انطلقت في العاصمة العراقية، اليوم السبت، اعمال مؤتمر حوار بغداد الدولي، وعلى مدار يومين، تحت شعار(خيارات ما بعد التحرير)، الذي اقامه المعهد العراقي لحوار الفكر بالتعاون مع مجلس النواب وجامعة بغداد، بحضور رئيس جمهورية العراق فؤاد معصوم ومشاركة وفود اعلامية ونيابية من دول مختلفة بما فيها ايران ولبنان ومصر وسوريا والكويت والاردن، وتركيا، وكذلك حشد من الدبلوماسيين والاكاديميين لبحث كيفية التعاطي مع القضايا والاستفادة من التجارب لمرحلة ما بعد طرد داعش والتكفيريين من العراق.
وخلال المؤتمر أكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن الانتصارات على عصابات «داعش» تحققت بوحدة العراقيين وصمودهم والتضحيات الكبيرة لأبناء العراق، مبدياً استغرابه من التخوف من مرحلة ما بعد «داعش». وقال ” إنه عندما شرعنا بتشكيل الحكومة قبل أكثر من سنتين وضعنا في مقدمة برنامجنا الحكومي استعادة وتحرير أراضينا ومدننا، وتطهير العراق من عصابة «داعش» الإرهابية، واعتبرنا هذا الهدف من الأولويات الاستراتيجية لعمل الحكومة، وأعددنا خطة لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه، ونحن الآن أقرب إلى تحقيق هذا الهدف، وستعود جميع المدن إلى أرض الوطن قريباً جداً”.
وأضاف العبادي انه لديه سبع رؤى تشكل ملامح عراق ما بعد داعش أولها تتمثل بإعادة الاستقرار إلى المناطق المحررة وإعادة النازحين وتعويض المتضررين ضمن خطة إنسانية. وبشأن الرؤية الثانية قال العبادي انها تتمحور “باحترام الآخر والتعايش السلمي مع جميع الشركاء في الوطن المختلفين دينيا ومذهبيا وفكريا واحترام مقدساتهم وحماية الأقليات وقدسية دور العبادة لجميع الأديان والمذاهب وهذا يمثل أساسا للمصالحة المجتمعية”.
وبيّن أن «النقطة الثالثة تكون بعدم السماح بعودة الحالات والمظاهر الشاذة التي كانت سائدة في العراق في مرحلة ماقبل احتلال داعش للمدن، وهي حالة التحريض والتوتر والتخندق الطائفي والقومي البغيض على حساب المصالح العليا للبلاد، وهذا ما ساهم في تمكين داعش من اسقاط المدن والمحافظات»
وشدد على «الالتزام بالخطاب الذي يكرس روح المواطنة ويحث على الوحدة والتعاون وعدم السماح للتنظيم وأي تنظيم إرهابي واجرامي بالعودة من جديد والتغطية عليه في المدن المحررة او السماح بنمو خلايا إرهابية جديدة».
وأضاف: «فيما يخص النقطة الرابعة فهي تتمثل بأهمية اقامة علاقات حسن جوار مبنية على المصالح المشتركة مع دول الجوار والاقليم، والعمل بإرادتنا الوطنية وقرارنا العراقي المستقل وعدم رهن ارادتنا ومواقفنا بالخارج فيما يخص قضايانا ومصلحتنا الوطنية».
وأكد العبادي على «حصر السلاح بيد الدولة والغاء المظاهر المسلحة بشكل نهائي، واحترام احكام القضاء وسيادة القانون في جميع مفاصل الدولة والمجتمع تمثل النقطة الخامسة في رؤيتنا لما بعد التحرير والانتصار»
وتابع أن «النقطة السادسة تتمثل بالاستمرار بكل قوة وعزيمة وبتعاون الجميع بمحاربة الفساد بجميع اشكاله وصوره لأنه أكبر حاضنة للإرهاب والجريمة».
ولفت على ان «النقطة السابعة التي تتمثل بإبعاد مؤسسات ودوائر الدولة عن التدخلات السياسية والمحاصصة وعدم الاستئثار بمواقع المسؤولية والوظائف العامة، من اجل تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص والاعتماد على العناصر الكفوءة والمتخصصة القادرة على ادارة العمل باستقلالية ومهنية». وتعهد بـ«إعادة هيكلية المؤسسة الأمنية بعيدا عن الفساد»، مؤكدا أن «الفساد في المؤسسة العسكرية هو ابرز اسباب الانهيارات الأمنية السابقة في العراق. وشدد على «ضرورة شن حملة شعواء على الفساد في المؤسسة العسكرية لتجنب المزيد من الانهيارات الأمنية»، مشيرا إلى ان «الحكومة وضعت خطة للقضاء على الفاسدين في جميع مؤسسات الدولة».
هذه الرؤية أن سمح لها بالتنفيذ فهي قادرة على إعادة بناء العراق في كافة المجالات، العراق الذي وصل بفعل سياسات الحكومات العراقية السابقة إلى مصاف الدولة الفاشلة. ولكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق هل تواجه رؤية العبادي تحديات في تنفيذها؟ خاصة إذا علمنا أن مشروع التسوية السياسية في العراق دخل دائرة التنافس الحادّ بين أكبر التيارات السياسية الشيعية العراقية، التي دأبت على إخضاع مختلف القضايا والمواضيع لمقياس الربح والخسارة في لعبة القبض على السلطة والحصول على أكبر قدر من مغانمها. ولاسيما أن فريق نوري المالكي رئيس وزراء العراق السابق يحاولوا الاستفادة من التغيير الذي طرأ على الخريطة السياسية الشيعية بعد ظهور الحشد الشعبي وتكريس وجوده عسكريا وسياسيا بما يمهد لصعود أمراء ميليشياته إلى سدة الحكم المباشر. ويحرصوا على تقديم زعيمه كـ“صقر” من صقور التصدّي لمحاولات “إعادة إدماج الإرهابيين والبعثيين والصدّاميين في الحياة السياسية تحت عنوان المصالحة والتسوية السياسية”، وهو جزء من شعاراته التي دأب على استخدامها لاستثارة الحماس بالشارع الشيعي الذي صرفته همومه اليومية المعيشية والأمنية عن الاهتمام بمثل تلك الشعارات. فبمنطق الحسابات الضيقة لن يسمح المالكي لرؤية العبادي أن تتحقق فهناك من يرى بأنه يفكر بالانتقام من الطبقة السياسية الشيعية التي حرمته من ولايته الثالثة ولا تزال تقف عائقا في طريق عودته إلى الحكم. فهو ضد أي تغيير حقيقي منشود سواء على الصعيد الداخلي والخارجي فعلى المستوى الأول هو مع إبقاء العراق من نفقه المظلم وترسيخ السياسات الطائفية في العراق. وهذا عكس رؤية العبادي، أما على المستوى الخارجي فهو ضد أي تقارب عراقي عربي باستثناء إذا كان هذا التقارب ذات نكهة طائفية، والدليل على ذلك، ومنذ أيام قليلة شنت كتلة «القانون» التي يتزعمها نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي، هجوما عنيفا على حكومة حيدر العبادي لإصدارها قرار بإعفاء البضائع الاردنية الآتية إلى العراق من الرسوم الجمركية واستمرار بيعها النفط العراقي للأردن بأسعار مخفضة.
واعتبر النائب عن ائتلاف دولة القانون، موفق الربيعي أن «القرار باعفاء بلد مثل الاردن من الرسوم الجمركية لصادراتها إلى السوق العراقية، هو قرار خاطئ، لأن الاردن ما زال مقرا لعائلة الرئيس الاسبق صدام حسين». وأضاف، في بيان، «إعفاء الصادرات الأردنية للعراق من الجمارك، سياسة خاطئة في خضم الأزمة المالية التي يمر بها العراق، والعراقيون الذين يعانون الامرين من الكسبة وممن يعملون بعقود هم أولى بهذه الأموال، سيما وان الاردن مازالت تحصل على نفطنا باسعار مخفضة ومازالت ايضا مقراُ لعائلة صدام وازلامه والتكفيرين في تنظيمي القاعدة وتنظيم الدولة»، حسب البيان.
كذلك، انتقدت النائبة عن ائتلاف دولة «القانون»، فردوس العوادي، إعفاء الصادرات الأردنية للعراق من الجمارك، وعدته «خطأ كبير»، واصفة الاردن بأنها «أكبر مرتع لعائلة وأزلام صدام، وأكبر مصدّر «للتكفيريين». واعتبرت أن «الحكومة والشعب الأردني لم يكونوا في يوم من الأيام أصدقاء للشعب العراقي»، حسب قولها.
وقالت في بيانها، إن «اتفاق الحكومة العراقية مع نظيرتها الأردنية بإعفاء الصادرات الأردنية للعراق من الجمارك، يعد خطأ كبيرا في وقت تتداعي فيه أسعار النفط، ومحاولات العراق بالتعويض والبحث عن إيرادات أخرى تعين الخزينة العراقية».
وأشارت إلى أن «أرض الأردن تعد اكبر مرتع لعائلة وأزلام صدام، واكبر مصدّر للتكفيريين والإرهابيين للعراق».
وتساءلت، «بعد كل هذه الأسباب والمنطلقات الأردنية الاستفزازية، هل تستحق ان تمنح الامتياز من العراق وتقوم حكومته بإعفاء صادراتها من الضرائب ويباع لها النفط بأسعار مخفضة».
ودعت العوادي، إلى «عرض قضية إعفاء الأردن من الرسوم الجمركية لبضائعها على البرلمان ليكون لصوت الشعب القول الفصل فيه»، مبينة أن «بعض القرارات التي تتخذها الحكومة، تجاه بعض الدول فيها ضعف، فهذه القرارات لا تخضع إلى تقييمات سياسية دقيقة، مثل قضية إعفاء الأردن من الرسوم الجمركية، وكذلك عدم حصول العراق إلى جدول زمني لخروج القوات التركية من العراق خلال زيارة رئيس وزراء تركيا الاخيرة».
وأوضحت، أن «الذي يحدث هو أن الحكومة العراقية تتعامل بكرم كبير مقابل عطاء زهيد بل معدوم، كان الأولى والأحق به الشعب العراقي الذي تفرض عليه الضرائب بسخاء، وهذا يعطي انطباعا بان الحكومة العراقية ومؤسساتها المختصة في هذه المجاملات تتعامل بخجل شخصي كبير لإرضاء ضيوفها بشكل يتقاطع تماما مع أدبيات السياسية والمصالح المشتركة للبلدان». ويشير المتابعون للشأن العراقي إلى أن كتلة القانون تحاول أن تستغل أية مواقف لحكومة العبادي، ومنها العلاقات تجاه الدول الأخرى، لشن هجمات وانتقادات لسياستها، وذلك لإضعافها واظهارها بمظهر الحكومة التي لا تحسن ادارة البلاد.
فمنذ صعود العبادي إلى قيادة السلطة التنفيذية في العراق، لم ينفكّ سلفه نوري المالكي يمارس الضغوط عليه مستخدما نفوذه في الدولة وموقعه على رأس الأمانة العامة لحزب الدعوة وفي قيادة ائتلاف دولة القانون، كاشفا عن طموحات لاستعادة منصب رئيس الوزراء الذي يرى نفسه أجدر به من العبادي الأدنى مرتبة منه في الحزب. ويقول مطّلعون على كواليس الأحزاب الشيعية في العراق إن نوري المالكي يراهن على ضعف خلفه حيدر العبادي وعلى عدم قدرته على منافسته في المرحلة المقبلة. لذا فالعراق مقدم على انتخابات نيابية في 2018 قد تكون ذات أهمية استثنائية باعتبار أنها سترتّب أمور الحكم في البلد خلال مرحلة جديدة يؤمل أن تكون أكثر استقرارا مما سبقها.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية