صفقة نووية مع إيران: تأثيرها على توجهات النفط والغاز الطبيعي

صفقة نووية مع إيران: تأثيرها على توجهات النفط والغاز الطبيعي

 في خطاب “حالة الاتحاد” الذي ألقاه الرئيس الأمريكي في 20 كانون الثاني/يناير، هدد باراك أوباما باستخدام حق النقض ضد تشريعات جديدة تؤثر على خمس قضايا، أربع منها على الساحة السياسة الداخلية وقضية خامسة تغطي السياسة الخارجية. وشملت قضية السياسة الخارجية احتمال تشريع عقوبات جديدة تُفرض على إيران. وبشكل مماثل، عززت الإدارة الأمريكية مؤخراً من جهودها للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. وإذا أبرمت الولايات المتحدة وشركاؤها في «مجموعة الخمسة زائد واحد» – بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا – صفقة مع إيران، فليس هناك شك بأن اتفاقاً كهذا سيؤثر على أسواق النفط والغاز العالمية. وفي الواقع، تستعد بالفعل العديد من شركات النفط والغاز الرائدة إلى العودة إلى العمل في إيران في حال رفع العقوبات. ومن شأن مثل هذا التسابق أن يزداد بالتأكيد عندما يصبح قطاع النفط والغاز الإيراني متاحاً بالكامل أمام الأسواق الدولية.

النفط

في منتصف عام 2012، فُرضت عقوبات على صادرات النفط الإيرانية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض التصدير من 2.5 مليون إلى 1.4 مليون برميل في اليوم. أما إذا رُفعت العقوبات الآن، فقد تحتاج إيران إلى عام كامل لتعيد إنتاجها إلى المستوى الذي كان عليه قبل العقوبات. وبالإضافة إلى ذلك، ونظراً إلى ظروف السوق الحالية، فإنه من المرجح ألا تكون سوى استثمارات دولية محدودة متاحة لمساعدة إيران في إعادة تفعيل إنتاجها. ومن جهة، لم تقدم إيران للمستثمرين شروطاً جاذبة بشكل استثنائي، وفي إطار أسعار النفط الحالية يحد المستثمرون من استثماراتهم في كل مكان. وبالتالي، تشكك هذه الحقائق إلى حد كبير بالمزاعم التي أطلقها وزير النفط الإيراني بيجان زنغنة مؤخراً بأنه إذا تم رفع العقوبات “ستضاعف إيران صادراتها النفطية في غضون شهرين”.

ومع ذلك، فإن مجرد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق مع إيران يُسفر عن رفع العقوبات الدولية، فقد يؤدي ذلك إلى تسريع الهبوط الثابت الحالي لأسعار النفط العالمية. وبالتالي، ستتأثر أسعار النفط حتى قبل أن تصل الإمدادات الإضافية المادية من النفط الإيراني إلى السوق. كما أن المزيد من النفط سيعود تدريجياً إلى السوق، الأمر الذي يساعد على إبقاء أسعار النفط العالمية منخفضة وربما زيادة كسادها. وكونها ترضخ تحت عبء العقوبات، عرضت طهران تخفيضات للمشترين المنتظمين مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا. ومن هنا، فإن رفع العقوبات سيعني على الأرجح أن مثل هؤلاء المستهلكين سيدفعوا سعراً أكثر انسجاماً مع الأسعار العالمية. ووفقاً لذلك، فإن [هذه الاحتمالات] يمكن أن تخلق فرصة للمملكة العربية السعودية والمنتجين الخليجيين الآخرين لزيادة حصتهم في السوق.

الغاز الطبيعي

منذ اندلاع الأزمة بين روسيا وأوكرانيا في العام الماضي، حاولت طهران طرح نفسها كبديل موثوق لروسيا في تجهيز الغاز إلى أوروبا. وفي الواقع، إن إيران هي الدولة الوحيدة القريبة من حدود أوروبا التي تمتلك ما يكفي من الغاز الطبيعي لمنافسة هيمنة روسيا في معظم أسواق الغاز الأوروبية. حتى إن الرئيس الإيراني حسن روحاني صرح مؤخراً بأنه يمكن لإيران “أن تكون مركزاً آمناً للطاقة بالنسبة إلى أوروبا”. كما أن نائب وزير النفط الإيراني علي مجيدي تفاخر في وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية بأن “الغاز الطبيعي الإيراني هو المنافس الوحيد لروسيا في أوروبا”. وتابع قائلاً بأنه يمكن للدول الأوروبية استيراد الغاز الإيراني من خلال ثلاث طرق منفصلة: تركيا، العراق أو خط أنابيب يمر عبر أرمينيا وجورجيا، ومن ثم تحت البحر الأسود.

ويُقر المسؤولون الأوروبيون بفكرة كون إيران مجهزاً بديلاً للغاز لأوروبا في المستقبل، وذلك كجزء من جهودهم المبذولة مؤخراً للتقليل من الاعتماد على الواردات الروسية. ففي نيسان/إبريل، نشرت “المديرية العامة للسياسات الخارجية” في الاتحاد الأوروبي، وهي ذراع الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، دراسة حول الخيارات الخاصة باستيراد الإتحاد الأوروبي للغاز الطبيعي في ظل أزمة أوكرانيا، وخلصت إلى أن “إيران هي بديل لروسيا يتمتع بالمصداقية”.

ومهما كانت مصداقية خيار إيران لتزويد أوروبا بالغاز، فإن عقبتين رئيسيتين من شأنهما أن تؤديا إلى تباطؤ دخول إيران إلى أسواق الغاز في أوروبا: أولاً الحاجة إلى إنتاج المزيد من الغاز، وثانياً الحاجة إلى بناء البنية التحتية اللازمة لنقله إلى أوروبا. ويقيناً، أن إيران تُعتبر منتجاً كبيراً للغاز الطبيعي، إذ تولد 160 مليار متر مكعب في العام، وهي الثالثة عالمياً بعد روسيا والولايات المتحدة فقط. ويشكل إنتاجها نحو 35 في المائة من الاستهلاك السنوي للغاز في الاتحاد الأوروبي. أضف إلى ذلك أيضاً أن إيران تملك احتياطات هائلة. إلا أن المثير للاهتمام هو أن الجمهورية الإسلامية هي من الدول المستوردة للغاز الصافي، وتستهلك كمية من الغاز الطبيعي أكبر من أي بلد آخر في العالم. ويعود جزئياً معدل استهلاك الغاز الطبيعي العالي في إيران إلى أسعار الغاز المنزلي المنخفضة للغاية وما ينتج عنها من كفاءة طاقة منخفضة. يُذكر أن إيران تستورد الغاز من تركمنستان وأذربيجان، بينما تصدر نسبة أقل بقليل إلى تركيا وأرمينيا.

وفي تركيا، أفادت مصادر في مجال صناعة الطاقة أن أنقرة تستعد لإقامة البنية التحتية لخط أنابيب يسمح بنقل الغاز الإيراني إلى أوروبا عندما يتم رفع العقوبات. بيد، أن إنتاج الغاز الطبيعي يتطلب استثمارات أكبر بكثير من إنتاج النفط، كما أن إبرام عقد تجهيز يستغرق عادة عدة سنوات. بالإضافة إلى ذلك، تبلغ تكلفة خطوط أنابيب تمتد مسافات طويلة أو تكلفة مرافق الغاز الطبيعي المسال، مليارات الدولارات – ولا يتم استرداد هذه التكاليف سوى على مدى سنوات عديدة. وبالتالي، لا يتم الاستخفاف بتنفيذ مثل هذه الاستثمارات. ووفقاً لذلك، وبعد إزالة العقوبات، قد يستغرق الأمر خمس سنوات على الأقل، وربما فترة أطول من ذلك بكثير، إلى أن تصل كميات كبيرة من الغاز الإيراني إلى الأسواق الأوروبية. يُشار إلى أن أوروبا ستتنافس أيضاً مع آسيا للحصول على صادرات الغاز الإيراني، وذلك لأن صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق الآسيوية المربحة قد تكون أكثر جاذبية لطهران من الأسواق الأوروبية. فإذا سعت إيران إلى بيع الغاز الطبيعي المسال إلى آسيا، يمكن لصادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال إلى المنطقة أن تواجه منافساً جديداً. ومع ذلك، قد يستغرق الأمر عقداً من الزمن تقريباً لكي يتبلور.

الأثر الجغرافي – السياسي

سيكون لرفع العقوبات عن صناعة النفط والغاز الإيرانية عدداً من التداعيات الجيوسياسية. فمن ناحية تصدير النفط على وجه الخصوص، ليس هناك شك في أن التأثير الأكثر قوة سيكون تصعيد التوترات مع المملكة العربية السعودية، بما في ذلك بشأن سياسة “منظمة الدول المصدرة للنفط” (“أوبك”). ومؤخراً، انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني صراحة المملكة العربية السعودية على ما يعتبره سياسة الرياض المتعمدة للإبقاء على انخفاض أسعار النفط، وهدد بأن “[السعوديين] سيعانون”.

وبالنسبة إلى الغاز، قد تتخذ روسيا اجراءات لمنع دخول طهران إلى الأسواق الأوروبية، تماماً كما فعلت في الماضي. ففي عام 2007، عندما افتتحت طهران إمدادات الغاز إلى دولة أرمينيا المجاورة، سارعت شركة “غازبروم” الروسية إلى شراء مشروع خط الأنابيب داخل أرمينيا وبنته ضمن محيط صغير لمنع استخدامه في المستقبل لنقل الغاز إلى الأسواق الأوروبية.

كما ويمكن لموسكو وطهران أن تجدا نفسيهما تتنافسان للحصول على حصة من سوق الغاز في تركيا المجاورة. وبما أن تركيا هي بالفعل ثاني أكبر سوق لروسيا بالنسبة لصادرات الغاز، فإن دور تركيا في استراتيجية روسيا لتصدير الغاز قد تصاعد مؤخراً مع تغيير الطريق الذي اقترحته روسيا في خط أنابيب التصدير “ساوث ستريم” من بلغاريا إلى تركيا.

وبشكل عام، فإن التعاون بين روسيا وإيران يقوم على أساس ضعيف، وإذا ما تم رفع العقوبات عن إيران وتضاءل صراعها مع الغرب، فإن العديد من قضايا التنافس الاستراتيجي بين طهران وموسكو ستعود وتظهر على السطح، بما في ذلك في مجال أسواق الغاز.

ومن الصراعات الأخرى المحتملة التي قد تنشأ بمجرد رفع العقوبات وعودة الحياة إلى قطاع صناعة الغاز الطبيعي الإيرانية، سيكون الصراع مع قطر على ترسيم حدود حقل “غاز الشمال/فارس الجنوبي” المشترك بين الدولتين. يُشار إلى أن حقل الغاز الطبيعي هذا هو أحد أكبر الحقول في العالم وأهم مصدر لصادرات قطر الضخمة من الغاز الطبيعي المسال، كما وأنه يشكل المنطقة الرئيسية التي تستثمر فيها إيران قدرات جديدة في مجالي الغاز والنفط. ويجدر بالذكر أن الصراع بين الدوحة وطهران على ترسيم هذه الحدود قد أُحبط إلى حد ما بسبب العقوبات – وبموازاة ذلك غياب الاستثمار في الإنتاج الإيراني في الحقل المتنازع عليه.

الخاتمة

إذا ما تمكنت الولايات المتحدة وشركاؤها من التوصل إلى اتفاق مع إيران، يجب على كافة الأطراف أن يدركوا العواقب المحتملة لعودة إيران إلى سوق النفط العالمي والغاز الإقليمي. إذ يمكن للتوترات أن تتصاعد على الفور مع منتجي الطاقة الآخرين، مثل روسيا والمملكة العربية السعودية وقطر. كما وسيزداد الهبوط الحاد في أسعار النفط العالمية. ولا بد من الإشارة إلى أن طهران قد تواجه صعوبات كبيرة في إيجاد أسواق للتوسع في الانتاج وجذب الاستثمارات اللازمة في مرافق إنتاج الغاز ونقله. ولكن على المدى الطويل، يمكن لتوسيع نطاق الإنتاج الإيراني أن يؤدي إلى المزيد من خيارات التوزيع لأسواق الغاز الأوروبية والآسيوية.

 معهد واشنطن

بريندا شافير، أخصائية في قضايا الطاقة الدولية، وتعمل حالياً باحثة زائرة في “مركز جامعة جورج تاون للدراسات الأوروبية  – الآسيوية والروسية وشرق أوروبا” (“سيريس”). وهي في إجازة من جامعة حيفا، حيث تعمل أستاذة في كلية العلوم السياسية في الجامعة.