مع بقاء أيام قليلة فقط له في رئاسة البيت الأبيض، واجه باراك أوباما، باعتباره القائد الأعلى للقوات الأميركية، قراراً موجعاً بخصوص ما إذا كان سيمضي قدماً في خططه لتسليح المقاتلين الأكراد السوريين الذين يخوضون معارك ضد “داعش” لتمكينهم من شن الهجوم الذي طال انتظاره لاستعادة مدينة الرقة، عاصمة الأمر الواقع للتنظيم.
وكان الخيار أمام السيد أوباما صادماً. فأحد الخيارين سيكون إقامة تحالف عسكري أقرب مع الأكراد السوريين للمحافظة على الزخم في القتال ضد “داعش”، حتى على الرغم من إدانة تركيا المقاتلين الأكراد باعتبارهم إرهابيين.
وكان الخيار الآخر أمام السيد أوباما هو ترك القرار للرئيس دونالد ترامب. وكان من شأن هذه الخطوة تأخير عملية الرقة لعدة أشهر، وعنت أن يغادر السيد أوباما البيت الأبيض من دون طرق واضحة للاستيلاء على أهم معقل لتنظيم “داعش” وقاعدتها لتخطيط عمليات إرهابية ضد الغرب.
وكان السيد أوباما قد عقد اجتماعاً يوم الثلاثاء الماضي لمجلس الأمن القومي، والذي تم خلاله بحث الموضوع الذي يعتبر الأهم والأكثر خطورة بالنسبة للولايات المتحدة في إطار حملتها ضد “داعش”.
وامتنع البيت الأبيض عن الكشف عن القرار الذي اتخذه السيد أوباما، لكن بعض مسؤولي الإدارة أعربوا عن اعتقادهم بأن من غير المرجح أن يحل السيد أوباما هذا الموضوع الشائك في لحظات انتهاء رئاسته.
يعكس ترك هذا القرار المحوري للأسابيع الأخيرة من رئاسة السيد أوباما تعقيد النقاش حول العمل مع وحدات قوات سورية الديمقراطية، كما تُعرف الميليشيات الكردية، بالإضافة إلى الحذر الذي أبداه السيد أوباما إزاء إرسال قوات أميركية للقتال في المنطقة.
وكان السيد أوباما قد تعهد بتوجيه ضربات معيقة لتنظيم “داعش” في الموصل في العراق والرقة في سورية قبل انتهاء رئاسته. وقد ازدادت الضربات الجوية التي نفذها التحالف في الرقة ومحيطها في الأسابيع الأخيرة، بينما طوق الآلاف من المقاتلين الأكراد والعرب السوريين المدينة، وعزلوها ومنعوا عنها إعادة التزود بالأسلحة والمقاتلين والوقود. وكان السيد أوباما قد أمر في الشهر الماضي بإرسال 200 جندي إضافي من القوات الأميركية الخاصة إلى سورية لمساعدة هؤلاء المقاتلين المحليين في التقدم نحو الرقة، مضاعفاً بذلك تقريباً عديد القوات الأميركية العاملة على الأرض هناك.
لكن الجيش الأميركي يعتقد بأنه لا يمكن استعادة الرقة ما لم يتم تجهيز الوحدات الكردية بمعدات خاصة بحرب المدن. وما يزال من غير الواضح ذلك المستوى من الدعم الذي سيحافظ عليه الرئيس ترامب لجماعات المعارضة السورية التي تقاتل “داعش”، وخاصة تلك الجماعات التي يعارضها الأتراك بشدة.
وكان وزير الدفاع الأميركي السابق، أشتون كارتر، قد شدد خلال زيارته لقاعدة فورت كامبل بولاية كنتاكي في كانون الثاني (يناير) على أهمية الرقة. وقال في ذلك الحين: “للدولة الإسلامية مركزان: الرقة في سورية والموصل في العراق. ولذلك تضمنت خطة حملتنا أسهماً كبيرة تشير إلى الموصل والرقة على حد سواء”.
وكان مسؤولون أميركيون قد طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لكي يصفوا المداولات الداخلية للإدارة.
تضم الرقة أكثر 250.000 مواطن مدني، حيث حصن “داعش” المدينة بالخنادق والألغام، وسوف يدافع عنها باستخدام المفجرين الانتحاريين. ولأن إدارة أوباما استبعدت استخدام قوات مقاتلة أميركية، ترتب على الولايات المتحدة الاعتماد على تجنيد قوات عربية محلية للانضمام إلى المقاتلين الأكراد الذين عركهم القتال.
وكان المبعوث الأميركي لدى الائتلاف الذي يقاتل “داعش”، بريت مكغورك، قد قال في ندوة في الأسبوع الماضي: “إن الرقة صعبة جداً لأننا –على عكس العراق- لا نتعامل مع حكومة. إننا لا نتعامل مع جيش. ويجب علينا العمل مع لاعبين محليين وأن نقوم بتنظيمهم في قوة عسكرية”.
من جهتهم، يقول مسؤولون عسكريون أميركيون إن استعادة الرقة تعتبر أمراً مُلحاً لأنها عاصمة “داعش”، وهي ملاذ العديد من كبار قادتها والوكر الذي تحاك فيه مؤامرات المجموعة المتطرفة ضد الغرب.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية تحث السيد أوباما على تجهيز الأكراد السوريين الذين يعتبرهم قادة أميركيون أكثر شريك فعال لهم على الأرض، بعربات مدرعة ومنصات إطلاق قذائف موجهة صاروخياً ومدافع رشاشة وغيرها من المعدات الثقيلة، بحيث يتاح أمر البدء بشن هجوم استعادة الرقة المدعوم أميركياً في الشهر المقبل.
لا شك أن الحاجة تمس إلى الأسلحة، كما يقول المسؤولون الأميركيون، لأن الاندفاع العراقي للاستيلاء على الموصل أظهر أن استعادة مدينة يحتلها مقاتلو “داعش” المسلحون بسيارات انتحارية هي عملية صعبة ودموية.
من أجل معاضدة مهمة الرقة، كانت وزارة الدفاع الأميركية تضغط لحمل البيت الأبيض على التخويل باستخدام طائرات الجيش الأميركي العمودية الهجومية من طراز “أباتشي” المجهزة بصواريخ هيل فاير. والمعروف أن عموديات الأباتشي تدعم القوات العراقية في القتال الدائر لاستعادة مدينة الموصل.
لكن تسليح الأكراد كان سيفاقم علاقات السيد أوباما المتوترة أصلاً مع الرئيس أردوغان الذي أعرب عن اعتقاده بأن قوات سورية الديمقراطية الكردية مرتبطة مع حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة على حد سواء مجموعة إرهابية.
وكانت الإدارة الأميركية السابقة تدرس طرقاً للتخفيف من قلق تركيا، مثل التوصل إلى ترتيبات لمراقبة الأسلحة التي تعطى للأكراد السوريين لغاية شن هجوم استعادة الرقة، وبحيث يتم منع استخدام هذه الأسلحة في أمكنة أخرى ولغايات أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، تتولى قوات عربية احتلال الرقة بعد الاستيلاء عليها وسحب القوات الكردية منها.
وكانت الولايات المتحدة قد بدأت مؤخراً تنفيذ ضربات جوية بالقرب من مدينة الباب التي تقع في شمالي سورية، والتي ما تزال تركيا تسعى لتخليصها من “داعش”.
لكن دبلوماسيين أميركيين في العاصمة التركية، أنقرة، حذروا من أن تزويد الوحدات الديمقراطية الكردية السورية بالأسلحة قد يستفز ضربة ارتدادية تركية، كما يقول مسؤولون. ولن يقتصر الأمر على التسبب في شق عميق لعلاقات الولايات المتحدة مع السيد أردوغان وحسب، بل إن الأتراك ربما يتخذون إجراء ما ضد الوحدات الكردية في شمالي سورية، والذي يمكن أن يفضي في نهاية المطاف إلى تقويض الهجوم المضاد لاستعادة الرقة.
في استشراف لقرار السيد أوباما، ظل الأتراك يزيدون الضغط بوتيرة هادئة من خلال الموافقة على المهمات الجوية الأميركية التي تطير من قاعدة إنجرليك الجوية. وتعتبر قاعدة إنجرليك التركية مركزاً رئيسياً لشن الغارات الجوية ضد “داعش” في سورية والعراق.
وكانت حساسية تركيا من الموضوع قد تجلت أكثر ما يكون في الأسبوع الماضي، عندما أرسلت القيادة الوسطى الأميركية التي تشرف على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط بياناً على وسيلة التواصل الاجتماعي “تويتر” صادرا عن قوات سورية الديمقراطية، مجموعة المظلة التي تشمل الأكراد السوريين بالإضافة إلى المقاتلين العرب السوريين، والذي تؤكد فيه المجموعة أنها ليست جزءاً من حزب العمال الكردستاني، كما “تدعي بعض الحكومات الإقليمية”.
ورد إبراهيم كالين، الناطق بلسان السيد أردوغان على ذلك بالقول: “هل هذه نكتة أم أن القيادة الأميركية الوسطى فقدت رشدها”؟
في مواجهة هذا المأزق، كان بعض مسؤولي الإدارة المنصرفة قد اقترحوا أن يعود المسؤولون الأميركيون إلى لوحة الرسم وأن يحاولوا تحشيد قوة أكثر تنوعاً لاستعادة الرقة، والتي تضم قوات تركية خاصة بالإضافة إلى مجموعات من المعارضة السورية المدعومة تركياً. ويقول قادة أميركيون أن هناك حاجة إلى 20.000 جندي للاستيلاء على المدينة. وفي المقابل، استطاعت تركيا تجميع حوالي 2.000 مقاتل عربي فقط في معركتها لاستعادة الباب، وقد ووجهت تلك الحملة بمقاومة شرسة.
خلال زيارة لواشنطن في الشهر الماضي، ضغط مسرور بارزاني، مسؤول الأمن الرفيع في إقليم كردستان في العراق المتمتع بحكم ذاتي، على المسؤولين الأميركيين للعمل مع الأكراد السوريين المنفصلين عن قوات سورية الديمقراطية، والذين يعملون في العراق مع مجموعة تعرف بالبشمرغة في روجافا أو روج بيش. ويؤكد مساعدون للسيد بارزاني أن روج بيش يتلقون التدريب من قوات البشمرغة، وسيلقون القبول من جانب الأتراك وأن عددهم يبلغ حوالي 3.300 مقاتل.
وقال السيد برزاني: “إن روج بيش هي القوة الأكثر كفاءة وهي متنوعة سياسياً. وهم يستطيعون أن يشكلوا الجسر للتخفيف من التوترات الإقليمية، وأن يكونوا قوة مضاعفة في الحملة”.
لكن مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية يقولون أن وحدات قوات سورية الديمقراطية الكردية تتوافر على المقاتلين الأكثر فعالية، وهي تطبق أصلاً على الرقة، وقد تكون محاولة تجميع وتدريب وتجهيز قوة بديلة صعبة –وسوف تستغرق عدة أشهر في أفضل الحالات.
مايكل غوردون، وإريك شميت
صحيفة الغد