تناول عرفات علي جرغون في كتابه “العلاقات الإيرانية الخليجية.. الصراع، الانفراج، التوتر”، الصادر عن دار العربي للنشر، العلاقات الإيرانية الخليجية منذ عام 2003 إلى حدود عام 2008 ولفت إلى أنه منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 اعتمدت السياسة الخارجية الإيرانية أساليب براغماتية تبعًا لمن يتولى مسؤولية الحكم في إيران حيث أن إملاءات المحافظين وخطاباتهم القائمة على التشدد هدفت أساسا إلى التوغل في المنطقة وتهديد الأمن القومي لدول الخليج العربي.
وأشار علي جرغون إلى أنه رغم تذبذب العلاقات السياسية والدبلوماسية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي من حين إلى آخر ما بين التوتر وما يشبه الانفراج وفق المتغيرات الدولية، إلا أن العلاقات الاقتصادية بين إيران ودول مجلس التعاون حافظت على تقاربها.
وتعد دول مجلس التعاون من أكبر الشركاء التجاريين لإيران ما يعزز فرضية تحسن العلاقات بين الجانبين، انطلاقًا من أن المصالح الاقتصادية تشكل دوافع أساسية لتطورها وأساسًا جيدًا لبناء الثقة، ما نتج عنه جملة من الاتفاقيات المشتركة.
ويرى الباحث أن صعود الإسلاميين عقب الثورة التي أطاحت بنظام الشاه عرقل تطور العلاقات خاصة إثر تصعيد الموقف الإيراني من مسألة الجزر الإماراتية الثلاث التي كانت حجة إيران، في أثناء سنوات الحرب العراقية-الإيرانية، بأن ما تتخذه من إجراءات وتدابير إنما هو من قبيل الإجراءات الأمنية التي تفرضها ظروف الحرب مع العراق.
وكشف أن ما قدمته إيران من وثائق مزيفة وغير مصدقة، تؤكد فيها ملكيتها للجزر، يحول دون وصول الطرفين إلى اتفاق حول هذه القضية، رغم تيقن دولة الإمارات العربية من أن جميع الوثائق والأسانيد التاريخية تثبت أحقيتها بملكية الجزر الثلاث، وهو ما يتجلى في الوثائق البريطانية.
ورغم التعنت الإيراني بشأن هذه القضية، إلا أن دولة الإمارات التي باتت نموذجا رائدا إقليميا ودوليا آمنت بالنهج السلمي لتسوية النزاعات بين الدول.
وظف آية الله الخميني الحرب العراقية-الإيرانية لبسط هيمنته وتحقيق حلمه الفارسي التوسعي بحرب استمرت ثماني سنوات، غير أن إقدام دول مجلس التعاون الخليجي على تقديم الدعم للعراق، نتج عنه توتر العلاقات بين الطرفين.
العلاقات متغيرة نتيجة رضوخ هذا التغيير للمؤثر الأيديولوجي في توجهات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول الخليج
في المقابل نجمت عن أحداث حرب الخليج الثانية، نتيجة اتباع إيران سياسة الحياد، نتائج إيجابية أهمها فتح آفاق تعاون نوعي مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي.
ومع تولي الإصلاحيين الحكم في إيران واتباعهم سياسة منفتحة على مستوى العلاقات الخارجية تتناقض مع الشق المتشدد في السلطة، تشكلت آفاق تعاون وتقارب مع جوارهم الخليجي تكللت بتوقيع العديد من الاتفاقيات الأمنية والتجارية، وبذلك يمكن القول إن الثورة الإسلامية في إيران أحدثت تغييرا في السياسة الإيرانية تجاه دول الخليج العربية.
توظيف الأيديولوجيا
يلاحظ الكاتب أن العلاقات بين الطرفين متغيرة نتيجة رضوخ هذا التغيير للمؤثر الأيديولوجي في توجهات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول الخليج، ما انعكس سلبا على مسار العلاقات الإيرانية الخليجية.
ولفت إلى المنحى البراغماتي في توجهات طهران على صعيد السياسة الخارجية من خلال السعي الإيراني المتزايد لبناء قوة عسكرية غير تقليدية عبر بناء نظام متكامل للطاقة النووية، وإنتاج عدة مئات من الأطنان من رواسب الحرب الكيميائية كل عام، وهو ما يثير قلق دول مجلس التعاون، ويقلص من مجالات التعاون بين الطرفين.
وينعكس امتلاك إيران لهذه القدرات النووية على أمن منطقة الخليج العربي والدول المجاورة واستراتيجياتها، حيث يمثل تطوير تلك القدرات وإدخال الصواريخ بعيدة المدى إلى الخدمة العامة في الترسانة العسكرية الإيرانية قفزة نوعية مهمة في القدرات العسكرية الإيرانية عمومًا، لأن امتلاك إيران لإمكانيات صنع القنبلة النووية يدعم مكانتها الإقليمية ويمنحها آليات لردع أي هجوم مباغت قد يأتي من جانب إسرائيل والولايات المتحدة على المنشآت النووية الإيرانية، إضافة إلى توظيفها تطور قدراتها النووية في دعم مواقفها من القضايا المتعلقة بأمن الخليج، ما يمثل أحد أبرز المعوقات التي تعترض تحقيق التقارب بين الجانبين.
ويقول “رغم التقارب الذي حدث بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي في أعقاب أزمة الخليج الثانية، إلا أنه مازالت هناك شكوك خليجية تجاه النوايا التوسعية الإيرانية، ومخاوف من استمرار إيران كمصدر لتهديد الأمن الخليجي، وقد زاد هذا القلق نتيجة ما أفرزته الحرب الأميركية على العراق عام 2003، من تنامي النفوذ الإيراني في هذا البلد، وفي دول مجلس التعاون، بسبب حروبها بالوكالة في سوريا والعراق واستخدام الطوائف الشيعية الموالية لها كأذرع تنفذ خططها التوسعية التخريبية”.
ويتزايد القلق الخليجي من قيام إيران باستغلال الطائفية للتعبئة والتحريض بغية تنفيذ الأجندة الإيرانية في دول المجلس بحكم موقعها في برلمانات حكومات هذه الدول، وهذا ما حدث في بعض دول المجلس؛ حيث عبرت الطوائف الشيعية عن ممارساتها الدينية، بل وطالبت بتمثيل أكبر في حكومات هذه الدول، كما ظهرت بوادر الخلاف بين الشيعة والسنة في دول المجلس؛ ففي الكويت بدأ الشيعة منذ الأسابيع الأولى من سقوط نظام صدام حسين يوزعون منشورات البعض منها معادية للسنة، وتروج لأفكار شيعية متطرفة، فضلاً عن قيام بعض الجماعات الشيعية الموالية لإيران بأعمال إرهابية تستهدف أمن واستقرار دول الخليج العربي، لإفساح الطريق أمام إيران للمشاركة في وضع ترتيبات أمنية يكون لها فيها النصيب الأكبر، وتعالج دول مجلس التعاون تحديات المرجعيات الشيعية والخلافات بين القطبين الشيعي والسني في المنطقة بحكمة وبخبرة سياسية كبيرة تعطي فيها الأولوية لحماية الأمن القومي الخليجي والعربي.
مسار العلاقات
رصد الكاتب المراحل المختلفة التي مرت بها العلاقات الإيرانية الخليجية وقسمها إلى ثلاث مراحل: ففي المرحلة الأولى التي أعقبت قيام الثورة الإسلامية في طهران عام 1979، أفرزت تغيرات كلية في السياسة الخارجية الإيرانية، تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، نتيجة الحرب العراقية-الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات 1980 – 1988، ودعم بعض دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية، الكويت) باعتبارها الطرف العربي في تلك الحرب، وتداعيات ذلك على العلاقات الإيرانية-الخليجية، بسبب الأطماع الإيرانية في تزعم العالم الإسلامي وما جسده ذلك من تهديد لمكانة السعودية التي تعد القطب السني الإسلامي الذي وضع على عاتقه مسؤولية حماية الأمن العربي والإسلامي.
وشهدت المرحلة الثانية بدايات الانفراج في العلاقات الإيرانية-الخليجية، نتيجة الموقف الذي اتخذته إيران الرافض لغزو العراق للكويت، والذي نتج عنه تطور في العلاقات الاقتصادية بين الطرفين.
ولم يحجب التعاون الاقتصادي بروز نقاط خلاف أساسية سيما بعد حرب الخليج الثانية، وأهمها قضية أمن الخليج، التي تعد محور الخلاف بين الطرفين، لاختلاف رؤية كل منهما في التعاطي مع الوجود الأجنبي والعربي في المنطقة، فدول مجلس التعاون تعتبر وجود القوات الأجنبية والعربية أمنًا لها، في حين ترى إيران أن هذا الوجود هو بمثابة تهديد حقيقي لأمنها.
وتناول الكاتب في هذه المرحلة أيضا تأثير الحرب الأميركية على العراق وتبعاتها على أمن دول مجلس التعاون الخليجي، ودورها في تعقيد المشهد الأمني الإقليمي، في ضوء اتجاه الولايات المتحدة إلى تكريس وجودها العسكري في المنطقة، بالإضافة إلى الفوضى التي أحدثتها هذه الحرب على مختلف الأصعدة، والاستراتيجية الأميركية في العراق التي أتاحت بدورها وجودًا إسرائيليًا في العراق، وما يمثله هذا الوجود من أطماع إسرائيلية في منطقة الخليج تعود جذورها إلى عام 1948 تاريخ نشأة هذا الكيان، وهو ما يعد تحديّا غير مسبوق لدول مجلس التعاون الخليجي.
وبيّن الكاتب في الفصل الرابع أن العلاقات السياسية بين الجانبين تتسم بالتذبذب نتيجة القضايا الخلافية بين الطرفين التي اتخذت طابع التهديد خاصة من طرف إيران التي تجاهلت السيادة الخليجية، نظرًا لاعتقادها بأنها الطرف الأقوى في هذه المنطقة، ما أدى إلى تدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدول المجلس.
ومع أن توقيع الاتفاق الأمني السعودي-الإيراني في مايو 2001 كان بمثابة بداية عهد جديد في العلاقات بين البلدين؛ حيث وضع أسس الاستقرار والأمن في المنطقة التي كانت ولا تزال هدفًا استراتيجيّا لمطامع العديد من القوى الخارجية الدولية والإقليمية، إلا أن هذه العلاقات (الأمنية والعسكرية) بين الطرفين بقيت محدودة واقتصر التعاون مع طهران على الاتفاقيات الأمنية التي تتضمن منع تسلل المخربين والاتجار بالمخدرات عبر حدود طرفي العلاقة.
وخلص الفصل الخامس والأخير إلى أن تزايد النفوذ الإيراني في العراق، وما يحمله من تداعيات خطيرة على أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي، كان ضمن الدوافع الرئيسية التي عرقلت تطور العلاقات، كما أن وجود نسبة عالية من الشيعة في دول المجلس يعد بمثابة قنبلة موقوتة بحكم موقعهم وتأثيرهم على حكومات تلك الدول، وفاقمت المخاوف الخليجية قضية البرنامج النووي الإيراني الذي يعتبر أحد مصادر التهديد لأمن واستقرار الخليج، علاوة على قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران منذ عام 1971، كل ذلك عمل على تقويض دعائم الثقة بين الطرفين والتشكيك في نوايا إيران، رغم التحسن الذي طرأ على العلاقات بين الجانبين في بعض مراحل السياسة الخارجية الإيرانية.
محمد الحمامصي
صحيفة العرب