تعد معركة الموصل الأكثر تعقيدا منذ الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، فرغم التقدم الذي تحرزه القوات العراقية بالمدينة، حيث نجحت في تحرير الجزء الجنوب الشرقي منها، فإن هناك الكثير من الصعوبات التي تواجه هذه القوات.
ولا تقتصر هذه الصعوبات على مسألة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية وإخراجه من آخر معاقله في العراق، لا بل تتعداها إلى الحسابات الأميركية والإيرانية المتضاربة، حيث يتسابق الطرفان إلى وضع يده على الحدود السورية العراقية.
وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي السبت، إن من يقاتل في الموصل هم أبناؤه وليست هناك قوات أجنبية على الأرض.
وأوضح العبادي “هناك خلط كبير بشأن دور القوات الأجنبية في المعارك ضد داعش، ونحن نؤكد عدم وجود قوات من دول الجوار تقاتل معنا ضده، فيما هناك قوات أميركية وأسترالية ومن دول عديدة ضمن التحالف الدولي مهمتها التدريب والدعم الجوي، أما من يقاتل على الأرض فهم العراقيون”.
كلام العبادي فيه جانب كبير من الصحة، فمن يقاتل على الجبهات الأمامية اليوم هم عراقيون ولكن جانب منهم يقاتل لحساب أجندات معينة. فقوات “الحشد الشعبي” على سبيل المثال تحاول السيطرة على الحدود العراقية-السورية عبر الآلاف من المقاتلين المدعومين من إيران، كما أن الولايات المتحدة بدأت التحرك نحو هذه الحدود أيضا وهي تشجع العشائر السنية على إطلاق عملية عسكرية لهذا الغرض، فلهذه الحدود أهمية جيوسياسية.
والمعركة على الحدود ليست عسكرية فحسب وإنما سياسية أيضا، فالتحرك على حدود دولية يتطلب تنسيقا بين العراق وسوريا أولا، ومن ثم تنسيقا مع الولايات المتحدة وإيران ثانيا، إذ تسعى إيران لإيجاد طريق بري بينها وبين حليفتها سوريا منذ سنوات، بينما تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على منع حصول ذلك بأيّ ثمن.
وعندما انطلقت الحملة العسكرية لاستعادة مدينة الموصل من المتطرفين في 17 أكتوبر الماضي، أصرّت الفصائل الشيعية العراقية القريبة من إيران على المشاركة في القتال برغم التحفظات المحلية والدولية على ذلك، وتمكنت هذه الفصائل من فرض إرادتها، ولكنها ابتعدت عن الموصل وتوجهت إلى منطقة أهم استراتيجيا وهي بلدة تلعفر القريبة من الحدود مع سوريا.
وفي نوفمبر الماضي قال رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال مؤتمر صحافي إن “الحدود العراقية-السورية تحتاج إلى إجراءات أمنية لمنع عودة المتطرفين إلى العراق بعد طردهم من الموصل”، وأرسل العبادي وفدا إلى سوريا برئاسة مستشار الأمن الوطني فالح الفياض لمناقشة ذلك مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وبعدها أعلن عدد من قادة الفصائل الشيعية استعدادهم لانتشار مقاتليهم على الحدود مع سوريا، وقدموا طلبا إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي لمنحهم هذه المهمة، ولكن العبادي لم يوافق على هذا الطلب حتى الآن.
منظمة “بدر” بزعامة هادي العامري التي تمتلك فصيلا مسلحا قويا ولها تمثيل سياسي في الحكومة والبرلمان طالبت بأن تقوم قوات “الحشد الشعبي” بحماية الحدود مع سوريا.
ويقول النائب عن “بدر” في البرلمان رزاق الحيدري لموقع “نقاش” إن “حماية الحدود مهمة لقطع إمدادات داعش، والحشد الشعبي يستطيع مساعدة القوات الأمنية في تحقيق ذلك لأن قواته مدربة جيدا على قتال المتطرفين”.
من جانبه أعلن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المعروف بعلاقته الوثيقة مع “الحشد الشعبي” خلال زيارته إلى طهران الأسبوع الماضي أن “بإمكان الحشد الشعبي عبور الحدود والتوجه إلى سوريا لمساعدة إخواننا في القضاء على هذا التنظيم”.
هذه التصريحات، تثير قلق الولايات المتحدة التي سارعت إلى وضع خطط عسكرية لتنفيذ عملية عسكرية على الحدود العراقية-السورية في محافظة الأنبار، لمواجهة خطة إيران بدفع قوات “الحشد الشعبي” نحو الحدود العراقية-السورية عبر محافظة نينوى.
ويبلغ طول الحدود العراقية-السورية أكثر من (600 كيلومتر) تمتد من محافظة الأنبار غرب العراق وصولا إلى محافظة نينوى شمالا، وهي حدود صحراوية وعرة تضم ثلاثة معابر حدودية فقط، معبر الوليد ويسيطر عليه الجيش العراقي، ومعبر القائم ويسيطر عليه داعش، ومعبر ربيعة وتسيطر عليه قوات البيشمركة الكردية.
وكان داعش قد أعلن في أغسطس 2014 عن “ولاية الفرات” ضمن عملية “كسر الحدود” ملغيا حدود سايكس بيكو التي رسمت الحدود العراقية السورية قبل 100 سنة، ودمر المتطرفون في حينها السواتر الترابية الحدودية بين الدولتين لتصبح منذ ذلك الحين طريقا استراتيجيا يتم خلالها نقلل الأسلحة والمقاتلين بسهولة. والخميس الماضي أعلن مقاتلو العشائر في الأنبار إطلاق عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على ثلاث مدن ما زالت تحت سيطرة المتطرفين وهي عانة وراوة والقائم التي تمثل معقلا مهما لقادة داعش، والغريب أن الحكومة العراقية لم تعلن عن هذه العملية ولم تصدر بيانات يومية عن سير المعارك هناك.
ولكن مقاتلي العشائر في الأنبار قالوا إن العملية العسكرية جرت بالتنسيق مع الحكومة وبتشجيع من القوات الأميركية الموجودة في قاعدة “عين الأسد” ذات الموقع الاستراتيجي القريب من الحدود.
عمر المحلاوي وهو أحد مقاتلي العشائر في بلدة حديثة التي انطلقت منها العملية العسكرية نحو الحدود، يقول لـ”نقاش” إن “قوة مشتركة من العشائر بلغ عددها أكثر من ألفي مقاتل وقوات أخرى من الفرقة السابعة التابعة إلى الجيش شنت هجوما مفاجئا على بلدة عانة ضمن خطة سرية لم يعلن عنها لمنع المتطرفين من الاستعداد لها”. وأكد المحلاوي أن “العملية العسكرية جرت بالتنسيق مع ضباط كبار من الجيش الأميركي تم الإعداد لها في قاعدة عين الأسد”.
وفي الأسابيع الماضية كانت الغارات الجوية للتحالف الدولي محدودة على مناطق غرب الأنبار الواقعة على الحدود مع سوريا، ولكن منذ أيام ازدادت الغارات الجوية بشكل كثيف وساهمت بتقدم أفواج العشائر نحو بلدة عانة أولى البلدات الواقعة على الطريق المؤدي إلى الحدود مع سوريا، كما يقول المحلاوي.
الصراع على الحدود العراقية -السورية بين الولايات المتحدة وإيران ما زال في بدايته، والحديث عن الحدود بين نينوى وسوريا مرتبط بانتهاء المعارك في الموصل أما المعركة من أجل الحدود في الأنبار ما زالت في بدايتها وستكون أشد صعوبة خلال الأسابيع القليلة المقبلة خصوصا عندما تقترب المعركة من “القائم” تلك المدينة التي تمثل عاصمة سرية لقادة تنظيم داعش، ولم تتعرض لأيّ عملية عسكرية برية منذ عامين. اختار داعش مدينة القائم لتكون المقر السري لقادته، وفيها يوجد أكبر مصانعه للعبوات الناسفة، ويتم استقبال المتطوعين في صفوفه من جميع أنحاء العالم هناك، وتحوي أهم معسكرات التدريب، وفي هذه المدينة يعقد قادة داعش في العراق وسوريا اجتماعات دورية لمناقشة أوضاع دولتهم، كما يقول ضابط كبير في قوات الجيش غرب الأنبار.
ويقول هذا الضابط لـ “نقاش” إن “المعركة لتحرير بلدتي عانة وراوة تبدو سهلة، ولكن المشكلة الحقيقية ستكون في القائم، ونتوقع أن يدافع المتطرفون عنها بشراسة بنفس الطريقة التي يقومون بها الآن في الموصل”.
التنافس بين إيران والولايات المتحدة على الحدود العراقية-السورية سيكون شديدا بعد معركة الموصل، وسيستخدم كل طرف حلفاءه المحليين في هذا التنافس، تستخدم إيران حلفاءها من الفصائل الشيعية، بينما تستخدم الولايات المتحدة حلفاءها من مقاتلي العشائر السنية، ولكن الشيء المؤكد أن حماية هذه الحدود هو مفتاح انتصار العراقيين على تنظيم داعش.
صحيفة العرب اللندنية