزل فقررت البقاء”.
ويرفض محمد رفضا باتا الانتقال إلى مخيم للاجئين ويقول “إنه مثل السجن لا يسمحون لك بالخروج”.
وتفقد محمد بسرعة منزله الجديد المكون من ثلاث غرف وفيه سجادة معلقة على الحائط وطقم كامل للشاي. وقال محمد الذي يقيم في المنزل مع إحدى زوجتيه وأحد أبنائه وزوجته الحامل “هناك مولد كهرباء لكن المياه مقطوعة”.
واستعادت القوات العراقية مؤخرا من تنظيم الدولة الإسلامية حي الانتصار الذي اختار محمد أن يقيم فيه مؤقتا، لكن خط الجبهة يقع على بعد كيلومتر منه.
ويسمع من مكان إقامته باستمرار إطلاق النار من أسلحة أوتوماتيكية يعقبه قصف تنفذه المروحيات وهدير المدرعات التي تعبر الشوارع.
وعسكريا تبدو خطط شن المعارك صعبة في هذه الحرب الدائرة بين الجهاديين والقوات العراقية غير أن جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية لم يعدوا يسيطرون إلا على ثلث أحياء شرق الموصل، في المقابل مازالت غرب هذه المدينة الكبرى شمال البلاد وآخر أهم معاقلهم في العراق تحت سيطرتهم الكاملة.
يصعب تحديد عدد من يهيمون تائهين في شوارع الموصل بحثا عن مسكن مهجور يقيمون فيه بشكل مؤقت
وتضم الموصل أكثر من 200 ألف مبنى مصممة وفق طريقة تسمح للقناصة والانتحاريين في تنظيم الدولة الإسلامية بمهاجمة القوات العراقية ومباغتتها.
وتسللت الحرب إلى أهالي المدينة ومساكنهم حيث بات اليوم المدنيون الذين عاشوا تحت حكم المتطرفين لأكثر من عامين ونصف العام شهودا على نزاع يدور على أعتاب منازلهم.
وقدرت الأمم المتحدة فرار أكثر من 125 ألف شخص من منازلهم منذ بدء الهجوم لاستعادة ثاني مدن العراق في 17 أكتوبر الماضي وعاد إليها حوالي 14 ألف مواطن.
ويصعب تحديد عدد من يهيمون تائهين في شوارع الموصل ينقلون على عربة ممتلكاتهم الضئيلة، بحثا عن مسكن مهجور يقيمون فيه بشكل مؤقت.
وحل أبوأحمد مع زوجته وأولاده الثلاثة ضيفا لدى أصدقاء “عهدوا” إليه بمقر سكنهاهم، لكنه أبدى قلقا خصوصا على ابنه أحمد البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف السنة.
ويقول أبوأحمد بحزن “هناك قنابل وغارات جوية، فلا يعرف اليوم لغة غير لغة الحرب ولا يفترض أن يتعلم طفل هذه اللغة”.
ورغم ما تحمله المنازل في حي الانتصار من آثار محدودة للمعارك يقول الكولونيل، جون دوريان، المتحدث باسم التحالف الدولي المناهض للجهاديين الذي يساند القوات العراقية، إن ذلك يدل على أن التحالف يقوم “بعمل ممتاز” لحماية المدنيين.
ويوضح ذلك كدليل على الصعوبة الكبرى في التقدم ميدانيا في مدينة لا يزال عدد كبير من المدنيين يقيمون فيها، خصوصا وأنه بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، استخدم الجهاديون، لدى انسحابهم إلى الأحياء الغربية، المدنيين “دروعا بشرية”.
وأمام مشاعر الخوف من المعارك، تعاطف السكان مع جيرانهم حتى أن أم دنيا تعاطفت مع غرباء، فقد استقبلت هذه السيدة التي أنجبت سبع بنات، في منزلها خمس أسر فرت من المعارك شرق حي الانتصار.
وقالت “الحمد لله استقبلتها في منزلي ولم أكن أعرفها”، واستمر هذا التعايش من 10 إلى 22 يوما.
ولازمت أم دنيا وبناتها والأسر المؤلفة من 20 شخصا المنزل إلى أن انسحب الجهاديون واستعادت القوات العراقية السيطرة على الحي. وقالت “طرق الجهاديون بابي لأنهم كانوا يصرون على الانتشار بين المدنيين إلى أن ملوا ذلك”.
وأضافت “كنا نحتفظ بمياه الاغتسال في حوض. هكذا لم تكن المياه تخرج إلى الشارع وإلا لأدرك (الجهاديون) أن هناك أشخاصا في المنزل”.
صحيفة العرب اللندنية