الأشخاص ليسوا متطابقين سواء في طبائعهم وسماتهم، أو في مواقفهم ونظرتهم إلى الأمور. وينطبق ذلك على رؤساء الدول أو الحكومات، ومعاونيهم و وزرائهم. لذلك ليست جديدةً التباينات التي ظهرت مبكراً بين الرئيس دونالد ترامب وبعض أهم أعضاء فريق إدارته. لكن الجديد أنها تبدو أوسع نطاقاً منها بين رؤساء سابقين وأركان إداراتهم. فالرئيس الجديد يختلف عمن سبقوه في أنه قادم من خارج المؤسسة السياسية التقليدية. ومع ذلك كان عليه، عندما بدأ في تشكيل فريق إدارته، أن يختار الأقرب إليه من رجال هذه المؤسسة. كما أنه طرح في حملته الانتخابية مواقف غير مألوفة، وتعهد باتخاذ قرارات غير تقليدية.
ويُعد موقفه تجاه روسيا من أكثر المواقف التي تعبر عن تغيير واضح في السياسة التي انتهجها الرؤساء السابقون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد تحدث عنها كما لو أنها دولة صديقة، وأكد ضرورة تعزيز العلاقات معها، وعبر عن إعجاب برئيسها الذي يزهو بنجاحه في استغلال سياسة إدارة أوباما الانكفائية لترسيخ نفوذ موسكو في الشرق الأوسط، واستعادة دورها في شرق أوروبا.
لكن المواقف التي عبر عنها بعض أهم من اختارهم ترامب للعمل في المناصب الرئيسية في إدارته تختلف عن تصوره للعلاقة مع روسيا، الأمر الذي يثير التساؤل عن إمكانات الانسجام بينهم.
وإذا راجعنا مواقف الأربعة الكبار في مجال السياسة الخارجية والدفاعية، نجد أن الجنرال مايكل فلين مستشار الأمن القومي هو الوحيد الذي يشارك ترامب تصوره بشأن روسيا بشكل كامل. فهو يؤيد علاقات أقوى معها، ولا يرى في سياسة بوتين تهديداً للمصالح الأميركية، ويعتقد أن توسيع التعاون سيُعَّزز التفاهم بين الدولتين. وقد عبر عن هذا الموقف عبر تصريحات متعددة منذ تعيينه في أول ديسمبر الماضي، حيث أن منصبه لا يحتاج إلى تصديق مجلس الشيوخ، بخلاف وزيري الخارجية والدفاع ومدير وكالة المخابرات المركزية «سي آي إيه» الذين مثلوا أمام لجان هذا المجلس بين 9-11 يناير الجاري. وقد أظهرت إفاداتهم خلال جلسات الاستماع التي عُقدت لهم أمرين أساسيين: أولهما أن مواقفهم تجاه روسيا تتباين بدرجات مختلفة مع ترامب، كما مع بعضهم بعضاً. والثاني أن وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس أكثرهم تشدداً تجاه روسيا.
فقد وضع ماتيس روسيا على رأس لائحة القوى التي تهدد المصالح الأميركية، وأكد أن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة للتصدي لها عندما يكون ذلك ضرورياً. كما حذر من توسع نفوذ روسيا في بعض المناطق، ونبَّه إلى أهمية منعها من استغلال الفراغ في منطقة القطب الشمالي التي ستكون إحدى قضايا الصراع في العلاقات الدولية في السنوات القادمة.
ورغم أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون بدا معتدلاً في موقفه تجاه روسيا، فقد خالف التوقع الذي ذهب إلى أنه سيكون مجاملاً لها نظراً للصداقة التي ربطته ببوتين. فقد تبنى موقفاً أكثر تشدداً من فلين، لكنه مرن مقارنة بموقف ماتيس. وربما كانت علاقته المعروفة بروسيا وراء حرصه على تأكيد تبنيه سياسة حازمة تجاهها. لكن مجمل موقفه يجعله أكثر تشدداً من رئيسه. فقد ربط تعزيز العلاقات مع روسيا باحترامها المصالح الأميركية، وقال إن سياستها في الفترة الأخيرة تتعارض مع هذه المصالح. لكنه لم يشارك ماتيس موقفه الذي اعتبر روسيا التهديد الأكبر للمصالح الأميركية، واكتفى بالحديث عن خطر روسي عليها. كما أن حديثه عن «حق حلفائنا في الناتو في أن يقلقوا من توسع دور روسيا»، لم يرق إلى ما ذهب إليه ماتيس الذي حذّر من سعي بوتين إلى تفكيك هذا الحلف. لكن مدير المخابرات المركزية «مايك بومبيو» تبنى موقفاً أضعف من ماتيس وأقوى من تيلرسون بشأن روسيا، فلم يعتبرها التهديد الأكبر وإنما جعلها «في مقدمة لائحة التحديات في الفترة المقبلة» مستنداً إلى غزوها أوكرانيا واحتلالها القرم وتهديدها أوروبا وتوسيع نفوذها في سوريا دون أن تفعل شيئاً تقريباً لمواجهة «داعش».
ولا يخلو هذا التنوع في مواقف كبار أركان إدارة ترامب تجاه روسيا من تناقضات تبلغ ذروتها بين موقفي وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي. ويعني ذلك أن هذه الإدارة ستحتاج إلى بعض الوقت لبلورة سياسة واضحة تجاه روسيا في لحظة يتنامى فيها طموح بوتين إلى تجاوز الولايات المتحدة في إدارة صراعات الشرق الأوسط على نحو ما يحدث في سوريا الآن.
وحيد عبدالمجيد
صحيفة الاتحاد