انطلق في العاصمة الاردنية عمان امس السبت أعمال مؤتمر (نحو استراتيجية شاملة لمحاربة التطرف..فرص التوافق الوطني وتحدياته” تحت رعاية رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور.
وقال النسور – فى كلمته الافتتاحية للمؤتمرالذى ينظمه مركز القدس للدراسات السياسية الذى بدأ بالوقوف دقيقة صمت على روح الشهيد الطيار معاذ الكساسبة – “إن ظاهرة التطرف والإرهاب برزت على الساحة العربية والإسلامية بشكل خاص والدولية بشكل عام كطابع مميز ومؤثر فى مجريات الأحداث وتسببا فى تدهور واضطراب سياسى فى المنطقة”..لافتا إلى أن المتطرفين باتوا يصدرون أحكاما بالكفر ويستبيحون الدماء ويعيثون فى الأرض فسادا وهو ما يتطلب الكشف عن جذورهم لإنهاء هذا السلوك المتعصب.
واكد النسور إن حكومته بدأت منذ وقت قريب في تنفيذ خطة إستراتيجية شاملة لمحاربة الإرهاب والتطرف.
وأضاف رئيس الوزراء الاردني أن أولى هذه الخطوات هي إعادة النظر بقطاع التربية والتعليم من خلال المناهج الدراسية وتأهيل المعلمين، بالإضافة إلى قطاع الأوقاف وتأهيل الأئمة والوعاظ والإرتقاء بمستوى الخطاب الديني لما له من تأثير على المجتمع، في مواجهة الفكر المتطرف الذي تشكله التنظيمات الإرهابية والمتطرفة من أعمال إجرامية ضد الإسلام الحنيف والبشرية.
وأشار النسور إلى أن أسباب إنتشار الفكر المتطرف يكمن في إنتشار الجهل بحقيقة الدين، ومفاهيمه وغياب دور العلماء الوسطيين لحساب الأصوات العالية المتطرفة وضعف دور المؤسسة الدينية الرسمية، وضعف مستوى العاملين في المساجد، وإنتشار بعض المفاهيم المغلوطة للقيم الإسلامية وإخراجها عن سياقها الطبيعي كالخلافة والجهاد والحاكمية.
واوضح النسور أن الظروف الإقتصادية الصعبة التي تعيشها معظم المنطقة العربية والإسلامية، وإنتشار الفقر والبطالة، بالإضافة إلى الظروف السياسية المحيطة والإحباطات المتتالية، والفشل المزمن في حل القضية الفلسطينية التي تعد جوهر الصراع في العالم، تعد أيضا من أسباب التطرف والإرهاب في المنطقة.
وتابع “رغم أن الأردن ينعم بنعمتي الأمن والإستقرار إلا أن هذه المخاطر لم تعد بعيدة عنا”، مشيراً إلى أن “المملكة بادرت بالوقوف في وجهها دفاعاً عن الوطن والأمة والإنسانية، ومن هنا كان قرار القيادة للمشاركة مع المجتمع الدولي لمحاربة الظاهرة ومحاربتها”.
وعن موقف الأردن من المهجرين المسيحيين فى العراق..قال رئيس الوزراء الأردنى “إن المملكة سمحت للمهجرين المسيحيين من العراق بالدخول إلى أراضيها فكان لهم ما لجميع إخوانهم اللاجئين”..مضيفا أن الأردن “ليس دولة علمانية ولا دينية بل مدنية ديمقراطية”، موضحا أن للدين الإسلامى مكانته المحترمة والفاعلة كما أن للدين المسيحى مكانته الإيمانية.
من جانبه، قال وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية هايل داود إن الركن الأساسي في إستراتيجية المملكة في مكافحة الفكر المتطرف ومحاسبته هو الإلتفات إلى وزارة الإوقاف والعاملين فيها من الأئمة والخطباء وتوجيههم بالقضايا الرئيسة في المجتمع، ومحاربة الفكر المتطرف، وتبين المعاني الحقيقية لبعض المفاهيم التي يتكأ عليها الإرهابين لحشد الشباب حولهم مثل الجهاد والحاكمية والخلافة.
مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي قال في كلمة له إن فكرة تنظيم المؤتمر، قد انبثقت من قراءة دقيقة للتحديات التي تواجه بلادنا والإقليم من حولنا، مع اشتداد هبوب رياح التطرف والغلو، وتفاقم التهديد الإرهابي الذي يعصف بدول ومجتمعات شقيقة من حولنا.
واضاف الرنتاوي إن فكرة تنظيم المؤتمر وإن كانت سابقة للجريمة النكراء التي أودت بحياة الشهيد النقيب الطيار معاذ الكساسبة، إلا أنها باتت تكتسب أهمية إضافية بعدها.
وبيًن ان الأردن اليوم، منخرط في حرب شاملة، متعددة المسارات والمستويات، مع التطرف والغلو والإرهاب، وواجبنا جميعاً، أن ننهض كل من موقعه، وبقدر استطاعته، بمهامنا ومسؤولياتنا بثبات، لضمان الانتصِر في هذه الحرب المديدة والمريرة.
واشار الى ان التطرف والإرهاب، كمتلازمتين، لكن غالباً ما يذهب الحديث صوب التطرف الديني، مع أن الحاجة تقتضي التمييز بدقة بين الأمرين، فليس كل متطرف إرهابياً، مع أن كل إرهابي هو متطرف بالتعريف، مشيرا الى ان التطرف في حالة الإرهاب، هو انتقال من دائرة الاعتقاد إلى دائرة السلوك الإجرامي، وهنا يأتي دور المعالجات الأمنية، لفرض سيادة القانون وحفظ حقوق المواطنين والمكونات المختلفة، وتكريس هيبة الدولة وسلطانها.
ونوه الرنتاوي الى ان الملك عبد الله الثاني بن الحسين، كان شديد الوضوح في حديثه عن أنماط المعالجات المختلفة لظاهرة التطرف والإرهاب. وقال: ثمة حلولا أمنية وأخرى عسكرية، لحفظ أمن الأوطان والمواطنين وسلامتهم، وثمة معالجات فكرية وإيديولوجية، تبدأ بالبيت والمدرسة ولا تنتهي بالجامعات والمعاهد وفضاءات الإعلام والثقافة والفنون والمنظومة التشريعية والمؤسسية للدولة بمختلف مؤسساتها.
وقال إن الدراسات اثبتت أن انعدام العدالة في توزيع الدخل والثروة، وتفشي مظاهر الفساد والإفساد، واتساع جيوب الفقر والبطالة، وتفاقم الإحساس بالتهميش الاقتصادي والاجتماعي، هي وصفات جاهزة لشيوع التطرف وتنامي خطر الإرهاب، مشيرا الى وقوف المؤتمر عن هذه العناوين العامة، سيما وان الحكومة بصدد وضع اللمسات الأخيرة على استراتيجية الأردن 2025.
وأكد على أن أي استراتيجية لمحاربة التطرف والغلو والإرهاب، يجب أن تخاطب الأجيال القادمة من أبنائنا وبناتنا داعيا الى ثورة في المناهج وأساليب التربية والتعليم.
وقال إن المراجعة المطلوبة لا يجب أن تقتصر على تنقيح المناهج مما علق فيها فحسب، بل وتضمينها لما تفتقر إليه من مقررات مدنية وثقافية وفلسفية، ومن تعريف بالمنجز الإنساني.
واضاف استراتيجية محاربة الإرهاب، يجب أن تولي اهتماماً استثنائياً، لتجديد الخطاب الديني، وإحداث أوسع عملية إصلاح لمؤسسات الوعظ والإرشاد، وإخضاع ألوف الأئمة لمزيد من التأهيل والتدريب، فلا يجوز بحال ترك آلاف المسجد ومئات ألوف المؤمنين نهباً للجهل وفقهاء الظلام وثقافة التحريض والكراهية.
واكد على ان التطرف والغلو والإرهاب، ظواهر غريبة على مجتمعاتنا وقيمنا وتقاليدنا، لكن الصحيح كذلك، أن محاربة هذه الظواهر، تملي إجراء أعمق المراجعات لهذا الموروث، ونزع القداسة عمّا هو غير مقدس منه، والانفتاح على الموروث الإنساني الأوسع، الثري بتعدد أديانه وثقافاته وحضاراته، وبمعاييره الإنسانية التي توافقت عليها البشرية جمعاء، فقد آن أوان الخروج من الشرنقة التي يُراد إطفاؤنا فيها.
وتناقش جلسات المؤتمر الذي يشارك فيه نخبة من الشخصيات الرسمية والحزبية والأكاديمية والخبراء، يستمر ثلاثة أيام، عدداً من المحاور المتعلقة بمكافحة الإرهاب من بينها التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي كأداة لمحاربة التطرف، وتجديد الخطاب الديني، والسياسات الأمنية، والعنف المجتمعي، وسيادة القانون، ودور الحركات والتيارات الاسلامية في محاربة التطرف.
اعداد / عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية