تسلم الرئيس دونالد ترامب موقعه في البيت الأبيض، بعد أن أقسم اليمين الدستورية، في العشرين من هذا الشهر. وتحول باراك أوباما إلى مجرد مواطن أمريكي، ضمن قائمة الرؤساء السابقين. وقد سجل التاريخ له، أنه أول فرد أسود يتمكن من إقناع الجمهور الأمريكي ببرنامجه الانتخابي، ويصل إلى سدة الرئاسة. وكان الرئيس الجديد قد بدأ مرحلته الرئاسية بإلغاء تشريع سنه الرئيس المنتهية ولايته يتعلق بتعميم التأمين الصحي لكل الأمريكيين العاجزين عن الحصول عليه.
وسيسجل التاريخ أيضاً، أنه أول رئيس أمريكي، منذ أكثر من خمسة عقود، يحوز على النسبة الأعلى من رضا الأمريكيين على أدائه في الحكم. وفي هذا السياق، ينبغي الاعتراف بأن الحكم على سياسات أوباما، لن يكون خارج إطار الأحكام الإنسانية المعتادة، ليس فقط على أسلافه من الرؤساء الأمريكيين، بل على كل من قدر له تسلم الموقع الأول، في أي بلد من بلدان العالم. فهناك دائما أناس سعداء وموالون، وهناك منتقدون ومعارضون. وتلك سنة الكون.
والقانون الطبيعي في السياسة هو وجود أشخاص رابحون، وأشخاص خاسرون. ولا يوجد برنامج سياسي يمكن أن يجمع عليه الكل، وإلا فقدت السياسة معناها، كونها منهجاً براغماتياً، يستند على المساومات والتسويات وعلى فن الممكن.
الحكم على أداء أوباما، خلال الثماني سنوات من وجوده في المنصب الرئاسي، لن يكون منصفاً وعادلاً، ما لم نضعه في البيئة التي تسلم فيها سدة الحكم. وأيضاً بانتمائه السياسي، كعضو فاعل في الحزب الديمقراطي. وينبغي أن تكون المحاكمة على أساس مدى التزامه بالبرنامج الانتخابي، الذي وعد بتنفيذه بعد انتقاله للبيت الأبيض. هل كان وفياً لذلك البرنامج، أم أن الأحداث التي جرت أكدت تنكره لذلك البرنامج.
تسلم أوباما الحكم، في بيئة مليئة بالمعضلات والتعقيدات. فهناك جيوش أمريكية متواجدة بكثافة في أفغانستان والعراق. وقد ميز أوباما، بين وجود الجنود الأمريكيين في أفغانستان وبين وجودهم في العراق. فمن وجهة نظره، فإن الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، فرضته ضرورة مواجهة الإرهاب، وإلحاق الهزيمة النهائية به. وأنه لا محيص عنه. أما في العراق، فإن قرار احتلال العراق، كان اختياراً خاطئاً، ووجود الجنود الأمريكيين في العراق، هو قرار خاطئ. وقد وصلت كلفته ما يقرب من تريلونين من الدولارات.
انسحب الأمريكيون من العراق، بالطريقة التي جرى تنفيذه بها، ما أحدث فراغاً عسكرياً وسياسياً كبيراً، كان من أحد نتائجها تصعيد النهج الطائفي البغيض، الذي اعتمد التهميش والإقصاء، لمكونات رئيسية من الشعب العراقي.
المعضلة الحقيقية التي واجهها أوباما غداة وصوله للبيت الأبيض، هي الانهيار الاقتصادي، وخروج أكثر من سبعمائة بنك أمريكي من الخدمة، جراء أزمة الرهن العقاري، وإفلاس المئات من المؤسسات الاقتصادية. يضاف إلى ذلك، تضاعف أعداد العاطلين، وتراجع التعليم والخدمات الصحية، وغياب الدعم للضمان الاجتماعي، واتساع دائرة الفقر.
وقد جاء برنامج أوباما الاقتصادي، متسقاً مع برامج نظرائه من الديمقراطيين، حيث ركز على رفع نسبة الضرائب، ودعم الطبقة المتوسطة، وإعادة الاعتبار لدور الدولة، مسهماً في إعادة ملايين العاطلين للخدمة إلى أعمالهم. ولم يشمل برنامج الإنقاذ الذي تبناه الطبقة المتوسطة فقط، بل شمل أيضاً إنعاش القطاعات الاقتصادية الكبرى، والمصارف. حيث تمت إعادة تشغيل الماكنة الاقتصادية، بكفاءة في كافة المجالات. وقد تحققت نجاحات باهرة، في معالجة تداعيات أزمة الرهن العقاري، ووقف الاقتصاد الأمريكي مجدداً على قدميه.
لكن ذلك لم يتم من غير كلف سياسية. فانهماك إدارة أوباما في معالجة الأزمات الداخلية، أدى إلى تقليص الدور الأمريكي في الساحة الدولية. ولأن الكون لا يقبل الفراغ، وجدت إدارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في هذا التقليص فرصة سانحة، لتملأ الفراغ. فكان حضورها الملحوظ في الثماني سنوات المنصرمة، والذي أعاد حضورها كقوة عسكرية وسياسية، يحسب حسابها، عند صناع القرار على المستوى العالمي.
بالنسبة لنا في الوطن العربي، كانت فترة الرئيس أوباما وبالاً على كثير من قضايانا، خاصة وأن سنوات رئاسته، ارتبطت بما سمي «الربيع العربي»، الذي يعتقد كثير من المحللين السياسيين، أن إدارة أوباما، لم تكن بعيدة عن نتائجه.
وقد عزز من هذا الاعتقاد، تصريحات لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، أشارت إلى أن بلادها دربت عدداً كبيراً، من قادة الحركة الاحتجاجية، في بلدان «الربيع العربي»، الناشطة في مجال حقوق الإنسان. وقد كانت النتائج كارثية تسببت في انهيار كيانات، وتشريد ملايين العرب عن أوطانهم. وأيضاً في تغول الإرهاب، وتمدد أعماله التخريبية، إلى بلدان عربية أخرى، لم يكن للجماعات المتطرفة حضور فيها، قبل هذا الربيع الخريف.
القضية الفلسطينية، أيضا تراجعت للخلف. فقد طالها هي الأخرى، ما طال السياسة الخارجية الأمريكية من تراجع. ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها بلاده، يسجل الصهاينة له أنه كان سخياً مع كيانهم الغاصب. فقد قدمت أمريكا في عهد أوباما لحكومة نتنياهو أكثر من خمسة وثلاثين مليار دولار، ساهمت في التسريع ببناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وتجريف منازل الفلسطينيين، بالأراضي المحتلة. ولم تتحرك إدارة أوباما، قيد أنملة، من أجل الضغط على الحكومة «الإسرائيلية»، لإعادة المفاوضات والتوصل إلى تسوية سياسية، على قاعدة اتفاقية أوسلو، التي صيغت في الأصل، لتخدم الأهداف الصهيونية.
نجح أوباما في الداخل، وعالج الأزمات الاقتصادية المستعصية، لكن التاريخ سيسجل أن هذا النجاح كان على حساب تراجع دور بلاده في الخارج. وسيجل له التاريخ أيضاً أنه كان وفياً لمقولته أثناء حملته الانتخابية، فيما يتعلق بمعالجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي واجهها غداة استلامه الحكم: نعم نستطيع.
وسيسجل التاريخ أيضاً، أنه أول رئيس أمريكي، منذ أكثر من خمسة عقود، يحوز على النسبة الأعلى من رضا الأمريكيين على أدائه في الحكم. وفي هذا السياق، ينبغي الاعتراف بأن الحكم على سياسات أوباما، لن يكون خارج إطار الأحكام الإنسانية المعتادة، ليس فقط على أسلافه من الرؤساء الأمريكيين، بل على كل من قدر له تسلم الموقع الأول، في أي بلد من بلدان العالم. فهناك دائما أناس سعداء وموالون، وهناك منتقدون ومعارضون. وتلك سنة الكون.
والقانون الطبيعي في السياسة هو وجود أشخاص رابحون، وأشخاص خاسرون. ولا يوجد برنامج سياسي يمكن أن يجمع عليه الكل، وإلا فقدت السياسة معناها، كونها منهجاً براغماتياً، يستند على المساومات والتسويات وعلى فن الممكن.
الحكم على أداء أوباما، خلال الثماني سنوات من وجوده في المنصب الرئاسي، لن يكون منصفاً وعادلاً، ما لم نضعه في البيئة التي تسلم فيها سدة الحكم. وأيضاً بانتمائه السياسي، كعضو فاعل في الحزب الديمقراطي. وينبغي أن تكون المحاكمة على أساس مدى التزامه بالبرنامج الانتخابي، الذي وعد بتنفيذه بعد انتقاله للبيت الأبيض. هل كان وفياً لذلك البرنامج، أم أن الأحداث التي جرت أكدت تنكره لذلك البرنامج.
تسلم أوباما الحكم، في بيئة مليئة بالمعضلات والتعقيدات. فهناك جيوش أمريكية متواجدة بكثافة في أفغانستان والعراق. وقد ميز أوباما، بين وجود الجنود الأمريكيين في أفغانستان وبين وجودهم في العراق. فمن وجهة نظره، فإن الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، فرضته ضرورة مواجهة الإرهاب، وإلحاق الهزيمة النهائية به. وأنه لا محيص عنه. أما في العراق، فإن قرار احتلال العراق، كان اختياراً خاطئاً، ووجود الجنود الأمريكيين في العراق، هو قرار خاطئ. وقد وصلت كلفته ما يقرب من تريلونين من الدولارات.
انسحب الأمريكيون من العراق، بالطريقة التي جرى تنفيذه بها، ما أحدث فراغاً عسكرياً وسياسياً كبيراً، كان من أحد نتائجها تصعيد النهج الطائفي البغيض، الذي اعتمد التهميش والإقصاء، لمكونات رئيسية من الشعب العراقي.
المعضلة الحقيقية التي واجهها أوباما غداة وصوله للبيت الأبيض، هي الانهيار الاقتصادي، وخروج أكثر من سبعمائة بنك أمريكي من الخدمة، جراء أزمة الرهن العقاري، وإفلاس المئات من المؤسسات الاقتصادية. يضاف إلى ذلك، تضاعف أعداد العاطلين، وتراجع التعليم والخدمات الصحية، وغياب الدعم للضمان الاجتماعي، واتساع دائرة الفقر.
وقد جاء برنامج أوباما الاقتصادي، متسقاً مع برامج نظرائه من الديمقراطيين، حيث ركز على رفع نسبة الضرائب، ودعم الطبقة المتوسطة، وإعادة الاعتبار لدور الدولة، مسهماً في إعادة ملايين العاطلين للخدمة إلى أعمالهم. ولم يشمل برنامج الإنقاذ الذي تبناه الطبقة المتوسطة فقط، بل شمل أيضاً إنعاش القطاعات الاقتصادية الكبرى، والمصارف. حيث تمت إعادة تشغيل الماكنة الاقتصادية، بكفاءة في كافة المجالات. وقد تحققت نجاحات باهرة، في معالجة تداعيات أزمة الرهن العقاري، ووقف الاقتصاد الأمريكي مجدداً على قدميه.
لكن ذلك لم يتم من غير كلف سياسية. فانهماك إدارة أوباما في معالجة الأزمات الداخلية، أدى إلى تقليص الدور الأمريكي في الساحة الدولية. ولأن الكون لا يقبل الفراغ، وجدت إدارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في هذا التقليص فرصة سانحة، لتملأ الفراغ. فكان حضورها الملحوظ في الثماني سنوات المنصرمة، والذي أعاد حضورها كقوة عسكرية وسياسية، يحسب حسابها، عند صناع القرار على المستوى العالمي.
بالنسبة لنا في الوطن العربي، كانت فترة الرئيس أوباما وبالاً على كثير من قضايانا، خاصة وأن سنوات رئاسته، ارتبطت بما سمي «الربيع العربي»، الذي يعتقد كثير من المحللين السياسيين، أن إدارة أوباما، لم تكن بعيدة عن نتائجه.
وقد عزز من هذا الاعتقاد، تصريحات لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، أشارت إلى أن بلادها دربت عدداً كبيراً، من قادة الحركة الاحتجاجية، في بلدان «الربيع العربي»، الناشطة في مجال حقوق الإنسان. وقد كانت النتائج كارثية تسببت في انهيار كيانات، وتشريد ملايين العرب عن أوطانهم. وأيضاً في تغول الإرهاب، وتمدد أعماله التخريبية، إلى بلدان عربية أخرى، لم يكن للجماعات المتطرفة حضور فيها، قبل هذا الربيع الخريف.
القضية الفلسطينية، أيضا تراجعت للخلف. فقد طالها هي الأخرى، ما طال السياسة الخارجية الأمريكية من تراجع. ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها بلاده، يسجل الصهاينة له أنه كان سخياً مع كيانهم الغاصب. فقد قدمت أمريكا في عهد أوباما لحكومة نتنياهو أكثر من خمسة وثلاثين مليار دولار، ساهمت في التسريع ببناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وتجريف منازل الفلسطينيين، بالأراضي المحتلة. ولم تتحرك إدارة أوباما، قيد أنملة، من أجل الضغط على الحكومة «الإسرائيلية»، لإعادة المفاوضات والتوصل إلى تسوية سياسية، على قاعدة اتفاقية أوسلو، التي صيغت في الأصل، لتخدم الأهداف الصهيونية.
نجح أوباما في الداخل، وعالج الأزمات الاقتصادية المستعصية، لكن التاريخ سيسجل أن هذا النجاح كان على حساب تراجع دور بلاده في الخارج. وسيجل له التاريخ أيضاً أنه كان وفياً لمقولته أثناء حملته الانتخابية، فيما يتعلق بمعالجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي واجهها غداة استلامه الحكم: نعم نستطيع.
يوسف مكي
صحيفة الخليج