قبل عشرة أيام من شن الهجوم على النادي الليلي في إسطنبول عشية رأس السنة الجديدة، والذي ادعى “داعش” المسؤولية عنه الآن، نشر التنظيم الإرهابي شريط فيديو مرعب على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يظهر مقاتلين تابعون له وهم يقومون بإحراق جنديين تركيين وهما على قيد الحياة -وأرفقته بتحذير من أعمال عنف أسوأ ستقع لاحقاً.
وأعلن مقاتل تركي من “داعش”، يدعو نفسه أبو حسن في شريط الحريق أن تركيا “أصبحت أرض الجهاد”. وحث المتعاطفين مع المجموعة في تركيا على “حرقها ونسفها وتدميرها”.
ويحتمل كثيراً أن يكون ذلك قد شكل إشارة على المضي قدماً بالهجوم الذي وقع في وقت مبكر من فجر يوم الأحد قبل الماضي، والذي أسفر عن مقتل 39 شخصا وجرح 65 آخرين على الأقل.
وقالت المجموعة في رسالة بثتها على الإنترنت في وقت مبكر من يوم الاثنين في الأسبوع الماضي: “هاجم جندي بطل من الخلافة واحداً من أشهر النوادي الليلية، حيث يحتفل المسيحيون بعيدهم الوثني، وأحال احتفالهم إلى أتراح”.
ومضت الرسالة التي تعتبر مثالاً نادراً لإعلان “داعش” مسؤوليته عن هجوم في تركيا، لتدين التدخل التركي في شمالي سورية؛ حيث تحاصر القوات التركية والثوار السوريون الآن بلدة الباب التي يسيطر عليها “داعش”. وقالت الرسالة: “يجب على الحكومة التركية أن تعرف أن دماء المسلمين الذين تستهدفهم بطائراتها وأسلحتها سوف تشغل حريقاً في وطنها إن شاء الله”.
وردت الحكومة التركية، التي شنت حملة شديدة على تغطية أخبار الهجوم، بتحدي “داعش”، متعهدة بالاستمرار في عمليتها عبر الحدود.
وقال نعمان كيرتولموس، نائب رئيس الوزراء، بعد اجتماع لكبار مسؤولي الأمن في تركيا: “أولئك الذين لا يستطيعون استيعاب نجاحنا على الأرض هم الذين يقومون بهذا العمل الإرهابي”. ومضى إلى ذكر بلدة جرابلس الحدودية التي كانت القوات التركية قد دخلتها في آب (أغسطس) الماضي وبلدة الباب التي تأمل في أن تستولي عليها قريباً، وبلدة منبج حيث تنوي تركيا طرد المليشيات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة والتي تسيطر عليها منذ آب (أغسطس) الماضي.
لكن كيرتولموس قرن التعهد بالاستمرار في هجوم تركيا البري على “داعش” بهجوم غامض على قوى قال أنها تدعم المجموعات الإرهابية. لكنه لم يسم أي بلد. وقال: “لو أن أولئك الذين يقفون وراء التنظيمات الإرهابية امتنعوا عن دعمها لأسبوع على الأقل، لانهارت كلها”.
وكان يشير بذلك إلى “داعش” الذي تحرك منذ منتصف العام 2013 بحرية في سورية، وسيطر على قطاعات كاملة من البلد من دون معارضة من جانب الحكومة السورية. كما أشار إلى حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر فرعه السوري مصطفاً مع الحكومة السورية المدعومة من جانب إيران، ويتعاون راهناً مع الولايات المتحدة في قتال “داعش”. ويقوم حزب العمال الكردستاني بانتفاضة مسلحة في جنوبي تركيا، كما تبنى هجمات إرهابية شنت في أمكنة أخرى من البلد من خلال تنظيم تابع له.
ولم يكشف كيرتولموس سوى عن النزر اليسير من المعلومات عن الهجوم في حد ذاته مع ذلك، وهو هجوم خطط له جيداً ونفذه رجل واحد ذكر في المنافذ الإعلامية التركية أنه يتحدر من قيرغزستان في آسيا الوسطى. وكان الرجل المسلح قد وصل إلى النادي الليلي واستل سلاحه نصف الأتوماتيكي من حقيبة كانت موضوعة في صندوق السيارة، ثم اقترب من النادي الذي يقع في الجانب الأوروبي من مضيق البوسفور الذي يفصل بين أوروبا وآسيا.
وبعد أن قتل شرطياً وأحد الحراس الشخصيين في الخارج، دخل إلى النادي لسبعة دقائق وأطلق النار على زبائن كانوا قريبين من المدخل، وعلى الطابق الثاني وعاد إلى الطابق الأرضي لمتابعة إطلاق النار. وقالت الشرطة إنه استخدم ستة مخازن و180 عيارا ناريا ضد زبائن النادي الليلي. ثم بدل ملابسه وهرب من مسرح الحدث واستوقف سيارة “تاكسي” ونزل منها في ضاحية كوروسيم المجاورة، مدعياً أنه يمتلك نقوداً.
أن يستطيع المهاجم التنفيذ والهرب بعد شن هذا الهجوم في مدينة وضعت عشرات الآلاف من قوات الشرطة في حالة تأهب، هو أمر حير العديد من الأتراك، وأضاف إلى الإحساس بالأزمة في بلد يخوض حرباً على جبهات عدة، والذي استعد بالكاد عافيته بعد محاولة انقلابية وجه اللوم بالوقوف خلفها إلى حليف سابق للرئيس رجب طيب أردوغان، والذي ما يزال يحقق في أعمال عنف أخرى مثل اغتيال السفير الروسي لدى تركيا بيد رجل شرطة خارج الخدمة يوم 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وما تزال تركيا في حالة طوارئ منذ تموز (يوليو) الماضي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، ومن الممكن تمديدها الآن، وفقا لما قاله المسؤولون الحكوميون.
كان أحد أسباب زيادة التوتر هو فرض نظام على وسائل الإعلام التركية لعدم التحدث عن أي تفاصيل تتعلق بالهجوم على النادي الليلي، مع تهديدات ضد أي شخص يرسل منشوراً على وسائل التواصل الاحتماعي يفترض أنه يكشف عن دعم للعمليات الإرهابية.
وحذر رئيس الوزراء التركي، بينالي يلدريم، من “عواقب” ستلحق بأولئك الذين ينتهكون النظام. وقال على حسابه الرسمي في تويتر: “يجب العلم بأن الممارسات التي تمتدح الإرهاب تعد جرائم تستدعي إجراءات عقابية”.
كما حذر وزير العدل، بكر بوزداغ، من أن “ترويج الدعاية للإرهاب وللتنظيمات الإرهابية يشكل جريمة”.
وتواجه التهديد أيضاً وسائل الأخبار الأجنبية التي تغطي تركيا. وقد تم اعتقال ديون نيسنباوم، وهو مراسل لصحيفة “وول ستريت جورنال”، واحتجازه لفترة يوم ونصف اليوم في سجن انفرادي بعد أن أرسل رابطاً لصور تظهر حرق “داعش” للجنديين التركيين وهما على قيد الحياة. ولم يستجب مكتب أردوغان ولا وزارة الخارجية التركية لطلبات بالتعليق على الاعتقال والمعاملة التي عومل بها مراسل الشرق الأوسط المخضرم.
كما التزمت الصمت أيضاً الحكومة الأميركية التي لم تصدر أي تصريح عن الاعتقال الذي يعد تطوراً استثنائياً في تركيا.
على الرغم من أن تركيا تقاتل “داعش” بهمة وفعالية اليوم، فإن ذلك لم يكن واقع الحال دائماً. فقد سيطر “داعش” على بلدتين حدوديتين رئيسيتين على الحدود التركية في بداية العام 2014، جرابلس، التي استولت عليها تركيا قبل أربعة شهور، وتل الأبيض، التي استولت عليها وحدات حماية الشعب الكردية، التابع السوري لحزب العمال الكردستاني، بمساعدة قوة جوية أميركية في حزيران (يونيو) من العام 2015.
ولكن في الفترة التي كان “داعش” يحكم سيطرته، كان ناشطوه غالباً ما يعبرون الحدود بين تركيا وسورية. وكانت حياة بومدين، زوجة المسلح الذي قتل أربعة أشخاص في باريس في سوق مركزي يهودي في نفس الأسبوع الذي وقع فيه الهجوم على الصحيفة الفرنسية الساخرة “شارل إيبدو” في كانون الثاني (يناير) 2015، قد هربت من خلال البلدة الحدودية التركية، أكاكالي، إلى تل الأبيض عندما كانت خاضعة لسيطرة “داعش”.
كانت هناك هجمات إرهابية متكررة نسبت إلى “داعش”، وكان أكثرها بروزاً هو الهجوم الذي شن على مطار أتاتورك في اسطنبول يوم 28 حزيران (يونيو)، والذي أفضى إلى مقتل 41 شخصاً. وقد لخص مشكلة تركيا اليوم مراد يتكن، كاتب العمود في صحيفة “حريت” التي تعتبر واحدة من بضعة صحف مستقلة، لا أكثر ولا أقل. فعندما شددت تركيا من سياستها تجاه “داعش”، كتب يوم الاثنين في الأسبوع الماضي: “ربما تكون المجموعات العسكرية الناشطة في مسرح سورية بصدد عرض رد فعلها عبر إيقاظ العملاء النائمين الذين كانت قد جندتهم في تركيا سابقاً، عندما كانت تستطيع التحرك بطريقة أكثر حرية في داخل البلد”.
روي غاتمان
صحيفة الغد