تؤكد المعطيات على الأرض أن ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل يومين أمام مجلس حكومته المصغر (الكابينت) من أنه “سيرفع القيود” عن البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية لم يكن إلا ذرا للرماد بالعيون، كون الاستيطان لم يتوقف أصلا، بل ارتفع بوتيرة مخيفة خلال الفترة القليلة الماضية.
ويُجمع سياسيون ومسؤولون فلسطينيون تحدثت إليهم الجزيرة نت أن إسرائيل ماضية بالاستيطان بما يضمن منع دولة فلسطينية ويعزل الضفة داخل كنتونات، دون الاكتراث لموقف دولي أو رئيس جديد أو قديم لـ الولايات المتحدة الأميركية.
ويقول خليل التفكجي خبير الخرائط في جمعية الدراسات العربية بالقدس إن إسرائيل لا تتعامل بردات الفعل، وإن ما أعلن عنه من بناء للوحدات الاستيطانية مع تولي ترمب الرئاسة كان مطروحا ويسير قدما “دون العلن” وكله وفق مخططات كالقدس عام 2020 والضفة الغربية 1979 (مشروع نتنياهو دروبلس).
سياسة التفكيك
ويضيف التفكجي أن إسرائيل لا تمنع إقامة دولة فلسطينية فحسب، بل تنظر لتحويل السلطة الفلسطينية إلى قبائل وعشائر تتنافس فيما بينها، وتبقى على “علاقة ود” بإسرائيل وفق أحد سياسييها مردخاي كيدا.
ويشير الخبير الفلسطيني إلى أن إسرائيل تطرح أيضا ما يعرف بمخطط 5800 لعام 2050 لإقامة أكبر مطار بمنطقة البقيعة بالضفة الغربية لاستقبال 35 مليون مسافر و12 مليون سائح، إضافة لمشاريع استيطانية عديدة بالضفة والقدس كسكك الحديد وتوسيع وشق الشوارع وضم المستوطنات.
ولا يرى التفكجي معنى لقرار مجلس الأمن الأخير رقم 2334 الداعي لوقف الاستيطان، قائلا إن السلطة “تهلل وتطبل” له بالرغم من وجود قرارات أقوى منه لم تُطبَّق.
ويتوزع أكثر من 650 ألف مستوطن على 145 مستوطنة و116 بؤرة استيطانية بالضفة الغربية و15 مستوطنة بمدينة القدس.
عزل وكنتونات
من جهته، يرى المفكر الفلسطيني د. مصطفى البرغوثي أنه لا بد من استغلال قرار مجلس الأمن الأخير للرد على استمرار إسرائيل بالاستيطان، وإسناده بحركة المقاطعة وفرض العقوبات عليها.
وقال إن السلطة تدرك أننا لسنا بمرحلة حل أو مفاوضات، وإنما بحالة مواجهة وتصعيد للمقاومة الشعبية والمقاطعة لإسرائيل، وبالتالي عليها إنهاء الانقسام، وتوحيد الصف الوطني للتصدي لشأن لا يقل خطورة عن الاستيطان، وهو حديث نتنياهو عن “دولة ناقص” غير كاملة، والذي يؤكد بدء الترويج لفكرة “كنتونات ومعازل” بعيدا عن الدولة.
وبين البرغوثي أن الانحياز الأميركي لإسرائيل ليس جديدا وأن ما ينذر بالخطر هو “العناصر الصهيونية” التي اختارها ترمب بحكومته ويدعو بعضها إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، كزوج ابنته الذي ينوي تعيينه مبعوثا للشرق الأوسط، وديفد فريدمان السفير الأميركي بإسرائيل الذي طالب بضم أجزاء من الضفة لإسرائيل وشارك وتطوع بنشاطات استيطانية ودعمها ماليا.
ورغم ذلك، يؤكد البرغوثي أن العالم ليس مستباحا بالكامل لإسرائيل وأن على الفلسطينيين مواصلة النضال والضغط محليا ودوليا لتحقيق مطالبهم.
خيارات السلطة
وترى السلطة الفلسطينية -وفق رئيس هيئة الجدار والاستيطان الوزير وليد عساف- أن “الكوابح الدولية” ممثلة بقرار مجلس الأمن الأخير بشأن الاستيطان والموقفين الأميركي والدولي قادرة -إذا ما أريد لها ذلك- على التقليل من الاندفاع الاستيطاني الذي ينهي أي فرص للسلام.
وتذهب خيارات السلطة السياسية لمطالبة الدول التي تبنت قرار مجلس الأمن رقم 2334 بالضغط على إسرائيل لوقف عدوانها ومقاضاتها دوليا، باعتبار الاستيطان جريمة حرب، أما على الأرض فتدعو لاستمرار المقاومة الشعبية تاركة الباب مواربا لـ “المقاومة بكافة أشكالها” والمكفولة وفق القانون الدولي ردا على تصعيد الاحتلال.
ويؤكد عساف أن تراجع إسرائيل عن سياسات الاستيطان والهدم والتهجير للفلسطينيين وتقسيم المسجد الأقصى “هو الذي يضمن وقف المقاومة غير الشعبية”.
يُذكر أن إسرائيل صادقت خلال 2016 على بناء 2600 وحدة استيطانية بالقدس، وشيدت أكثر من ثلاثة آلاف وحدة أخرى، وبالضفة لم يتوقف البناء الاستيطاني، وحولت إسرائيل 15 بؤرة لمستوطنات كبيرة.
عاطف دغلس
الجزيرة