ضمن مساعي الحكومة العراقية للانفتاح على دول الطوق المحيطة بالعراق، جاءت زيارة رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي والوفد المرافق له وإجراء اجتماعات أسفرت عن اتفاقيات اقتصادية وأمنية مهمة منها العمل على تسريع مد أنبوب النفط العراقي عبر الأردن الذي يعد مشروعا استراتيجيا للطرفين والعمل للاسراع في فتح المعبر الحدودي بعد تأمين الطريق الاستراتيجي بعد تحرير المنطقة الغربية من سيطرة تنظيم «الدولة». اضافة إلى اتفاق على اعفاء البضائع الأردنية من الرسوم الجمركية واستمرار بيع النفط للأردن بأسعار مخفضة. وهو القرار الذي اثيرت حوله ضجة انتقادات واسعة من قبل حلفاء العبادي من كتلة القانون التي يرأسها نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، الذي يبحث عن أي ثغرة لمواصلة انتقاد سياسة حكومة العبادي واظهارها بمظهر الحكومة العاجزة عن إدارة البلاد.
ومع عودة البرلمان في فصله التشريعي الجديد، يبدو انه سيكون فصلا ساخنا سواء بعدد القوانين المثيرة للجدل والخلافات بين الكتل البرلمانية التي سيناقشها، أو تعيين وزراء للوزارات الشاغرة وخاصة الدفاع والداخلية، أو بقائمة الاستجوابات التي تضم عددا من الوزراء والمسؤولين المتهمين بالفساد أو التقصير في إدارة وزاراتهم، والتي تعكس صراعا سياسيا بين الكتل السياسية واستمرارا في سياسة التسقيط السياسي أكثر من كونه حرصا على اصلاح أوضاع الحكومة العراقية.
وفي خضم هذه الأجواء في البرلمان، جاء طرح مشروع زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لإصلاح العملية الانتخابية، ليشكل خطوة عدها الكثير من المراقبين، محاولة لانقاذ العملية الانتخابية والسياسية من عزوف الشعب عنها بعد ان يأس من امكانية تحقيق الاصلاح الحقيقي للأوضاع المتهاوية ومكافحة حيتان الفساد الذين أثبتوا قدرة فائقة على المراوغة والتلاعب للتمسك بمواقعهم وامتيازاتهم حتى ولو كانت على حساب خراب البلد.
ولعل عملية فض اعتصام أهالي مدينة الصدر في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية رغم انه جاء للاحتجاج على تردي الأمن واستمرار التفجيرات في العديد من المناطق وللمطالبة بتغيير القيادات الأمنية وتعيين وزيرين للداخلية والدفاع الشاغرة منذ أشهر، وسط استغراب أهالي بغداد للطريقة القاسية التي استخدمتها القوات الأمنية في تفريق المعتصمين حتى بدون اجراء لقاءات معهم للاستماع إلى مطالبهم أو اعطاء وعود بتنفيذها مستقبلا، ما يعطي انطباعا بعدم رغبة القيادات السياسية والأمنية في إجراء تغييرات جدية في استراتيجيتهم لحماية أمن العاصمة وأهلها.
قرب حسم المعركة
وفي معمعة معركة الموصل ونجاح القوات العراقية في تحرير المزيد من الأحياء في الجانب الأيسر والاقتراب من ضفة دجلة لأول مرة منذ سيطرة التنظيم على المدينة، رغم المحاولات المستميتة من عناصر التنظيم للدفاع عن مواقعهم، يبدو ان مسألة حسم معركة الجانب الأيسر من المدينة سيكون قريبا، لتبدأ بعدها المعركة الأصعب في اختراق الجانب الأيمن من الموصل الذي تتمركز فيه قيادات التنظيم الباقية وعناصره الذين يتوقع ان تكون معركة شوارع قاسية من بيت إلى بيت في أزقة المدينة القديمة، لأن لا خيار أمام التنظيم سوى الاستسلام أو القتال حتى الموت. وفي وسط قرقعة السلاح، تتزايد المخاوف على مصير سكان الموصل المحاصرين بين نيران الحرب، حيث أطلقت الأمم المتحدة تحذيرات من مصير مجهول يحيط بـ 750 ألف مدني محاصر داخل الموصل، داعية الحكومة العراقية والقوات المسلحة إلى بذل المزيد من الجهود لضمان عدم تعرضهم للضرر جراء المعارك الدائرة في المدينة، وسط مؤشرات عن تشجيع الحكومة لأهالي بعض الأحياء التي تدور فيها المعارك، على النزوح إلى مخيمات النازحين وخاصة بعد بيانات أكدت تصاعد الاصابات بين المدنيين جراء تبادل اطلاق النيران بين الأطراف المتحاربة ولجوء التنظيم إلى القصف العشوائي على المناطق المحررة.
وأعلنت المصادر الحكومية ان أكثر من 170 ألف مدني نزحوا من الموصل منذ بداية معركة تحريرها، وصل أغلبهم إلى مخيمات النازحين وتشرد آخرون في العراء وسط برودة الجو القاسية ونقص الاحتياجات ليشكل مأساة إنسانية يأمل الجميع ان تنتهي بأسرع وقت ممكن. وشهد إقليم كردستان هذا الاسبوع، استمرار محاولات رأب الصدع والخلافات بين الأحزاب السياسية لإيجاد مقتربات لحل أزمات الإقليم المزمنة، حيث عقد في أربيل اجتماع بين قيادات الحزبين الأكبر، الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة خلفاء جلال الطالباني، حيث تم الاتفاق على 6 نقاط حول تقوية العلاقة بين الطرفين ومحاولة حل الأزمة المالية في الإقليم وتفعيل برلمانه المعطل وتشكيل لجنة للتفاوض مع بغداد حول حدود الإقليم ومستقبله عبر الاستفتاء.
وليس واضحا مدى امكانية تطبيق الاتفاق الجديد، حيث سبق وان عقدت عدة اجتماعات لم تسفر عن تغييرات على أرض الواقع، ولكونه يأتي بمعزل عن مشاركة باقي الأحزاب الفاعلة في الإقليم، إضافة إلى عمومية القرارات، خاصة ان الاجتماع جاء بالتزامن مع حادثة منع الأجهزة الأمنية الكردية، لنائبين من حركة التغيير من الدخول إلى مدينة أربيل، ما فاقم الأزمة العميقة الموجودة بين التغيير والحزب الديمقراطي.
ولا يبدو ثمة تغييرات متوقعة في مقبل الأيام على المشهد السياسي العراقي سواء في تحالفات وعلاقات الأحزاب السياسية فيما بينها أو في التوصل إلى حلول للأزمات المستديمة في البلد، في خضم استمرار معارك القوات العراقية لتحرير المناطق الباقية تحت سيطرة تنظيم «الدولة».
مصطفى العبيدي
صحيفة القدس العربي