الحوار الروسي الخليجي والمصالح الدولية الإقليمية

الحوار الروسي الخليجي والمصالح الدولية الإقليمية

إياد العناز 

أخذت السياسة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط ابعاداً واتجاهات عديدة ذهبت إلى تكوين تحالفات وتكتلات سياسية وإقتصادية تراعي فيها المصالح العليا لدولها وتنظر إلى المتغيرات الدولية بصورة أوسع مع وجود العديد من التجاذبات السياسية التي أطرت حقيقية الأوضاع في المنطقة وتسارع الأحداث حول مبدأ تعدد الاقطاب الدولية بعيداً عن سيطرة القطب الواحد وبعد تشابك المصالح والمنافع الدولية التي أرست دعائم أساسية في حرص كل دولة على إيجاد طرق ووسائل لتعزيز علاقتها الدولية وفق متطلبات الأوضاع الراهنة وبما يعزز قرارها واستقلالها السياسي والاقتصادي.
وأمام هذه المعطيات والمفاهيم السياسية كان انعقاد الحوار الإقليمي الدولي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي في العاشر من تموز 2023 والذي جرى في دورته السادسة بعد توقف بسبب الأوضاع والأحداث التي مرت على المنطقة وطبيعة تنامي الصراع الروسي الأوكراني، وجاء الحوار مكملاً للعديد من التوجيهات في السياسة العامة لدول الخليج العربي القائمة على تنوع الشركاء والحلفاء الدوليين ومسايرة نظام تعدد الاقطاب وإيجاد نوع من التوازنات في العلاقات الدولية على جميع الاصعدة السياسية والاقتصادية صياغة علاقات جديدة ومتنوعة مع جميع القوى الدولية.
يمثل الحوار خطوة إيجابية نحو تعزيز العلاقات بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي بعد ثلاث قمم رئيسية شهدتها المنطقة كان أولها القمة الخليجية الروسية في حزيران 2022 ثم تلتها القمة الأمريكية الخليجية في جدة تموز 2022 وأخرها القمة الخليجية الصينية كانون الأول 2003 ومن ثمارها الاتفاق السعودي الإيراني.
ترى روسيا ان الأحداث التي أتت بعد نزاعها العسكري مع أوكرانيا يتحتم عليها العمل على توسيع دائرة علاقتها مع دول العالم ومنها دول الخليج العربي للأهمية الاقتصادية التي تتميز بها المنطقة بوجود عوامل عديدة منها الطاقة والاستثمارات التجارية والتعاون الاستراتيجي في التفاهات التي تقوم عليها منظمة أوبك بلص وتحديد اسعار النفط ونسب الانتاج بالتعاون مع الرياض وأبو ظبي، والقيادة الروسية تريد من حوارها ان تؤكد انها لم تتأثر بالعقوبات الغربية الأمريكية وانها على علاقات وطيدة مع شركائها في المنطقة العربية وبامكانها التوسع في إقامة اللقاءات والتحالفات الدولية الإقليمية.
وأثمر الحوار الروسي الخليجي على فهم واضح وعميق لطبيعة التواصل الحاصل في مجمل الأوضاع الدولية والتقارب المشترك الذي يهم جميع المجتمعين والذي أدى إلى وضع خطة مشتركة للأعوام ( 2023_2028) تساهم في تعزيز الحوار السياسي ومواصلة الاتصالات بين وزراء الخارجية وكبار المسؤولين في هذه البلدان واعتماد العامل الاقتصادي أساس وركيزة مهمة ومحرك للعلاقات بين الجميع وخاصة التنسيق في منظمة أوبك بلص، وهذا ما أشارت اليه عملية ارتفاع حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول الخليج العربي حيث بلغ عام 2022 (11) مليار دولار بعد أن كان عام 2011 ( 3,7) مليار دولار، وهي ظاهرة إيجابية وعملية للنمو الاقتصادي والتبادل التجاري وزيادة الاستثمارات في عواصم الخليج العربي، ثم إن الدعم الروسي السياسي لجميع الفعاليات والجهد الدبلوماسي الذي تقوم به حكومات مجلس التعاون في سعيها لحل الأزمات السياسية في أقطار أخرى اليمن والسودان وسوريا وتقريبا وجهات النظر بين إيران والاقطار العربية يشكل عامل مهم في فهم أبعاد وأسس الحوار المشترك الذي أدى في بعض جوانبه الرئيسية في قبول عملية التدخل السعودي الإماراتي في عملية تبادل الأسرى بين روسيا و أوكرانيا، كما وان الدور الخليجي العربي يسعى للعمل على تضيق حدة الخلاف بين موسكو وكييف بالتفاهمات والتدخلات السياسية وصولا إلى وساطات قد تفعل عملية اللقاء بين الطرفين والتي كان آخرها حضور الرئيس زيلنسكي جلسة الافتتاح للقمة العربية في الرياض أيار 2023.
أبرز ما شهدته جلسات الحوار الخليجي الروسي انها اتسمت بمخرجات مهمة على الصعيد الخليجي في دعوة روسيا للإستجابة للجهود السياسية حول الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى) وتسوية الخلافات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وايران عبر المفاوضات الثنائية او التحكيم الدولي وهي المبادئ والنقاط التي تتبناها أبو ظبي.
أكد نجاح جولة الحوار ما جاء في كلمة امين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي (ان الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تقف على المسافة نفسها مع جميع شركائها وتتبع سياسة خارجية متوازنة)، وهذا ما يؤشر طبيعة الدبلوماسية الخليجية والانفتاح نحو الصين وروسيا وباقي دول العالم واعتماد سياسة تعدد الأطراف والتعاون مع دول مختلفة لتعزيز حالة الأمن والاستقرار في المنطقة وتحقيق التوازن الاستراتيجي بصورة متزنة وخصوصا في مجال سوق النفط والغاز وهو القطاع الذي تعتمد عليه روسيا في اقتصادها القومي وان استمرار اللقاءات والخواطر كفيلة بمنع اي فرصة لعرقلة مسيرة العلاقات الخليجية الروسية.

وحدة الدراسات الدولية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية