إن من سوء الطالع أنْ تم التوصل لعدد قليل جدا من الاتفاقيات في السنوات الأخيرة. وخلال فترة طغت فيها المنافسة بين القوى العظمى بشكل عام بدلا من التعاون؛ هناك استثناءان مهمان هما الاتفاق النووي مع إيرانواتفاقية باريس للمناخ، وهما يعطيان الأمل بأنه لا تزال هناك إمكانية لاستجابة رسمية ومتعددة الأطراف من أجل التعامل مع التحديات العالمية.
لكن دونالد ترمب يهدد حاليا بالتنصل من كلا الاتفاقين، وانتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية أظهر هشاشتهما، ولو انسحبت الولايات المتحدة الأميركية من أي منهما أو فشلت في التقيد بهما فإنها سوف توجه ضربة قاصمة لنظام الحكم العالمي الذي يعتمد على الاتفاقيات المتعددة الأطراف لحل المشاكل العالمية.
لو أردنا أن نعرف ما الذي يوجد على المحك، فإنه يتوجب علينا النظر لخطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران من جهة والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن -بالإضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبي– من جهة أخرى. إن الذكرى السنوية الأولى لخطة العمل الشاملة المشتركة تصادفت مع حفل تنصيب ترمب، وعليه فإن من المفيد أن نتذكر كيف تم التوصل إليها وماذا سيحصل لو فشلت.
“لو أردنا أن نعرف ما الذي يوجد على المحك، فإنه يتوجب علينا النظر لخطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران والقوى الدولية. إن الذكرى السنوية الأولى لخطة العمل الشاملة المشتركة تصادفت مع حفل تنصيب ترمب، وعليه فإن من المفيد أن نتذكر كيف تم التوصل إليها وماذا سيحصل لو فشلت”
لقد أجرى الأوروبيون أول اتصال مع إيران يتعلق بهذه القضية سنة 2003 حين تفاوضوا مع الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني آنذاك حسن روحاني (رئيس الجمهورية الآن)، وتوصل الطرفان لاتفاقية سنة 20044 ولكنها لم تستمر طويلا.
وفي سنة 2005 شكل انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا لإيران نقطة تحول، وبينما استمرت المفاوضات الرسمية لم يتم إحراز أي تقدم يذكر، وفي الوقت نفسه كان البرنامج النووي الإيراني يتقدم بسرعة رغم معاناة الإيرانيين بسبب العقوبات الاقتصادية الصارمة.
تمكن روحاني من الفوز بالانتخابات الرئاسية سنة 2013، علما بأنه عندما تفاوض مع الدبلوماسيين الأوروبيين سنة 2003 كانت إيران تمتلك برنامجا نوويا متواضعا، وكانت تواجه صعوبات كبيرة في تخصيب اليورانيوم.
وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ؛ تمكنت إيران من تركيب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي، ولحسن الحظ فإن الجهود الدبلوماسية المضنية تكللت -خلال العامين التاليين لانتخاب روحاني- بالتوصل إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
بالطبع تعالت الأصوات في الولايات المتحدة الأميركية التي لم ترحب بالاتفاقية أو بإمكانية التفاوض مع إيران على الإطلاق، كما أعربت بلدان أخرى في الشرق الأوسط عن خشيتها من أن الاتفاقية ستغير توازن القوى الإقليمي وتضر بمصالحها.
قدم معارضو إبرام صفقة النووي مع إيرام ثلاثة أسباب رئيسية لرفضها، وهي: أنه لا يمكن الثقة بإيران للوفاء بالتزاماتها، وأن الاتفاقية ستعزز موقع إيران الإقليمي بطريقة غير مقبولة، وأن إيران لا تستحق هذه الفرصة. فهل أوفت إيران بالتزاماتها خلال السنة التي تلت تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة؟
تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران أوفت بالفعل بالتزاماتها، حيث سمحت للوكالة بتفتيش جميع المواقع التي طلبت رؤيتها، بما في ذلك المواقع التي مُنعت من زيارتها قبل الاتفاقية، كما أعطت المفتشين الإذن بتفقد أنظمتها الإلكترونية وسلسلة التخصيب.
تصر الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أنه لا يوجد بلد تمت مراقبته بشكل لصيق مثل إيران، وكما أشارت مجموعة الأزمات الدولية فإن “ترمب هو أول رئيس أميركي -خلال أكثر من عقدين- يتولى مهام منصبه وهو ليس بحاجة للقلق من قيام إيران بتخطي عتبة التسلح النووي بدون أن يتم كشفها”.
في واقع الأمر؛ كان كثير منا يأملون أن تعمل الاتفاقية على تحسين علاقات إيران مع جاراتها ومع الولايات المتحدة الأميركية بشكل ملحوظ، ولكن ذلك لم يحدث.
“لقد أتاح الاتفاق النووي مع إيران نافذة دبلوماسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ولكن تلك الفرصة أضيعت؛ فالحروب في سوريا واليمن استمرت، ومن غير المرجح أن يحدث أي تقارب سعودي إيراني قريبا، كما أنه من الواضح أن روسيا تفرض نفسها في المنطقة”
لقد أتاحت الاتفاقية نافذة دبلوماسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ولكن تلك الفرصة أضيعت؛ فالحروب في سوريا واليمن استمرت، ومن غير المرجح أن يحدث أي تقارب سعودي إيراني قريبا، كما أنه من الواضح أن روسيا تفرض نفسها في المنطقة.
لكن اللوم لا يقع على عاتق خطة العمل الشاملة المشتركة التي تم التفاوض بشأنها كاتفاقية عدم انتشار على وجه التحديد، حيث كان إحراز أي تقدم فيما يتعلق بالدبلوماسية الإقليمية في ذلك الوقت مستحيلا.
ولكن نظرا لفترة الغموض القادمة تحت حكم ترمب فإن على أطراف التفاوض الأوروبية تحمل مسؤولياتها في المحافظة على خطة العمل المشتركة الشاملة، كما يتوجب عليها بشكل عاجل اقتراح مبادرة لزيادة الاستقرار في المنطقة.
لقد رعت روسيا وتركيا عقد اجتماع في كزاخستان هذا الأسبوع لمجموعات المعارضة السورية والحكومة السورية من أجل البدء في محادثات سلام، وهذه الجهود يجب توسيعها لتشمل أطرافا أخرى، واستخدامها خطوة أولى لبناء الثقة على المستوى الإقليمي. كما أن جميع الجهات ذات العلاقة ستستفيد من تركيز جهودها على صنع السلام عوضا عن انتقاد الاتفاق مع إيران.
إنه من المخيف أن نتصور الوضع الحالي بدون توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران
. إن السعودية -التي تعاني من المشاكل- ترغب في إنهاء تدخلها العسكري في اليمن، ولكن هذا لن يكون سهلا. أما إيران فقد أطلقت الحملة الانتخابية الرئاسية قبل أن تفيق من صدمة وفاة هاشمي رافسنجاني، وهو رئيس سابق وأحد مؤسسي الجمهورية الإسلامية.
وبالنسبة لتركيا فإنها تسعى لأن تتوافق محصلة النزاع السوري مع سياستها تجاه الأكراد. أما روسيا فتحتاج لسحب قواتها من سوريا نظرا لأن تدخلها هناك يستنزف اقتصادها. والاتحاد الأوروبي بحاجة لحل أزمة اللاجئين في سياق الاستقرار الإقليمي.
يجب أن يفكر ترمب بجدية في مصالح أميركا ومصالح المنطقة، ولو فكر في ذلك فعلا فسيدرك أن البديل عن المساهمة في الاستقرار الإقليمي هو المخاطرة بكابوس أكبر.
خافيير سولانا
الجزيرة