نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية، تقريرا سلطت من خلاله الضوء على المرجع الشيعي المقيم بمدينة النجف العراقية، علي السيستاني، الذي يراه بعض المراقبين أحد مشجعي تدخل المليشيات الإيرانية في العراق، في حين يراه آخرون حاجزا أمام الزحف الإيراني في البلاد.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته “عربي21“، إن “خلافة الرمز الشيعي البالغ من العمر 86 سنة، والوصي على السياسة العراقية، والذي يعد بمثابة الحصن ضد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وضد الكراهية الطائفية؛ يمكن أن تولد حالة من الفراغ في هذه البلاد التي تعيش حالة من الحرب منذ سنوات”.
وأضافت أن آية الله علي السيستاني “يتميز بدرجة عالية من التواضع والقوة. علاوة على ذلك؛ فإنه لا يوجد للسيستاني أي نظير في العراق، أو في جميع أنحاء العالم الشيعي، إذ يمتد صيته من إيران إلى لبنان، وصولا إلى أفغانستان والهند، وحتى جنوب شرق آسيا” على حد تعبير الصحيفة.
وذكرت أن الحكومات المتعاقبة على بغداد “تنحني إجلالا لخطابات الرجل قليل الكلام، الذي لطالما انتقد فساد وانحلال وعجز النظام العراقي”، مشيرة إلى أن السيستاني لم يولِ في أحد خطاباته الدينية بالنجف طلبات إيران اهتماما كبيرا، “ويعتبرها بمثابة جار شيعي، وقوة استعمارية في العراق”.
وأشارت الصحيفة إلى أن السيستاني لا يظهر كثيرا في وسائل الإعلام، ويرفض القيام بجميع اللقاءات الصحفية، ولا يخرج من مكتبه إلا في حالات نادرة، “وفي المقابل؛ تتولى أسرته مهمة مدّه بالأخبار حول ما يحصل في العالم، حيث إنه يحرص على متابعة هذه الأخبار عن كثب”.
وبينت أن “شهرة السيستاني انطلقت منذ نيسان/ أبريل 2003، على إثر الغزو الأمريكي الذي أنهى حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حيث عاد السيستاني حينها من منفاه في مدينة قم الإيرانية”.
وقالت إن السيستاني “لم ينشر أي عمل، أو يلق أية خطابات سياسية”، مضيفة أنه “على الرغم من أنه ينشط في الخفاء؛ إلا أنه حظي بمتابعة رجال الدين الشيعة، وتحديدا مراجع التقليد المتكونة من حوالي 50 عالما شرعيا؛ مهمتهم استنباط الأحكام الشرعية من القرآن”.
وفي هذا الصدد؛ نقلت الصحيفة عن طالب الدكتوراه في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بباريس، روبن بومونت، قوله إن “السيستاني وحده مجلس دستوري قائم بذاته”.
وأضافت “لوموند” أنه على الرغم من أن الرجل يعتبر أن النظام في العراق “فاسد”، إلا أنه بحسب الباحثة صابرينا ميرفين “يعلم جيدا أن النجف لا يمكن أن تشكل لوحدها مركزا شيعيا، فهي بحاجة إلى جلّ العراق”، وبالتالي فإن “الحاجة إلى العراق تعني الحاجة إلى السنة”.
وذكرت الصحيفة أنه في أعقاب السنوات الأولى من مرحلة ما بعد صدام، وعلى إثر محاولة بعض المتطرفين إشعال النار في أحد معالم المسيحيين عام 2006؛ لم يتردد السيستاني في توجيه نداء تحذير للعراقيين قال فيه: “لا تقعوا في فخ الانتقام والحرب الأهلية”.
وأوضحت أنه في صيف 2014، عندما استولى تنظيم الدولة على الموصل وبغداد؛ خرج السيستاني مرة أخرى عن صمته، داعيا العراقيين إلى حمل السلاح، والانضمام إلى المليشيات التي تقف إلى صف حكومة بغداد، بهدف محاربة هذا التنظيم، “ونتيجة لذلك، وبفضل شعبيته وقدرته على حشد العديد من الأصوات؛ استطاع السيستاني تكوين جيش في غضون 48 ساعة فقط”.
وقالت الصحيفة إنه “نظرا لمكانته المرموقة في صفوف الشعب العراقي؛ خرجت مظاهرات شعبية للتنديد بالفساد السائد في حكومة العبادي. وفي هذا السياق؛ لم يتوان رجل الدين عن مساندة المتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد، الذين خرجوا للمطالبة بإصلاحات جذرية في صلب الدولة، وذلك من خلال خطاباته التي يلقيها المتحدثون الرسميون باسمه خلال صلاة الجمعة”.
وأشارت الصحيفة إلى أن هناك العديد من التساؤلات حول مدى قدرة خليفة السيستاني المفترض على التأثير في المليشيات والقوى الحليفة له في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العراق، مشيرة إلى أن إيران أبدت اهتمامها بمسألة من سيكون خليفة السيستاني في العراق، التي تديرها في الوقت الراهن حكومة شيعية.
ولفتت إلى أن مصادر إيرانية أكدت زيارة وكيل إيران في العراق، الجنرال قاسم سليماني، لمقر السيستاني، إلا أن الصحيفة استدركت بالقول: “في المقابل؛ لا يخفى على أحد حقيقة التجاذب والقطيعة بين رجال الدين في كل من النجف وإيران، وذلك ليس بالأمر الجديد، خاصة وأن حيثيات الخلاف بين الطرفين تعود إلى عام 1960”.
وفي الختام؛ قالت “لوموند” إن آية الله السيستاني “لا يثق” في إيران، وكثيرا ما انتقد بحدة “العقلية الاستعمارية” الإيرانية، وممارستها للأرستقراطية التي يروج لها رجال الدين الإيرانيون.
وطفة هادفي
عربي 21