يجب أن تعترف أي محاولة لتأمل ما قد تبدو عليه عملية سلام إسرائيلية-فلسطينية قد تجري في عهد دونالد ترامب، بشيء واحد: أن عملية السلام لم تنج من فترة رئاسة باراك أوباما –على الأقل ليس بالشكل الذي كانت عليه على مدى العقدين منذ توقيع اتفاق أوسلو، الذي عملت فيه الولايات المتحدة كوسيط في المحادثات الثنائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتي هدفت إلى التفاوض على إقامة دولة فلسطينية.
كان قرار إدارة أوباما يوم 23 كانون الأول (ديسمبر) الامتناع عن نقض قرار مجلس الأمن الدولي الذي يعيد تأكيد عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة، بمثابة نهاية للاحتكار الأميركي الطويل لعملية المفاوضات، والقبول بملكية دولية أوسع لجهود التوصل إلى حل.
في حين يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنامين نتنياهو، بأنه يؤيد اتفاقاً يقوم على مبدأ الدولتين، سنت حكومته مجموعة من السياسات في الضفة الغربية المحتلة، والمصممة بكل وضوح لترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الأراضي بدلاً من إنهاء هذه السيطرة لإفساح الطريق أمام إقامة دولة فلسطينية. وقد رحب أقرب منافسيه على السلطة، زعيم حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت، بانتخاب دونالد ترامب، بإعلان أن “عصر الدولة الفلسطينية قد ولى”.
ومن جهة أخرى، يبدو أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، قد تخلى هو الآخر عن احتمال التفاوض مع حكومة إسرائيلية تبدو مصممة على منع التحرر الفلسطيني الحقيقي. وفي أعقاب انهيار جهود وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، لإحلال السلام في العامين 2013-2014، تحول عباس نحو بذل جهد أكثر جرأة لتحقيق الاعتراف من خلال الدفع بالقضية الفلسطينية في مختلف المنظمات متعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، ومنظمة اليونسكو، والمحكمة الجنائية الدولية.
كما تظل الحركة الوطنية الفلسطينية مقسمة أيضاً بين السلطة الفلسطينية التي تقودها فتح، والتي تحكم المراكز السكانية الرئيسية في الضفة الغربية (التي ما تزال أيضاً تحت السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي)، وبين حماس، التي تحكم في غزة، المنطقة التي تحاصرها إسرائيل من كل الجهات، وتحاصرها مصر من الجنوب. ويثير هذا الانقسام المتواصل تساؤلات جدية حول قدرة القيادة الفلسطينية على تقديم التزامات ذات مصداقية نيابة عن جميع الفلسطينيين، حتى لو كانت هناك مفاوضات تلوح في الأفق.
من جهته، قال ترامب في أوقات مختلفة إنه يود أن يصنع سلاماً بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ووصف ذلك بأنه سيكون “الصفقة النهائية”. وفي وقت مبكر من حملته الأولية، وعد بأنه سيكون حكَماً أكثر إنصافاً وحياداً بين الجانبين، لكنه تبنى في نهاية المطاف نهجاً أكثر تشدداً في تأييده لإسرائيل. وقال العديد من مستشاري الرئيس المنتخب -وقد سمّى دونالد ترامب أحد هؤلاء، وهو المحامي ديفيد فريدمان، سفيراً للولايات المتحدة إلى إسرائيل- أنهم لن ينظروا إلى المستوطنات الإسرائيلية -التي عادة ما ذكرها الرؤساء الأميركية باستمرار باعتبارها لا تساعد عملية السلام- على أنها غير شرعية أو ضارة. كما تم أيضاً تعديل برنامج الحزب الجمهوري بحيث تمت إزالة الدعم لقيام دولة فلسطينية، و”لرفض الفكرة الخاطئة التي تقول أن إسرائيل هي دولة محتلة”.
وهذه النقطة الأخيرة مهمة بشكل خاص، لأنها تقترح أنه ليس لدى إسرائيل التزام خاص تجاه الفلسطينيين الذين تحكمهم في حين تنكر عليهم التمتع بحقوق متساوية.
استثناء ماتيس
تشير كل الدلائل الحاضرة حتى الآن إلى أن إدارة ترامب ستتبنى نهج كف اليد، وهو ما سيمنح الحكومة الإسرائيلية في الأساس مطلق الحرية في جعل سيطرتها على الضفة الغربية دائمة، وتحويل إسرائيل إلى دولة فصل عنصري بحكم الأمر الواقع. ومن المثير للاهتمام أن واحداً من أبرز الأميركيين الذين حذروا من هذه النتيجة الحتمية هو الرجل الذي اختاره ترامب لشغل منصب وزير الدفاع، جنرال البحرية المتقاعد جيمس ماتيس، الذي قال في منتدى أسبن الأمني في العام 2013 إنه في غياب حل يقوم على مبدأ الدولتين، فإنه “إما أن تكف (إسرائيل) عن أن تكون دولة يهودية، أو أن تقولوا إن العرب ليس لهم الحق في التصويت -أي الفصل العنصري. ولم يعمل هذا بشكل حسن عند آخر مرة رأيته يُمارس فيها في أحد البلدان”.
في كلمة ألقاها أمام المجموعة الصقرية “منحة لحقيقة الشرق الأوسط”، قال مستشار الأمن القومي الذي عينه دونالد ترامب مؤخراً، الجنرال المتقاعد مايكل فلين، إنه يعتقد بأن الولايات المتحدة يجب أن تنسحب من موضوع صنع السلام جملة وتفصيلاً.
وقال فلين: “لا أعتقد أنه سيكون هناك سلام بين إسرائيل وفلسطين. أعني، هيا، كم من الناس أرهقناهم من أجل تخطي ذلك؟ إذن، دعونا نكُن صادقين في هذا الموضوع، دعونا لا نجعل اسماً كبيراً آخر يذهب إلى هناك ويدخل في الوسط بين البلدين ويحاول أن يحل هذا الأمر، بينما يخرج الناس من أحد جانبي ذلك الخط بالخناجر ويغرسون السكاكين في أجساد النساء والأطفال في إسرائيل”.
وقال كليان كونواي، مستشار ترامب، إن الرئيس المنتخب يخطط أيضاً للوفاء بوعده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهو شيء يعتقد الكثيرون من محللي الشرق الأوسط أن يمكن أن يزيد من اشتعال وضع متوتر أصلاً في القدس وفيما وراءها، والذي سيعطي دفعة لسرد المتطرفين في كل أنحاء المنطقة. وقال المحلل معين رباني في مقابلة مع معهد تفاهم الشرق الأوسط: “سوف ينزع داعش والقاعدة في المنطقة بابتهاج سدادة زجاجة شمبانيا ضرب المثال، ثم سيفتحون زجاجة أخرى إذا استجابت أنظمة المنطقة -والدول ذات الأغلبية المسلمة بشكل أوسع نطاقاً- بخنوع”.
أحد الأصوات المعارضة الممكنة في إدارة ترامب حول هذه القضايا يمكن أن يكون الجنرال ماتيس المذكور، الذي عمل في السنوات بين 2010 و2013 رئيساً للقيادة المركزية للجيش الأميركي، التي تشرف على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط. وشرح ماتيس في مقابلة في العام 2013 السبب في أنه دعم عملية السلام التي كان وزير الخارجية كيري يتابعها في ذلك الوقت.
قال ماتيس: “لقد دفعت ثمناً من الأمن العسكري في كل يوم كقائد للقيادة المركزية، لأنه يُنظر إلى الأميركيين على أنهم منحازون في دعمهم لإسرائيل، ولأن المعتدلين -كل العرب المعتدلين- يريدون أن يكونوا معنا، لكنهم لا يستطيعون الخروج علناً لدعم أناس لا يظهرون الاحترام للعرب الفلسطينيين. ولذلك، فإن (وزير الخارجية كيري) محق تماماً فيما يفعله. آمل فقط أن يريد قادة الطرفين السلام وتحقيق حل دولتين بقدر ما يريد (كيري)”. وأكد ماتيس وجهة النظر هذه في جلسة تعيينه في مجلس الشيوخ هذا الأسبوع، حين قال أن السلام الإسرائيلي-الفلسطيني “يخدم مصالحنا الحيوية”.
بالنظر إلى أن ترامب قال في خطاب حديث أن “هدفنا هو جلب الاستقرار وليس الفوضى”، فإنه ربما يتأثر، على الرغم من ميول العديد من مستشاريه المتشددة المؤيدة لإسرائيل، بوجهة نظر ماتيس في نهاية المطاف، وهي وجهة النظر التي تقاسمتها الإدارات الأميركية السابقة أيضاً، والتي يدعمها إجماع دولي قوي، حيث من شأن تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني أن يسهم في تحقيق هذا الهدف.
ماثيو دوس
صحيفة الغد