لندن – يجمع الخبراء على أن الغموض وعدم اليقين، يعدان من أخطر أعداء النشاط الاقتصادي والمالي في العالم، وهو ما لوحت به تهديدات وسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأمر الذي يحرم الاقتصاد العالمي من الاطمئنان المطلوب لوضع سياسات استثمارية طويلة الأجل.
وأطلق ترامب خلال الأشهر الماضية الكثير من التهديدات، التي شملت إلغاء الكثير من الاتفاقات التجارية العالمية مثل اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) التي تضم المكسيك وكندا إلى جانب الولايات المتحدة.
كما هدد بفرض رسوم جمركية باهظة على منتجات الشركات المصنوعة خارج الولايات المتحدة، وأثار حمى شعبوية ضد سياسات هجرة الوظائف، الأمر الذي أرغم الكثير من الشركات على تعديل خططها خشية العداء الشعبي.
وعبر بوقاحة سافرة عن تأييده لتفكك الاتحاد الأوروبي، في موقف غير مسبوق في الدبلوماسية العالمية، أثار قلق البلدان الأوروبية، إضافة إلى انتقادات من داخل الولايات المتحدة.
ويأمل المراقبون أن تنحسر توجهات ترامب النزقة بعد وصوله إلى البيت الأبيض وأن يتمكن طاقم الإدارة الجديدة والمؤسسات الأميركية من ترويض تلك السياسات التي تهدد مستقبل الاقتصاد العالمي.
وقال وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله أمس إنه لا يتوقع نشوب حرب تجارية مع الولايات المتحدة رغم انتقاد ترامب لشركات صناعة السيارات الألمانية لكنه أكد أن ألمانيا ستشدد على التزام واشنطن بالاتفاقيات الدولية.
وأضاف أن على “الولايات المتحدة الالتزام بالاتفاقيات الدولية الموقعة من قبلها، لا أعتقد أن حربا تجارية كبيرة ستندلع في الغد ولكن من الطبيعي أن نشدد على الالتزام بالاتفاقيات”.
وكان ترامب قد انتقد يوم الاثنين شركات صناعة السيارات الألمانية، لعدم إنتاجها المزيد من السيارات في الولايات المتحدة وحذر من أنه سيفرض ضريبة حدودية تبلغ 35 بالمئة على السيارات المستوردة إلى السوق الأميركية.
توماس دوناهو: إذا أردنا التوظيف في أميركا فعلينا بيع سلعنا وخدماتنا في أنحاء العالم
ونصح شويبله بعدم إعطاء أهمية لتصريحات ترامب عبر موقع تويتر للتواصل الاجتماعي. وقال إنه “لا ينبغي الخلط بين طريقة ترامب في التواصل والبيانات الحكومية، لن نصدر ردود فعل عليها”.
وقال “إذا كان ترامب يريد فعلا أن يملي على الأميركيين أي ماركة سيارات يتعين عليهم شراؤها، فأتمنى له حظا سعيدا… هذا ليس تصوري عن أميركا. لا أعتقد أيضا أن ذلك تصوره كذلك”.
وشملت انتقادات ترامب الكثير من الشركات الأميركية مثل فورد وجنرال موتورز وتويوتا اليابانية، وقد أرغمت الكثير من الشركات على تعديل خططها وإلغاء بعض المشاريع في الخارج وتعزيز نشاطها داخل الولايات المتحدة.
وتراجع الدولار أمس بالتزامن مع تنصيب ترامب، متأثرا باحتمال حدوث أزمات اقتصادية تؤدي إلى تخفيف سياسة تشديد السياسة النقدية الأميركية.
ولا يعقد المستثمرون آمالا كبيرة على سياسات ترامب منذ المؤتمر الصحافي الذي عقده الأسبوع الماضي وخيب فيه آمال المراهنين على أن يبعث رسالة متفائلة بخصوص التحفيز المالي ويقدم المزيد من التفاصيل بشأن كيفية التنفيذ.
وأرسلت الصين خلال الأسابيع الماضية رسائل تحذير كثيرة لواشنطن من عواقب أي سياسات حمائية قد يعتمدها الرئيس الأميركي الجديد وأكدت على لسان الرئيس الصيني شي جين بينغ أنها ستعمل بإصرار على فتح أبواب التبادل التجاري الحر على مصراعيه.
وظهرت فجوات واسعة بين تهديدات ترامب وتصريحات الشخصيات التي اختارها لتولي المناصب الرئيسية في الإدارة الجديدة، والتي استبعدت حدوث انقلابات كبيرة في السياسات الاقتصادية الأميركية، وتناقضت بشكل كبير مع تصريحات ترامب.
وكان آخرها ما أعلنه مرشح ترامب لمنصب وزارة الخزانة ستفين منوتشين، الذي أكد لمجلس الشيوخ أنه عازم على الاستمرار في العقوبات المفروضة على روسيا حاليا، في تناقض مع إشارات ترامب بشأن التقارب مع موسكو.
وفيما يتعلق بالاقتصاد الأميركي، قال منوتشين إن أولويته في حال الموافقة على تعيينه ستكون تعزيز النمو من خلال الإصلاحات الضريبية، كما أعرب عن اعتقاده أن المغالاة في القواعد التنظيمية تبطئ من النمو، في تلميح إلى أنه قد يقلل من الضوابط المالية المفروضة على البنوك.
وبخصوص تصريحات ترامب التي قال فيها إن الشركات الأميركية لا تستطيع منافسة الشركات الصينية لأن قيمة الدولار مرتفعة بشكل مبالغ فيه، أعرب منوتشين عن اعتقاده أن ترامب لم يكن يتحدث عن سياسة طويلة المدى.
وتتعارض مواقف منوتشين بخصوص الدولار والعقوبات المفروضة على روسيا، بشكل جزئي مع مواقف ترامب، الذي أظهر بعض المهادنة في خطاب التنصيب، لكنه أكد مجددا شعار “أميركا أولا”.
وكان توماس دوناهو رئيس غرفة التجارة الأميركية، قد حذر من أنه “إذا أردنا التوظيف في أميركا فسيكون علينا بيع سلعنا وخدماتنا لنحو 95 بالمئة من الزبائن الذين لا يعيشون في الولايات المتحدة”.
ولا يقف القلق عند حدود الولايات المتحدة. فقد أظهرت دراسة سويسرية نشرت يوم الخميس، أن فترة رئاسة ترامب ستعني بدء مرحلة جديدة بالنسبة لاقتصاد العالم.
وأظهر استطلاع أجرته رويترز أن ترامب إذا التزم بتعهداته المتعلقة بسياسة الحماية التجارية فسيكون ذلك أكبر خطر يهدد نمو الاقتصاد العالمي.
وقال المحلل الاقتصادي جيم أوسوليفان “مما لا شك فيه أن المخاطر السلبية لعهد ترامب هي استمرار النبرة المعادية للتجارة الحرة”.
العرب اللندنية