قبل أيام معدودات من تسلمه مهام منصبه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، يعيد دونالد ترمب إثارة الجدل حوله، لكن هذه المرة عن علاقته بالإعلام الأميركي التي يبدو أنها ستمر بمرحلة غير مسبوقة من الصدام خلال عهده، وهو ما قرأه مراقبون من مؤتمره الصحفي الأول بعد انتخابه.
فخلال المؤتمر الذي عقده الأربعاء الماضي، اشتبك ترمب مع وسائل الإعلام، فوصف في البداية موقع “بازفيد” بأنه عبارة عن “كومة من القمامة”، ثم أسكت مراسل شبكة “سي أن أن” جيم أكوستا، ورفض الإجابة عن سؤاله، واصفا أخبار الشبكة بأنها “مزيفة”.
وجاء هجوم ترمب على “بازفيد” بعدما نشر الموقع وثائق من 35 صفحة زعم أن الاستخبارات الأميركية قدمتها لكل من الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما ولترمب، وتضمنت مزاعم بشأن امتلاك روسيا لمعلومات ومقاطع فيديو “غير أخلاقية” للرئيس المنتخب، وهو ما اعتبره ترمب “ملفقا”.
أما شبكة “سي أن أن” فكانت قد نشرت قبل يوم من المؤتمر الصحفي تقريرا عن الموضوع نفسه، لكنها لم تنشر أيا من تفاصيل الوثائق التي نشرها “بازفيد”.
علاقة متوترة
سلوك ترمب خلال المؤتمر الصحفي كشف عن رؤية مختلفة وغير معتادة من رئيس أميركي للإعلام في بلاده، لكنها لم تكن مستبعدة في ظل العلاقة المتوترة بينهما حتى قبل إعلان فوز ترمب بالسباق الرئاسي.
فخلال الحملة الانتخابية لم يكن خافيا أن معظم وسائل الإعلام الأميركي تقف ضد ترمب بقوة، حيث أعلنت تأييدها صراحة لمنافسته هيلاري كلينتون، بل إن كبريات الصحف والقنوات التليفزيونية الأميركية شنت ضده حملات بنشر تقارير عديدة عن فضائحه الجنسية وتلاعبه بالضرائب وغيرها، وهو ما واجهه ترمب وقتها باتهام الإعلام الذي وصفه بـ”الفاسد” بأنه يحاول تزوير الانتخابات لصالح كلينتون.
والمراقب لسير الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية سيلاحظ أن ترمب لم يحظ بشعبية لدى الصحف، فمن بين الصحف المئة الأوسع انتشارا، لم يحظ المرشح الجمهوري سوى بتأييد اثنتين، وبينما أيدت أكثر من مئتي صحيفة كلينتون، حصل ترمب على دعم أقل من عشرين صحيفة، جاء دعمها في الغالب “فاترا” بحسب متابعين.
لذلك، فإن فوز ترمب مثَّل ضربة قاسية لوسائل الإعلام التي ظلت تحذر من توليه هذا المنصب، بل إن بعض المحللين اعتبروا فوزه “إهانة” لآلاف الصحفيين، و”فشلا” للصحافة التي أخفقت في حملتها لتحذير الرأي العام، وهو أمر شكل سابقة تاريخية في علاقة الإعلام بالحياة السياسية في الولايات المتحدة.
ولم تقتصر إثارة ترمب لهذا الجدل على وسائل الإعلام التقليدية، بل إنه تعداها إلى مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما “تويتر” الذي يستخدمه ترمب بشكل متزايد، ويعتبره وسيلته المفضلة لإطلاق تصريحاته التي وُصف بعضها بالعنصرية، كما استخدمه لإطلاق تهديدات، إضافة إلى أن عدد من تغريداته تضمنت إهانات للنساء والمسلمين والمهاجرين المكسيكيين، ما جعل بعض رواد هذه المواقع يتوقعون إغلاق حسابه في حال خرقه للقواعد التي تمنع إطلاق تهديدات، أو نشر خطاب الكراهية والعنصرية.
وبالفعل أعلنت الشركة المالكة لموقع تويتر أنها بصدد إغلاق حساب ترمب إذا تخطى أي قاعدة للموقع، مؤكدة أن “الموقع لا يفرق بين مستخدميه حتى لو كان أحدهم رئيسا”.
قلة احترام
هذا النهج الذي يسلكه ترمب في علاقته بوسائل الإعلام ترى فيه الخبيرة السياسية الألمانية دانييلا شفارتزر “قلة احترام”، معتبرة في حوار لها مع “دويتشه فيلله” أنه “رغم تكراره مرارا أنه يحترم الصحافة، ويتشبث بحرية الإعلام، ولكن حينما ننظر إلى سلوكه فإن كلامه يعتبر امتدادا لتعليقاته المنحطة”.
لكن الصحفي في “نيويورك تايمز” جيم روتنبرغ أكد أن ما حدث بالمؤتمر الصحفي الأخير يحتم على الإعلام الأميركي الإسراع في إيجاد إستراتيجية جديدة من أجل تغطية أخبار ترمب.
وكتب روتنبرغ في مقال له بالصحيفة يوم الخميس الماضي قائلا “إن ترمب لا يزال يتلاعب بمهارة بالإعلاميين والمؤسسات الإعلامية”، مشيرا إلى أن هذه المؤسسات تشارك عن غير قصد في التقليل من أهميتها ونسف مصداقيتها، بسبب “فشلها حتى الآن في تعلم كيفية التعامل مع هذا الرئيس الجديد الذي لم تشهد البلاد رئيسا مثله سابقا”.
وختم روتنبرغ مقاله بالقول “على الصحفيين أن يعرفوا هذا الأمر الآن: ترمب سيبقى ترمب، لكن عليهم الآن تعلم درس مهم بأن يتقبلوا الأشياء التي لا يستطيعون تغييرها، ثم إيجاد الشجاعة لتغيير الأشياء التي يستطيعون تغييرها، بالطرق الصحيحة لا الخاطئة”.
الجزيرة