بعد مقابلة أجراها جيرمي بوين محرر شؤون الشرق الأوسط في هيئة الإذاعة البريطانية مع بشار الأسد في شهر فبراير/شباط الحالي، نشرت صحيفة التليجراف في 14 فبراير مقالًا بعنوان “يومي مع الديكتاتور”، والذي يرصد فيه جيرمي بوين وقائع وتفاصيل اللقاء الذي جمعه مع بشار الأسد والمحاور التي تناولها اللقاء، حيث استقبله الأخير في ملحق ضيافة خاص بالقصر الرئاسي في دمشق، والذي يبدو للوهلة الأولى أنه بمعزل عما يجري في باقي المدينة، ولكن هذا غير حقيقي على حد قول بوين. وقد مارس بشار الأسد خلال اللقاء شتى الأكاذيب المعتادة منذ قيام الثورة السورية وحتى الآن، والتي لا ينفك يرددها الحكام العرب جميعًا، من محاربة الإرهاب، واتهام المعارضة بممارسة العنف المسلح وقتل المدنيين، بالإضافة إلى نفيه استخدام الجيش السوري للبراميل المتفجرة مما أثار تعجب جيرمي بوين ودفعه للتساؤل في مقال له على موقع الـ BBC:
http://www.youtube.com/watch?v=6kDzjQD9fTk
كيف ينظر بشار الأسد إلى الحرب الأهلية في سوريا؟
“متخوف كاذب أم رئيس يحارب من أجل مصالح أفضل بلاده؟ في حين تدخل سوريا عامها الخامس من الصراع، ما هو حجم المسؤولية التي يعتقد الرئيس بشار الأسد أنه يضطلع بها تجاه أزمة بلاده؟”.
لقد كنت أتساءل: لماذا قال لي بشار الأسد شيئًا لم يكن صحيحًا على الإطلاق؟
في المقابلة الشخصية التي أجريناها في دمشق لهيئة الـ BBC، سألته عن أمر البراميل المتفجرة التي ألقتها القوات المسلحة السورية على المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وهي مناطق يعيش فيها المدنيون أيضًا. وتحتوي هذه البراميل على مجموعة متنوعة من المواد المتفجرة والمقذوفات القاتلة، فقال الأسد إن مسألة البراميل المتفجرة التي تقتل المدنيين ما هي إلا حماقة صبيانية.
ولكن هناك الكثير من مقاطع الفيديو التي توضح البراميل المتفجرة في حالة سقوطها وانفجارها. ويمكنك مشاهدة بعض هذه الفيديوهات على على موقع الـ BBC، وهناك الكثير من الشهادات التي أدلى بها شهود عيان.
ومثل أناس كثيرين آخرين، فقد رأيت آثار الهجمات بنفسي في دوما، وهي مدينة في ريف دمشق يسيطر عليها الثوار، حيث دمرت الانفجارات عمارتين تقعان عكس بعضهما على جانبي شارع سكني.
تسقط البراميل المتفجرة بشكل عشوائي غير موجه، مما يجعلها سلاحًا عشوائيًا لا يميّز بين أحد، بينما ينص القانون الدولي أنه يجب على الأطراف المتحاربة القيام بما في وسعهم لحماية أرواح المدنيين. والقيام بإلقاء براميل متفجرة غير موجهة لا تعد محاولة جادة لحماية المدنيين.
قد أشار الأسد، وبالطبع كان محقًا، إلى أن الثوار يهاجمون الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة ويقومون عادة بقتل المدنيين دون تمييز. وقال إن الموت يأتي مع الحرب. ونقول نحن مرةً أخرى: إن تساوي الطرفين في القيام بالشيء الخاطئ لا يجعل الأمر مشروعًا، وكل ما يرمي إليه القانون الدولي هو تنظيم استخدام القوة من أجل حماية غير المقاتلين.
وربما كانت تصريحات الأسد حول البراميل المتفجرة موجهة إلى أنصاره في الداخل، حيث كان يعلم أن المقابلة سوف تذاع على شاشة التلفاز السوري، بالإضافة إلى الـ BBC. وربما لا يكترث بأن تصريحاته سوف تُقابل بشيء -كما أسميه بطريقة مهذبة- من “الشك” خارج سوريا. وبشار الأسد نفسه هو شخص ودود، ومهذب للغاية.
ربما يصدق الأسد ما يقوله، وربما يصدق جنرالاته عندما يخبرونه أنهم لا يقتلون المدنيين، وربما هو شخص كاذب، أنا لا أعلم.. فكل هذا مجرد تخمين.
ومنذ أن ورث الحكم عن أبيه حافظ الأسد في عام 2000، قضى الكثير من الدبلوماسيين، والصحفيين، وكل أحد مهتم بالشأن السوري، وقتًا طويلًا في محاولة اكتشاف بشار الأسد؛ حيث دار محور الكثير من الأسئلة على مدار الخمسة عشر عامًا الأخيرة حول قضية مركزية واحدة وهي: هل بشار الأسد هو المسؤول حقًا؟
وفي مستهل فترة رئاسته، تابع بشار الأسد العمل الشاق؛ حيث كان والده رجلًا ملفتًا للنظر وصلبًا، وقد نشأ في أسرة فقيرة، وارتقى إلى السلطة كجزء من اللجنة العسكرية في عام 1963 من خلال القوات الجوية وحزب البعث. وفي عام 1970، أصبح مسؤولًا عن البلاد.
ولم تشهد سوريا استقرارًا منذ نهاية حكم الاستعمار الفرنسي في الأربعينيات، حيث أخذت في التأرجح من انقلاب إلى آخر، ولكن عندما حان وقت وفاته، استطاع حافظ الأسد أن يمرر السلطة إلى ابنه، ولم يكن هو الابن الذي تم إعداده لشغل هذا المنصب؛ حيث كان من المفترض أن يخلُف أخوه الأكبر باسل الأسد أباه، ولكنه توفي في حادث سيارة عام 1994 عندما كان يقود سيارته بسرعة كبيرة في الضباب في طريقه إلى مطار دمشق. وقد كان باسل ضابطًا وسيمًا وفارسًا بارزًا وقائدًا لحرس والده الشخصي.
وكان بشار طبيبًا، وليس عسكريًا، وعندما جاء إلى السلطة، جاء تحت مظلة أخيه الأكبر بالإضافة إلى أبيه. ولم تكن السلطة لتنتقل إليه بمثل هذه الطريقة لولا أن هناك مساعدين موثوق بهم؛ لذلك، كانت هناك تساؤلات خلال سنوات حكمه الأولى عما إذا كان هو من يصنع القرار، أم أنه كان لعبة في يد رفقاء والده القدامى.
وقد تحدث بشار عن الإصلاح، ويبدو أنه قد نسي الماضي. فقد حاول زعماء غربيون التودد إليه؛ حيث فكر توني بلير في منحه لقب فارس فخري ولكن الرئيس الأسد عاند ولم يتوقف عن معارضته لإسرائيل ودعمه لأعدائها.
أعتقد أن بشار يدرك جيدًا ما يقوم به. سوريا هي شأن عائلة الأسد، وورِث هو رئاستها. ولكنه يحكم بواسطة اتخاذ الرأي المجمع عليه من باقي العائلة والأصدقاء المقربين. ومما قاله لي، فإن أفضل تخمين بالنسبة لي هو أن بشار الأسد يعتقد بشدة أنه يحارب من أجل بقاء كل ما يعني شيئًا بالنسبة له، والبشر يمكن أن يستخدموا هذا الفكر من أجل تبرير الصفقات الكبيرة.
ولا أعتقد أنه يكترث بما ينظر به باقي العالم إليه.
البي بي سي – التليجراف (التقرير)