لم يغب موضوع الحدود عن الجدل السياسي العالمي، كي يعاد تناوله هذه الأيام وفق تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي أكد فيها على أن “دولة بلا حدود ليست دولة”، لكن المراقبين السياسيين والعسكريين وحتى خبراء الجغرافيا يتساءلون عن أي مفهوم للحدود يتحدث ترامب؟ وهو عازم على بناء سور حدودي فاصل مع المكسيك لمنع تدفق المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وجدران أمنية داخل المطارات لمنع وصول اللاجئين من الدول المضطربة كسوريا والعراق وليبيا وأفغانستان والصومال وإيران والسودان.
وسبق بالفعل للولايات المتحدة الأميركية أن بنت جدارا طوله 1000 كلم بينها وبين المكسيك في الفترة الممتدة من 2006 إلى 2010، لمنع الهجرة غير الشرعية والاتّجار بالمخدرات، وقد زود هذا الجدار المسمى الجدار الحدودي بأضواء كاشفة وكاميرات مراقبة.
ويبرر ترامب سياسته هذه بضرورة الحد من التعرض لهجمات إرهابية قد يقوم بها لاجئون قادمون من مناطق الصراع في الشرق الأوسط. وصفا خلال حملته الانتخابية قرار المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، باستقبال أكثر من مليون مهاجر في بلادها، بأنه “خطأ كارثي” على الاتحاد الأوروبي.
ووصل أكثر من مليون لاجئ ومهاجر -فروا بالأساس من الحرب في سوريا- إلى أوروبا في 2015. ورغم أن ذلك العدد قليل للغاية إذا قورن بسكان الاتحاد الذين يبلغ عددهم 500 مليون، فإنه تسبب في خلافات مريرة بين دول الاتحاد بشأن كيفية تلبية حاجاتهم.
وصمم الاتحاد الأوروبي على الحد من هذه التدفقات، ويعرض على نحو متزايد أموالا ومساعدات أخرى للدول الأفريقية التي يأتي منها أو يعبرها هؤلاء المهاجرون لمنعهم من التوجه إلى أوروبا.
وعادة ما يتخذ المهاجرون من دول ومناطق أفريقية كالساحل الليبي طريقا للتوجه إلى أوروبا مستغلين الفوضى الأمنية والسياسية التي تعمّ البلاد التي خيروا الانطلاق منها إلى الضفة الشمالية.
إهمال سوريا سينقلب على أوروبا، لأن الأجيال العربية والمسلمة المقبلة سوف تسأل الأوروبيين لماذا لم يبذلوا المزيد من الجهد لمساعدة أمة يبيدها جيش الدكتاتور وحلفاؤه
وفي الحقيقة مفهوم الحدود ليس جديدا على التاريخ السياسي المعاصر، فالذاكرة مازالت غضة، وبإمكانها أن تستعيد بيسر أحداث جدار برلين الذي هدمه الألمان نهاية تسعينات القرن الماضي من أجل الوحدة.
ولدى سقوط جدار برلين قبل ربع قرن، كان عدد الجدران التي تحمي الحدود ستة عشر. وفي 2016، أحصت الباحثة إليزابيت فاليه من جامعة كيبيك، 66 جدارا بنيت لردع المهاجرين ولأسباب أمنية أيضا.
وأحاطت إسبانيا حدود مدينتَيْ سبتة ومليلية المغربيتين بجدران شائكة ومرتفعة لعدة أمتار يصعب اجتيازها، وهما بوابتا العبور البريتان الوحيدتان اللتان يعبرهما المهاجرون السريون من أفريقيا السوداء وبلدان المغرب العربي، للوصول إلى أوروبا.
ومازالت تداعيات جدار منع التسلل من مدينة كاليه الفرنسية إلى بريطانيا مستمرة، بعد أن أقام المهاجرون مخيمات عشوائية يسكنها الآلاف من الأشخاص، من أجل انتهاز الفرصة للهرب إلى داخل الحدود البريطانية.
أما في المجر -التي تعد أحد أبرز بلدان العبور- فقد أقامت حكومة فيكتور أوربان المحافظة في 2015، جدارا شائكا يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار على حدودها مع صربيا التي يبلغ طولها 175 كلم، ثم على الحدود الكرواتية.
وأقامت سلوفينيا مع تدفق المهاجرين على حدودها وخصوصا السوريين والعراقيين أسلاكا شائكة على حوالي 150 كلم من حدودها مع كرواتيا التي تبلغ بالإجمال 670 كلم.
كما أقامت اليونان في 2012 جدارا معدنيا عاليا يناهز طوله 10.3 كلم على مجرى نهر ايفروس -على الحدود التركية- الذي كان أحد أبرز نقاط العبور التي يختارها المهاجرون.
وتعد إجراءات بناء الأسوار والجدران التي اتخذتها دول مختلفة بهدف حماية حدودها، حلولا استعجالية ومكلفة في الوقت نفسه، ولكنها أيضا تتسبب في مشكلات وتداعيات، وتثير الكثير من نقاط الاستفهام حول مدى نجاعتها في وقف تدفق اللاجئين وحماية البلدان من خطري الإرهاب والتهريب.
ومثّل هذا موضوع اختلاف بين الدافعين باتجاه تشييد الجدران خصوصا بعد خطة الرئيس الأميركي في بناء سور مع المكسيك، وبين من يرى أن هذه الجدران حل مؤقت وغير مجد، مذكرين بانقضاض الآلاف من الألمان على جدار برلين لتهديمه في لحظة ما.
لكن الدول أيضا بحاجة إلى حلول آنية لمواجهة تدفق المهاجرين بأعداد كبيرة. وهذا ما أرجعته الكاتبة، ناتالي نوغيريد في تقرير لها بصحيفة الغارديان، إلى إهمال أوروبا لسوريا وكيف أن هذا الإهمال سينقلب على أوروبا. وقالت الكاتبة إن إهمال سوريا سينقلب على أوروبا، لأن الأجيال العربية والمسلمة المقبلة سوف تسأل الأوروبيين لماذا لم يبذلوا المزيد من الجهد لمساعدة أمة يبيدها جيش الدكتاتور وحلفاؤه. وترى نوغيريد أن مصير أوروبا مرتبط بالدول العربية المجاورة لها أكثر من ارتباطه بالولايات المتحدة.
يمينة حمدي
صحيفة العرب اللندنية