بعد أن توجهت الأنظار نحو أستانة، في انتظار ما يسفر عنه المؤتمر الخاص بالأزمة في سوريا، من وقف لإطلاق النار وحل سلمي، إلا أن القضية الجدلية، التي أفرزها المؤتمر، كانت دستور سوريا الجديد، بيد روسيا.
حيث اقترحت موسكو على ممثلي المعارضة في أستانة، مشروع دستور قامت بإعداده، إلا أن مصدرًا في المعارضة، أكد أن الاقتراح تم رفضه، وأن المعارضة لا تريد التباحث بشأنه.
وأعلن موفد الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، أن خبراء روسا أعدوا مسودة دستور لسوريا، وأن الفصائل المعارضة السورية المشاركة في مفاوضات أستانة، تسلمت نسخة منها.
الدستور الجديد
جاء فى البند الأول من المادة الأولى لمسودة المشروع “تكون الجمهورية السورية دولة مستقلة ذات سيادة وديموقراطية، تعتمد على أولوية القانون، ومساواة الجميع أمام القانون، والتضامن الاجتماعي، واحترام الحقوق والحريات، ومساواة الحقوق والحريات لكافة المواطنين، دون أي فرق وامتياز”.
وأشار البند الثالث من نفس المادة، “بصفة التراث الوطني، الذي يعزز الوحدة الوطنية، يتم ضمان التنوع الثقافي للمجتمع السوري”.
كما اقترحت المسودة الروسية لمشروع الدستور السوري الجديد، جعل تغيير حدود الدولة ممكنًا عبر الاستفتاء العام، واعتبار اللغتين العربية والكردية متساويتين، في أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردى ومنظماته.
وجاء في البند الثاني من المادة التاسعة لمسودة المشروع ، “أراضي سوريا غير قابلة للتفرط، ولا يجوز تغيير حدود الدولة، إلا عن طريق الاستفتاء العام، الذي يتم تنظيمه بين كافة مواطني سوريا، وعلى أساس إرادة الشعب السوري”.
وجاء في البند الثاني من المادة الرابعة “تستخدم أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته، اللغتين العربية والكردية، كلغتين متساويتين.”
عسكريًا، حافظ مشروع الدستور الروسي لسوريا على قيادة الجيش والقوات المسلحة في قبضة رئيس الجمهورية، على أن يبلغ جمعيتي الشعب والمناطق، بقرارات السلم والحرب، ويحق له “إعلان التعبئة العامة، بعد موافقة جمعية المناطق عليها، ويحتاج أيضًا موافقة جمعية المناطق لإعلان حالة الطوارئ”، وفي حال شغور منصب رئيس الجمهورية، أو عجزه عن تأدية مهامه، تتولى “جمعية المناطق” مهامه، بعد ثبات عجز رئيس الوزراء في ذلك.
تنحية الرئيس
من أبزر ما تضمنه مسودة مشروع روسيا للدستور السوري، كان إسناد مهام إقرار وتنحية الرئيس إلى “جمعية الشعب”.
وجاء بالمسودة “تتولى جمعية الشعب الاختصاصات الآتية: إقرار مسائل الحرب والسلام، وتنحية رئيس الجمهورية من المنصب، وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وتعيين رئيس البنك الوطني السوري وإقالته من المنصب،” لافتة إلى أن “الدستور الحالي لا يمنح البرلمان هذه الصلاحيات.”
ونص الدستور على تغيير مسمى البرلمان من “مجلس الشعب” إلى “جمعية الشعب”. لكن “المسودة لم تشر إلى حقّ رئيس الجمهورية بحلّ المجلس النيابي، وتعيين نائب رئيس له، وذلك بخلاف ما هو مستقر في الدستور الراهن.”
وأبقت المسودة الروسية لمشروع الدستور السورى على مدة ولاية رئيس الجمهورية والمحددة بسبعة سنوات، مع إمكانية الانتخاب لولاية تالية.
وجاء في البند الأول والثاني من المادة 49 لمسودة المشروع “ينتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية، من قبل مواطني سوريا، انتخابًا عامًا ومتساويًا ومباشرًا وسريًا، لا يجوز إعادة انتخاب نفس الشخص إلى منصب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية”
بلا عروبة
اقترحت المسودة الروسية إزالة العبارات التي تشير إلى عروبة الجمهورية السورية، واستبدالها بمصطلحات تشدد على ضمان التنوع في المجتمع السوري.. على أن يتم حذف كلمة “العربية” من تعريف الدولة، ليصبح “الجمهورية السورية”.
الهوية الإسلامية
برز في المسودة الأولى للدستور الروسي لسوريا، الذي نشر العام الماضي، إسقاط بند ديانة رئيس الجمهورية، كذلك إلغاء بند الإسلام مصدرًا رئيسيًا للتشريع. ويضاف إليهما، إلغاء اسم الجلالة من القسم، الذي يؤديه رئيس الجمهورية، أو بقية السلطات، الواجب قسمها لدى توليها منصبًا ما، فيصبح القسم بالدستور الجديد، هو “أقسم”، عوضًا من أقسم بالله.
ويكون القسم كالتالي “أقسم أن ألتزم بدستور البلاد وقوانينها، وأن أحترم وأحمي حقوق وحريات الإنسان والمواطن، وأن أدافع عن سيادة الوطن واستقلاله وسلامة أرضه، وأن أتصرّف دائمًا وفقٌا لمصالح الشعب”.
رد االمعارضة
انقسمت المعارضة بين رافضين بشكل تام، حتى لمناقشة وزير الخارجية الروسي في المسودة بشكل عام، بينما اجتمع عدد آخر مع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الجمعة، معلنين نيتهم تشكيل فرق معنية، لإطلاق العمل على صياغة دستور سوري جديد.
وقال بيان صدر عن وزارة الخارجية الروسية، إن الاجتماع الذي أجري في موسكو، جاء بمشاركة عضو “مجموعة موسكو” للمعارضة السورية، القيادي في “الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير” قدري جميل، وعضو “مجموعة أستانا” للمعارضة السورية، رئيس “حركة المجتمع التعددي” رندة قسيس، والعضوين في “مجموعة القاهرة” للمعارضة جهاد مقدسي وجمال سليمان، والمنسق العام لـ”هيئة التنسيق الوطنية السورية” والعضو في “الهيئة العليا للمفاوضات” حسن عبد العظيم، ورئيس مجموعة “حميميم” للمعارضة، إليان مسعد، والعضوين في “حزب التحالف الديمقراطي” الكردي السوري، خالد عيسى وعلي عبد السلام، وزعيم تيار “بناء الدولة”، لؤي حسين، وزعيم حزب “الإرادة الشعبية”، علاء عرفات.
وأشار البيان إلى أنَّ المشاركين في الاجتماع اطلعوا على مشروع الدستور السوري الجديد، الذي أعده خبراء روس وعرب، وتم توزيعه من قبل الوفد الروسي في أستانة.
وجاء في البيان، أن المعارضين السوريين، الذين شاركوا في الاجتماع مع لافروف، أعربوا عن نيتهم تشكيل فريق عمل لدراسة القضايا المتعلقة بصياغة الدستور السوري، وتكوين وفد موحد للمعارضة إلى الجولة المقبلة من المفاوضات، بين الأطراف السورية في جنيف، برعاية الأمم المتحدة.
موسكو ترد على الشكوك
أكدت موسكو أنه لا أساس لقلق المعارضة السورية من المسودة الروسية لمشروع الدستور، نافية أن يكون الحديث يدور عن تكرار تجربة بول بريمر في العراق.
وأشارت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، في مؤتمرها الصحفي الأسبوعي، إلى تصريحات ليحيى العريضي، الذي حضر مفاوضات أستانا كمستشار سياسي لوفد المعارضة السورية المسلحة، مثل الهيئة العليا للمفاوضات، زعم فيها أن روسيا تحاول فرض دستور خاص بها على سوريا، وتسير في طريق رئيس إدارة الاحتلال الأمريكي في العراق، بول بريمر، في العامين 2003-2004.
وتابعت زاخاروفا قائلة: “إننا لا نتفق مع مثل هذه التقييمات قطعيا. فروسيا لا تحاول فرض شروط للتسوية أو قانون أساسي جديد على السوريين. ننطلق من أن الشعب السوري يجب أن يحدد مستقبل سوريا بنفسه. ونبذل كل ما في وسعنا لتطبيق هذا الموقف، لأن السوريين وحدهم، قادرون على الحفاظ على وطنهم، كدولة موحدة ذات سيادة، متعددة الإثنيات والطوائف”.
الدبلوماسية الروسية ذكّرت بأن الجانب الروسي أوضح مرارا أن الهدف من وراء خطوته هذه تحفيز الحوار السياسي السوري السوري، في إطار تنفيذ القرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وأعادت إلى الأذهان أن هذا القرار ينص على ضرورة وضع دستور جديد لسوريا.
واستطردت، قائلة: “إننا لا نحاول فرض قرار خاص بنا، إنما ندعو الأطراف السورية إلى الشروع في العمل الصعب، لإعداد هذا القانون الأساسي”.
ونفت أن تكون بنود المسودة الروسية “اقتراحات”، موضحة أن الحديث يدور عن قائمة أسئلة تطرحها روسيا على السوريين، لكي يجدوا أجوبتهم عن هذه الأسئلة بأنفسهم.
وفي معرض إجابتها عن سؤال بشأن ما جاء في المسودة، بخصوص إمكانية منح أكراد سوريا الحكم الذاتي، شددت زاخاروفا على أن ذلك أيضا لا يعد اقتراحًا، بل تساؤلًا تطرحه موسكو لبدء المناقشة حول الموضوع.
وأوضحت أن الخبراء الروس طرحوا، في هذه الوثيقة، خيارات مختلفة تعتمد على الأسس القانونية الدولية للتسوية السورية، التي سُجّلت في قرارات مجلس الأمن الدولي، وقرارات مجموعة دعم سوريا، والوثائق الصادرة عن مختلف أطياف المعارضة السورية، بينها قوائم “موسكو” و”القاهرة” و”الرياض”.
وأكدت حق السوريين في أن يقبلوا ما جاء في المسودة الروسية أو يرفضوه. وتابعت: “إننا لا ننوي الدخول في جدال معهم، فيما يخص هذه المسائل السيادية، بالنسبة لسوريا”.
وأوضحت زاخاروفا أن موسكو لا تريد أن تتحول عملية وضع دستور سوريا الجديد، إلى خطاب غير مسؤول لا نهاية له، أو إلى ساحة لاستعراض الطموحات الشخصية، وعرقلة العملية السياسية برمتها.
وشددت على أن الوقت حان للشروع في صياغة دستور سوريا، لكي يرى الشعب آفاق الحركة إلى السلام.
ولفتت قائلة: “لقد تم توفير الظروف لمثل هذا العمل. وتم إحلال نظام وقف إطلاق النار، ووضع حد لسفك دماء الأشقاء. ونأمل في أن يؤكد الطرفان –الحكومة ومختلف أطياف المعارضة– عمليا، عدم وجود أي بديل للتسوية السياسية في سوريا، واستعدادهما للسير نحو هذه التسوية، فعلا لا قولا”.
كما أكدت زاخاروفا الموقف الروسي المبدئي القائل بضرورة إشراك ممثلين عن أكراد سوريا في عملية المفاوضات بجنيف.
ودافع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، عن مشروع الدستور، مضيفا أنه “من غير الصحيح مقارنة مشروع الدستور الروسي لسوريا، بالدستور الأمريكي للعراق”، مؤكدا أن موسكو لا تحاول فرض اقتراحاتها على أحد.
وتابع “هذا موقف غير صحيح للغاية، لأن الحديث في العراق دار عن المحتلين، الذين وضعوا دستورا وفرضوه على الشعب العراقي، دون إمكانية التوصل إلى أي حل وسط”.
واعتبر أن مشروع الدستور، الذي اقترحته موسكو، سيساعد على تطوير النقاش والحوار، مضيفا أنه محاولة لجمع وتحديد النقاط المشتركة، بين مواقف دمشق والمعارضة السورية، على مدار السنوات الأخيرة.
تكذيب بشار
ظهور مسودة القانون الروسي وتوزيعها في أستانة، يكذب رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي أنكر أكثر من مرة وجود مثل ذلك الدستور الروسي لسوريا، قاطعاً بأنه لم يعرض عليه أي مسودة من هذا القبيل.
في الوقت الذي أكدت إيران وجود مسودة الدستور الروسي، وساهموا باقتراح تعديلات جوهرية فيه.
وكانت مسودة أولى للمشروع، ظهرت أواسط عام 2016، وتسربت إلى وسائل الإعلام حينها.
زوبعة إعلامية
من جانبه، رأى عضو مجلس الشعب ونقيب المحامين في سوريا، نزار إسكيف، أن ما يثار عن مسودة دستور سوري جديد قدمته روسيا، مجرد “زوبعة إعلامية لا أكثر ولا أقل”، مشدداً في حديث لموقع “الجديد” على أن “أي دستور جديد يشرع لسوريا، يجب أن يحظى بموافقة الشعب السوري أولاً وأخيرًا، على اعتباره يمثل عقدًا اجتماعيا وسياسيًا وقانونيًا ينظم الحياة في البلاد”.
أضاف “لا يحق لأي أحد أن يضع دستورًا للبلاد، إلا الشعب السوري”، موضحاً أن “أي دستور لا يضعه السوريون أنفسهم، سيسقط”، معيدًا إلى الأذهان تجربة فرنسا، إبّان الانتداب على سوريا بين عامي 1920 و1946، الذي قال إنها عجزت عن وضع دستور إلا بمساعدة وموافقة السوريين أنفسهم، وتابع الحديث عن مسودة أو تسريبات ليس له أي قيمة على جميع المستويات، سواء السياسية، أو القانونية أو حتى الاجتماعية”.
سابقة دولية
من جانبه، رأى سلمان الدوسري، رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط السابق، أن ما فعلته روسيا بتقديم مسودة دستور جديد لسوريا، يحل محل الدستور الحالي الصادر في 2012، سابقة دولية، تؤسس لنوع جديد من الدساتير المفروضة من الخارج.
وأكد في مقال له بعنوان “دستور سوريا روسي”، أن روسيا، التي يعتبرها جزء كبير من السوريين والعالم دولة محتلة، تبحث بأي طريقة لإبقاء هيمنتها على سوريا، والحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية.
صياغة الدستور السوري، من قبل أي طرف خارجي، لا يساهم في حل الأزمة، التي ربما ترى بصيصًا من النور في آستانة، بقدر ما يعقد المباحثات، التي عاد إليها بعض من الحياة، بحسب الدوسري، الذي أكد أن الدستور الروسي يعد انتكاسة للموقف الروسي، الذي يسعى لترويج نفسه بأنه قوة عظمى، قادرة على جمع الأطراف السورية على طاولة المباحثات السياسية، بجانب أن موسكو لا تحترم بذلك الدولة السورية، وهو نفس التعبير الذي استخدمه مصدر روسي منتصف العام الماضي، نافيًا أن تكون بلاده قدمت مشروع دستور إلى سوريا.
هند بشندي
التقرير